_ المتن :
** وقل الحمد لله الّذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن لّه شريك في الملك ولم يكن لّه وليّ مّن الذّلّ
وكبّره تكبيرا **
سورة الإسراء 111
** يسبّح لله ما في السّماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير **
سورة التّغابن 1
** تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً * الّذي له ملك السّماوات والأرض ولم يتّخذ ولداً ولم يكن لّه شريك في الملك وخلق كلّ شيء فقدّره تقديراً **
سورة الفرقان 1 - 2
** ما اتّخذ الله من ولد وما كان معه من إلـٰه إذا لّذهب كلّ إلـٰه بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عمّا يصفون * عالم الغيب والشّهادة فتعالى عمّا يشركون **
سورة المؤمنون 91 - 92
** فلا تضربوا لله الأمثال إنّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون ** سورة النّحل 74
** قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحَقّ وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ** .
سورة الأعراف 33
_ الشرح :
( وقل الحمد لله ) الحمد هو الثناء
وألْ فيه للاسْتِغْراق – أي الحَمْدُ كُلُه لله
( الذي لم يتّخذ ولدا ) أي : ليس له ولد
كما تقوله اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب
( ولم يكن له شريك في الملك )
أي ليس له مُشاركٌ في مُلكِه ورُبوبِيَتِه
كما تقول الثنوية ونحوهم ممن يقول بتعدد الآلهة
( ولم يكن له وليٌّ من الذُّل )
أي : ليس بذَليلٍ فيحتاج إلى أن يكون له وليٌّ أو وزيرٌ أو مُشير
فلا يُحالِفٌ أحدا ولا يَسْتَنْصِرُ بأحَدٍ
( وكبره تكبيرا )
أي : عظمه وأَجِلَّه عما يقوله الظالمون .
وقوله :
( يسبح ما في السموات وما في الأرض )
أي : تُنَزِهَهُ جَميعُ مَخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب
( له الملك وله الحمد ) يختصان به ليس لغيره منهما شيء .
وما كان لعباده من المِلْكيَة فهو من عَطائِه
( وهو على كل شئ قدير )
لا يعجزه شئ .
( تبارك ) فعل ماضي مأخوذ من البركة
وهي النّماء والزيادة المستقرة
الثابتة الدائمة .
وهذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه .
ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي
( الذي نزّل الفرقان ) أي : القرآن سمي فرقانا لأنه يفرق بين الحق والباطل
( على عبده ) يعني : محمداً صلى الله
عليه وسلم ، وهذه صفة مدح وثناء ،
لأنه أضافه إليه إضافة تشريف وتكريم في مقام إنزال القرآن عليه
( ليكون للعالمين ) الإنس والجن
وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم
(نذيرا) أي : مُنذِراً ، مأخوذ من الإنذار
وهو الإعلام بأسباب المخافة
و قوله : ( ليكون ) تعليل لإنزال الفرقان عليه
أي : لِيَخُصَه بالرسالة العامة
ثم وصف نفسه سبحانه بأربع صفات ،
الأولى :
قوله :
( الذي له ملك السموات والأرض )
دون غيره فهو المتصرف فيهما وحده .
الصفة الثانية : ( ولم يتّخذ ولدا )
كما تزعم النصارى واليهود ،
وذلك لكمال غناه
وحاجة كل مخلوق إليه .
الصفة الثالثة :
( ولم يكن له شريك في الملك )
وفيه ردٌ على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية وغيرهم .
الصفة الرابعة :
( وخلق كلّ شئ ) من المخلوقات .
ويدخل في ذلك أفعال العباد
فهي خَلْقُ اللهِ وفِعلُ العَبدِ
( فقدره تقديرا )
أي : قَدّرَ كلّ شَئ مما خلق من
الآجال
والأرزاق
والسعادة
والشقاوة
وهَيّأ كل شئ لما يصلح له .
قال ابن كثير : نزه نفسه عن الولد
وعن الشريك ، ثم أخبر أنه خلق كل شيء فقدره تقديرا .
أي : كل شيء مِمّا سواه مَخْلوقٌ مَربوب
وهو خالق كل شيء ورَبُّه ومَليكُه وإلَهُه
وكل شيء تحت قَهْرِه وتَدبيره وتَسْخيره وتقديره انتهى .
