ثق بالله
قال أبو بكر الطرطوشي في كتابه سراج الملوك :
أخبرني أبو الوليد الباجي عن أبي ذر قال :
كنت أقرأ على الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد جزءاً من الحديث في حانوت رجل عطار، فبينما أنا جالس معه في الحانوت إذ جاء رجل من الطوافين ممن يبيع العطر في طبق يحمله على يده، فدفع إليه 10 دراهم وقال له :
أعطني بها أشياء سماها له من العطر فأعطاه إياها فأخذها في طبقه وأراد أن يمضي فسقط الطبق من يده فانكب جميع ما فيه
فبكى الطواف وجزع حتى رحمناه
فقال : أبو حفص لصاحب الحانوت : لعلك تعنيه على بعض هذه الأشياء فقال :
سمعاً وطاعة،فنزل وجمع له ما قدر على جمعه منها ودفع له ما عدم منها، وأقبل الشيخ على الطواف يصبره ويقول له لا تجزع فأمر الدنيا أيسر من ذلك
فقال الطواف : أيها الشيخ ليس جزعي لضياع ما ضاع لقد علم الله تعالى أني كنت في القافلة الفلانية فضاع لي كيس فيه 4 آلاف دينار ومعها فصوص. قيمتها كذلك فما جزعت لضياعها حيث كان لي غيرها من المال،
ولكن ولد لي ولد في هذه الليلة فاحتجنا لأمه ما تحتاج النفساء ولم يكن عندي غير هذه 10 دراهم فخشيت أن أشتري بها حاجة النفساء فأبقى بلا رأس مال، وأنا قد صرت شيخاً لا أقدر على المكسب. فقلت في نفسي أشتري بها شيئاً من العطر فأطوف به صدر النهار فعسى أستفضل شيئاً أسد به رمق أهلي ويبقى رأس المال أتكسب به، واشتريت هذا العطر فحين انكب الطبق علمت أنه لم يبقى شئ معي لي .
قال : أبو حفص وكان رجل الجند جالساً إلى جانبي يستمع للحديث. فقال للشيخ أبي حفص :
يا سيدي أريد أن تأتي بهذا الرجل إلى منزلي، فظننا أن يعطيه شيئاً،
قال: فدخلنا إلى منزله فأقبل على الطواف
وقال له : عجبت من جزعك، فأعاد عليه القصة، فعلم الجندي صحة قوله فقال :
وما علامة الكيس وفي أي موضع سقط منك ؟
فوصف له المكان والعلامة .فأخرج الجندي له الكيس ووضعه بين يديه فحين رآه صاح وقال :
هذا الكيس والله وعلامة صحة قولي أن فيه من الفصوص(المجوهرات) ما هو كذا وكذا ففتح الكيس فوجده كما ذكر،
فقال الجندي خذ مالك بارك الله لك فيه،
فقال الطواف : إن هذه الفصوص قيمتها مثل الدنانير وأكثر فخذها وأنت في حل منها.ونفسي طيبة بذلك، فقال الجندي :
ما كنت لآخذ على أمانتي مالا، وأبى أن يأخذ شيئاً ثم دفعها للطواف جميعها فأخذها ومضى ودخل الطواف وهو من الفقراء وخرج وهو من الأغنياء