نتذكر الجنة في رمضان فنشتاق إليها ونجتهد أكثر في طاعة الرحمان
ألا من مشمر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطَّرِد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجات حسان جميلات، وحُلل كثيرة فى مقام أبدي، في حبرة ونضرة، ودور عالية سليمة بهية.
فيها: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الجنة دار المتقين ، ومآل المحسنين ، أعدها الله للصالحين الأبرار ..
أرضها وتربتها: المسك والزعفران، وسقفها عرش الرحمن، وبلاطها المسك الأذفر، وحصبائها اللؤلؤ والجوهر، وبناؤها: لبنة من ذهب ولبنة من فضة.
ثمرها أمثال القلال، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، وأنهارها: من لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، ومن عسل مصفى، ومن ماء غير آسن.
طعام أهلها فيها: فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور، وآنيتهم الذهب والفضة في صفاء القوارير.
لباسهم: الحرير والذهب، وفرشهم بطائنها من إستبرق.
أما غلمانهم: فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون،
وأما عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب: فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللُّؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، إذا قابلت حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النيّرَين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحمل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والبول والغائط، وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يملُّ طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية الأماني والأمان، هذا ولم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، وإذا برزت ملأت القصر والغرف نوراً.
وقد تعددت أسماؤها في الكتاب والسنة، فهي الجنة، وهي دار السلام، ودار الخلد، ودار المقامة، وجنة المأوى، وجنات عدن، ودار الحيوان، والفردوس، وجنات النعيم، والمقام الأمين، ومقعد صدق، وقدم صدق.
ووصفها لنا رسول الله بما علمه ربه، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
فقال عليه الصلاة والسلام: (((قال الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، واقرؤوا إن شئتم : ) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) متفق عليه
ووصف لنا تربتها وطينتها وحصباءها وبناءها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا : يا رسول الله! حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: (( لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران؛ من يدخلها ينعم ولا ييأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)) رواه أحمد والترمذي
ووصف لنا غرفها عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام )) رواه أحمد والطبراني
ووصف لنا درجاتها؛ فعن أبي هريرة ر ي الله عنه أن النبي صلى اله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن )) رواه البخاري
ووصف لنا أبوابها، وسعتها، وعَدَدَهَا؛ فقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ** ص: 50
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي قال: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون )) متفق عليه
ووصف لنا سعة تلك الأبواب؛ فعن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله قال: ((توفون سبعون أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ )) [رواه أحمد، والحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم (1698) بلفظ: " إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ". ]]
ووصف لنا أهلها وما هم عليه من الجمال والحُسن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : (((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل، لا يتغوطون ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبصقون، أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوَّة، ورشحهم المسك، أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً " وفي رواية: " لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً)) رواه البخاري ومسلم
وووصف لنا أشجارها وبساتينها وحدائقها، فقال تعالى: ** فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ** الواقعة: 28-33 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله وسلم قال : (( إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مئة عام ما يقطعها )) رواه البخاري ومسلم.
ووصف لنا سوقها؛ فعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال :: (( إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم فيقولون لهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً )) رواه مسلم.
ووصف لنا حورها، فقال تعالى: ** إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ** الواقعة: 35-38 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال : ((لَقابُ قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً ولنصيفها ( يعني الخمار) خير من الدنيا وما فيها )) رواه البخاري ومسلم
وبين لنا أن أعظم لذة فيها على الإطلاق وهي النظر إلى وجه الله الكريم، فقال الله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ** يونس: 26 . والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما ثبت ذلك، وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : ((إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثَّقل موازيننا؟ ويبيَّض وجوهنا؟ ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال : فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرَّ لأعينهم منه )) رواه مسلم. اللهم ارزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم..
فيا من أنعم الله عليك ببلوغ رمضان .. ثم ها أنت تدرك العشر الأواخر منه وتوشك أن تودعه.. وهو شاهد عليك بما استودعته فيه.. ها هي الجنان تزينت ازّخرفت، ولاتزال أبوابها مفتّحة..
فأين طلابها؟
ييا من طرقت تباشير التوبة باب قلبك، لكن حال بينك وبينها التكاسل والتشاغل بالدنيا، والتلهف على زينتها.
ويا من شعرت بالذنب، وآثرت اللجوء لربك الرحيم، ثم تثاقلت خطواتك عن طريق المجاهدة، اسمع إلهك وهو يناديك: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ** (133) سورة آل عمران.
يا من سمعت عن الجنة فتاقت نفسك لدخولها، وحن فؤادك للقائها..
هاك أعمالاً فاضلة توصلك إلى الجنة بفضل الله ورحمته . قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
ووقال : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). رواه البخاري.
ووقال : ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة)). رواه البخاري.
ووقال : ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)). رواه مسلم.
ووقال : ((سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت". إذا قال حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حين يصبح فمات من يومه، دخل الجنة)). رواه البخاري.
وأعمال البر كثيرة ، وكلها طرق موصلة إلى الجنة لمن أحسن العمل وأخلص النية.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
ننسألك الفردوس الأعلى من الجنة، ومرافقة رسولك في أعلى عليين، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وارزقنا وأنت خير الرازقين.