قوله : ( ما اتّخذ الله من ولد وما كان معه
من إلـٰه ) في هذه الآية
يُنَزِهُ تعالى نَفسَه عن أن يكون له
ولدٌ
أو شَريكٌ في الملك
والتصرف
والعبادة
و( من ) في الموضعين لتأكيد النفي
( إذا لّذهب كل إلـٰه بما خلق )
هذا استدلالٌ لما سبق في أول الآية
من نفي الولد والشريك في الألوهية ،
أي لو قُدِّرَ تَعَدُدُ الآلِهَة لانْفرَد كلٌ منهم عن الآخر بما خلق
وحينئذ لا ينتظم الكون لوجود الانقسام .
والواقع المشاهد أن الكون منتظم أتَمَّ انْتِظام لم يحصل فيه تعدد ولا انقسام
( ولَعَلاَ بعضُهم على بَعض )
أي : لو كان معه إلـٰهٌ آخر لكان كل منهم يطلب قهر الآخر ومخالفَتَه
فَيَعْلو بَعضُهم على بَعض كحال ملوك الدنيا
وحينئذ فذلك المغلوب الضعيف
لا يستحق أن يكون إلهاً .
وإذا تقرر بطلان المُشارِكِ تَعيـَّن أن يكون
الإلَهُ واحِداً هو الله وحده
ولهذا قال : ( سبحان الله عما يصفون )
من الشريك و الولد
( عالم الغيب والشهادة )
أي : هو المختص بعلم ما غاب عن العباد
وعلم ما يشاهدونه ،
وأما غيره فهو وإنْ عَلِمَ شَيئاً من المشاهَد
فإنه لا يعلم الغيب
( فتعالى ) أي تَنَزّه الله وتقدّس
( عما يشركون ) به
فهو سبحانه مُتَعالٍ عن أن يكون له شَريكٌ
في الملك .
قوله : ( فلا تضربوا لله الأمثال )
ينهى سبحانه عن ضرب الأمثال له .
وضرب المثل هو تشبيه حال بحال ،
وكان المشركون يقولون إن الله أجَلُّ من أن يعبده الواحد منا ،
فلابد من اتخاذ واسطة بيننا وبينه
فكانوا يتوسلون إليه بالأصنام ،
وغيرها تشبيها له بملوك الدنيا .
فنهى سبحانه عن ذلك لأنه سبحانه لا مثل له فلا يُمَثَلُ بِخَلقِه ولا يُشَبَه بهم
( إن الله يعلم ) أنه لا مِثْلَ له
( وأنتم لا تعلمون ) فَفِعْلُكُم هذا صدَر عن تَوَهُمٍ فاسِدٍ وخاطِرٍ باطِلٍ .
ولا تعلمون أيضا ما في عبادة الأصنام من سوء العاقبة
وقوله : ( قل ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك دليل
على أن القرآن كلام الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم مُبَلِغٌ عن الله .
( إنما ) أداة حصر
( حرم ربّي الفواحش ) أي : جعلَها حَراماً
والفواحش جَمعُ فاحِشَةٍ ،
وهي ما تَناهَي قُبحُه من المعاصي
( ما ظهر منها وما بطن)
أي : ما أعلن منها وما أسر
( والإثم ) كل معصية يتسبب عنها الإثم
وقيل هو الخمر خاصة
( والبغي بغير الحق ) أي : الظلم المجاوز للحد والتعدي على الناس
( وإن تشركوا بالله ) أي : تجعلوا له شريكاً في العبادة .
( ما لم يُنزّل به سلطاناً )
أي : حجة وبرهانا .
وهذا موضع الشاهد من الآية
( وأن تقولوا على الله مالا تعلمون )
من الافتراء والكذب
من دعوى أن له ولدا ونحو ذلك
مما لا علم لكم به ،
ومثل كما كانوا ينسبون إليه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها .
الشاهد من هذه الآيات الكريمة :
أن فيها نفى الشريك عن الله تعالى
واثبات تفرده بالكمال
ونفى والولد
والمثل عنه سبحانه وأن جميع مخلوقاته
تُنزِهُهُ عن ذلك وتقدسه .
كما أن فيها إقامة الحجة
على بطلان الشرك
وأنه مَبنيٌ على جَهلٍ وخيال .
وأنه سبحانه لامثل له ولا شبيه له .
والله أعلم .
( يتبع ) ...................