كيف يُخسر رمضان؟ وما هي أسباب خسرانه؟
أولاً: الغفلة عن النية وعدم احتساب الأجر، فاعلم أنك ما تركت الطعام والشراب وابتعدت عن المعاصي والشهوات إلا لله وحده طلبا لرضاه واستجابة لأمره لا يهمنّك أحد من الناس علم أم لم يعلم، فصومك لله وخوفك لله، ولهذه المعاني الجميل قال الله في الحديث القدسي ((إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي))، إذا فالصيام عبادة خفية بينك وبين الله لا يعلم بها إلا الله، فقد تشرب وتأكل لا يعلم بك أحد من الناس، ولكن وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، فمن صام بهذه المعاني وجد حلاوة الصيام وشعر بلذة رمضان فأقدم على الأعمال الصالحة أيما إقدام.
ثانياً: إهمال الصلوات الخمس، وتأخيرها عن وقتها وأداؤها بكسل وخمول، وهذا من أعظم أسباب خسارة رمضان، فمن لم يحرص على الفرائض ولم يقم بالواجبات، فكيف يرجى منه النوافل، بل كيف يرجى منه استغلال رمضان، ربما صلى الرجل في آخر الوقت الصلاة ينقرها نقر الغراب، فكيف لمن كان هذا حاله أن يستغل رمضان في طاعة الله والفوز فيه، بل هذا يخشى على صيامه ألا يقبل والعياذ بالله.
ثالثاً: السهر: وهو من أعظم خسارة رمضان، وكيف يرجى لمن سهر طوال الليل أن يفوز برمضان، والسهر عباد الله مكروه إن كان على مباح فكيف بمن سهر على حرام، أكثر الناس يجلسون طوال الليل مع الأقارب أو مع الأصحاب وتذهب الساعات بالقيل والقال ولعب الورق وتتبع القنوات الفضائية، وربما جلسوا حتى وقت السحر لم يقرؤوا حرفاً من كتاب الله، أليست خسارة أن تضيع هذه الساعات الطوال من رمضان في كل ليلة بمثل هذا؟.
رابعاً: كثرة الأكل في رمضان، وهذا فيه من الخسارة ما الله به عليم، قال النبي : ((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ)) الترمذي، صححه الألباني. وقال النووي: "إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل". وقيل للإمام أحمد رحمه الله: هل يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع؟ فأجاب: "ما أرى". وقال محمد بن واسع: "من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورقّ، وإن كثرة الطعام لتقل صاحبها عن كثير مما يريد".
خامساً: كثرة النوم والخمول والكسل، وهو حصيلة أكيدة لكثرة الأكل والسهر، ولو نام العبد في الليل ساعات لجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله ويقرأ القرآن وأصبح طوال نهاره طيب النفس نشيط.
سادساً: سماع الغناء، فالأذن تصوم وصيامها عن سماع الفواحش والحرام، وإني لأعجب والله كيف ينتشر الغناء في كثير من بيوت المسلمين، خاصة خلال هذا الشهر شهر القرآن، ثم هل يعقل أن يجتمع في بيت واحد صوت الرحمن وصوت الشيطان، وإن اجتمعا كيف حال القلب وهل سيتأثر بهذا أم بذاك، ولكم أن تتصوروا الهموم والقلق كيف يمزق القلب ويفتته، فتارة يستجيب لنداء الرحمن وحلاوته، وتارة يطرب ويسكر بالأوتار ومزامير الشيطان ومنبت النفاق في القلب ورقية الزنا، فأي ضياع وأي خسران بعد هذا!
أسماؤه دلت على أوصافه ... ... تباً لذي الأسماء والأوصاف
وصدق القائل:
برئنا إلى الله من معشر ... ... بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على ... ... شفا جرف ما به من بنا
شفا جرف تحته هوةٌ ... ... إلى درك كم به من عنا
وتكرار ذا النصح منا لهم ... ... لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا ... ... رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى ... ... وماتوا على تنتنا تنتنا
نعم، عبادُ الله المخلصين وأهل الله وخاصته في منأى من ذلك، تطيب نفوسهم لسماع كلام محبوبهم، يتنعمون بين رياضه النضرة، فبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم