الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يتضح لنا من يقصد السائل بقوله: (لماذا تقولون إن القرآن محدث ؟) أما نحن فلم نقل بذلك ولن نقوله.
بقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه هو حديث، وهو أحسن الحديث، وليس بمخلوق باتفاقهم، ويسمى حديثًا وحادثًا، وهل يسمى محدثًا ؟ على قولين لهم. ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآآن في محنة الإمام أحمد رحمه اللّه وكانوا لا يعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال: القرآن محدث، بل من قال: إنه محدث، فقد قال: إنه مخلوق. ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الإطلاق على داود لما كتب إليه أنه تكلم بذلك، فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة. وداود نفسه لم يكن هذا قصده، بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام اللّه غير مخلوق، وإنما كان مقصوده أنه قائم بنفسه، وهو قول غير واحد من أئمة السلف، وهو قول البخاري وغيره. والنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي، فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل، ومتفقون على أن كلام اللّه قائم بذاته، وكان أئمة السنة كأحمد وأمثاله، والبخاري وأمثاله، وداود وأمثاله، وابن المبارك وأمثاله، وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن أبي شيبة وغيرهم، متفقين على أن اللّه يتكلم بمشيئته وقدرته، ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم. وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كُلاب. اهـ.
وقال أيضا رحمه الله: إن أردت بقولك: محدث، أنه مخلوق منفصل عن الله كما يقول الجهمية والمعتزلة والنجارية، فهذا باطل لا نقوله، وإن أردت بقولك: إنه كلام تكلم الله به بمشيئته بعد أن لم يتكلم به بعينه، وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك مع أنه لم يزل متكلما إذا شاء فإنا نقول بذلك. وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وهو قول السلف وأهل الحديث. اهـ.
وبهذا يتبين متى يقبل هذا القول ومتى يرد، بحسب المراد منه، وقد وضح ذلك الحافظ ابن كثير عند كلامه على مبدأ فتنة القول بخلق القرآن في عصر المأمون وأنه كتب الكتب بامتحان الناس بذلك، وكان مضمونها الاحتجاج بأن القرآن محدث، وكل محدث مخلوق.
قال ابن كثير: وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الأفعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون: هو محدث. وليس بمخلوق، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ. {الأنبياء: 2**. وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ. {الأعراف: 11**. فالأمر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وذا له موضع آخر، وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد. اهـ.
منقول الشبكة الإسلامية بتصرف
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:
ملاحظة: لمن أراد الرجوع إلى الأصل فعليه بالجزء الخامس من النسخة القديمة للفتاوى:
قال ما نصه:
((فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه كالحارث المحاسبى وأبى العباس القلانسى وأبى الحسن الأشعري والقضاة أبى بكر بن الطيب وأبى يعلى بن الفراء وأبى جعفر السمانى وأبى الوليد الباجى وغيرهم من الأعيان كأبي المعالي الجوينى وأمثاله وأبى الوفاء بن عقيل وأبى الحسن بن الزاغونى و أمثالهما أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث ووافقوا في ذلك للجهم بن صفوان وأتباعه من الجهمية والمعتزلة صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب على احد قولين إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه فيقولون كلام الله مخلوق بائن عنه لا يقوم به كلام وكذلك رضاه وغضبه وفرحه ومجيئه وإتيانه ونزوله وغير ذلك هو مخلوق منفصل عنه لا يتصف الرب بشيء يقوم به عندهموإذا قالوا هذه الأمور من صفات الفعل فمعناه أنها منفصلة عن الله بائنة وهى مضافة إليه لا أنها صفات قائمة به ولهذا يقول كثير منهم أن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات وإما أن يجعلوا جميع هذه المعاني قديمة أزلية ويقولون نزوله ومجيئه وإتيانه وفرحه وغضبه ورضاه ونحو ذلك قديم أزلي كما يقولون أن القرآن قديم أزلي ثم منهم من يجعله معنى واحدا ومنهم من يجعله حروفا أو حروفا و أصواتا قديمة أزلية مع كونه مرتبا في نفسه ويقولون فرق بين ترتيب وجوده وترتيب ماهيته كما قد بسطنا الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع على هذه الأقوال وقائليها وأدلتها السمعية والعقلية في غير هذا الموضع والمقصود هنا أنه ليس شىء من هذه الأقوال قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا قول أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة أئمة السنة والجماعة وأهل الحديث كالاوزاعى ومالك بن انس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة و عبدالله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثالهم بل أقوال السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين موجودة في الكتب التي ينقل فيها أقوالهم بألفاظها بالأسانيد المعروفة عنهم كما يوجد ذلك في كتب كثيرة مثل كتاب السنة والرد على الجهمية
وقال أيضاً:
وهم اذا تكلموا في مسألة القرآن وأنه غير مخلوق أخذوا كلام ابن كلاب والاشعرى فناظروا به المعتزلة والجهمية واخذوا كلام الجهمية والمعتزلة فناظروا به هؤلاء وركبوا قولا محدثا من قول هؤلاء وهؤلاء لم يذهب إليه أحد من السلف ووافقوا ابن كلاب والاشعرى وغيرهما على قولهم إن القرآن قديم واحتجوا بما ذكره هؤلاء على فساد قول المعتزلة والجهمية وغيرهم وهم مع هؤلاء وجمهور المسلمين يقولون إن القرآن العربي كلام الله وقد تكلم الله به بحرف وصوت فقالوا إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان أو الحروف بلا أصوات وان الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال كما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرآن في موضع آخر
والمقصود هنا التنبيه على أصل مقالات الطوائف وابن كلاب
وقال شيخ الإسلام بن تيمية كما في شرح العقيدة الأصفهانية:
والفصل الثاني أن القرآن غير قديم فان الكلابية وأصحاب الاشعرى زعموا أن الله كان لم يزل يتكلم بالقرآن وقال أهل الجماعة بل أنه إنما تكلم بالقرآن حيث خاطب به جبرائيل وكذلك سائر الكتب.
وقال الذهبي في ترجمة ابن كلاب: (وكان يقول بأن القرآن قائم بالذات بلا قدرة ولا مشيئة، وهذا ما سبق إليه أبداً) اه سير أعلام النبلاء