المختصر في أحكام السفر
عاشرا: أحكام الجمع:
47 - يشترط في جمع التأخير أن ينوي التأخير عند دخول وقت الأولى؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، فإذا ضاق وقتها ولم ينو الجمع قبل ذلك فلا يجوز أن ينوي الجمع إذا ضاق الوقت، بل يجب عليه أن يصلي الصلاة في الحال ويصلي الثانية في وقتها وذكره الشيخ ابن عثيمين عليه رحمه الله (1).
48 - إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو ما زال في بلده تقدم أنه لا يجوز له القصر، وكذلك الجمع إلا إذا خشي خروج وقت الصلاة الثانية، ولا يستطيع النزول للصلاة كالمسافر في الطائرة أو النقل الجماعي إذا سافر وقت صلاة الظهر، فله جمع العصر معها بلا قصر وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2).
49 - يجوز الجمع للإنسان إذا خرج من بلده بعد دخول الوقت للصلاة وكانت مما تجمع مع الصلاة التي بعدها لوجود سببه وهو السفر.
_________
(1) الممتع 4/ 574.
(2) فتاوى ابن عثيمين 15/ 432.
(1/85)
50 - وقت الجمع بين الصلاتين من دخول وقت الأولى حتى آخر وقت الثانية الاختياري فلا يجوز تأخير الظهرين إلى بعد اصفرار الشمس بعد العصر، ولا تأخير العشائين إلى بعد منتصف الليل على ما رجحه ابن عثيمين رحمه الله، وهو رواية عند الحنابلة.
51 - الجمع يكون للظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير وأيهما فعل أجزأ، والفجر لا يجمع معه شيء.
52 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده ولم يدخل وقت الثانية لا يجمع الثانية مع الأولى بل يصلي كل صلاة في وقتها إتماما لو بقي وقت يسير لأن علة القصر والجمع هنا السفر وقد زال وهذا مبني على اشتراط استمرار العذر في جمع التأخير، وذكره الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1).
53 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل البلد المسافر إليه وبقي وقت يسير ويدخل وقت الثانية فله حالات:
الأولى: إن كان في غير مسجد فالأفضل أن ينتظر حتى يدخل وقت الثانية، فيصليهما جمعا وقصرا وإن صلى جاز.
الثانية: إن كان دخل مسجدا بعد أذان الصلاة الثانية وقبل الإقامة، فيصلي الأولى قصرا ثم يصلي الثانية مع الجماعة.
_________
(1) فتاوى اللجنة 8/ 157، الممتع 4/ 576.
(1/86)
الثالثة: إن كان دخل المسجد والناس يصلون الثانية دخل معهم بنية الأولى كما تقدم تفصيله في ائتمام المسافر بالمقيم.
54 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده وقد دخل وقت الثانية يصلي الأولى والثانية إتماما لانقطاع السفر وزوال العذر وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة (1).
55 - إذا كان وهو مسافر إلى بلده يستطيع أن يدخل بلده ويدرك الصلاة مع الجماعة أو وقتها أو يدخل بلده قبل دخول وقت الثانية جاز له القصر والجمع قبل دخول البلد، لأنه لم يدخل البلد، ولأنه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي وهو السفر، كما في الكشاف، وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة (2).
56 - يجوز الجمع للمسافر السائر كما في صحيح مسلم: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء"، وأما النازل فيجوز الجمع لكن الأحوط والأولى ترك الجمع عند عدم المشقة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بمنى في حجة الوداع يقصر الصلاة ولا يجمعها، وخروجا من الخلاف ورجحه ابن تيمية والشيخان رحمهم الله (3).
57 - وجوب الترتيب بين الصلوات في قضاء الفوائت والجمع ويسقط الترتيب بالنسيان والجهل أو إذا خشي خروج
_________
(1) فتاوى اللجنة 8/ 151.
(2) كشاف القناع 3/ 279، فتاوى اللجنة 8/ 137، 152.
(3) الإنصاف مع الشرح 5/ 88، الممتع 4/ 553، فتاوى ابن باز 12/ 280.
(1/87)
وقت الصلاة الحاضرة ولا يسقط بخشية فوات الجماعة، وإذا تذكر الفائتة أو الأولى وهو يصلي الحاضرة، رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنه يتم الحاضرة ثم يقضي الأولى لعموم أدلة دفع الحرج عن الناس (1)، وهو رواية عند الحنابلة واختاره ابن تيمية.
58 - إذا جمع المسافر المغرب مع العشاء جمع تقديم، جاز له أن يوتر بعد صلاة العشاء ولا ينتظر حتى يدخل وقت العشاء، ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ لأن العبرة بصلاة العشاء لا الوقت وهو مذهب جمهور العلماء ـ رحمهم الله.
59 - إذا جمع الإنسان بن الصلاتين فالأولى والأفضل والأكمل أن يأتي بأذكار الصلاة الأولى ثم الثانية، وإن اقتصر على أذكار الصلاة الأخيرة فلا بأس بذلك لتداخلهما، ورجحه الشيخ ابن جبرين (2)، ورجح ابن عثيمين الاكتفاء بأحدهما ويأخذ الأكمل، كالمغرب ذكرها أكمل من العشاء (3).
60 - الصلاة في الطائرة على نوعين كما فصلهما الفقيه ابن العثيمين رحمه الله (4):
أ- نوافل:
يصليها الراكب على أي حال قائما أو قاعدا يومئ بالركوع والسجود على أي جهة ولا يشترط استقبال القبلة، وكذا في السيارة لحديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت
_________
(1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 436.
(2) فتاوى في السفر لابن جبرين.
(3) لقاءاتي مع الشيخين الطيار 2/ 206.
(4) فتاوى ابن عثيمين 15/ 244.
(1/88)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وعند البخاري "يومئ برأسه ولم يكن يصنعه في المكتوبة"، وفي رواية مسلم "يوتر عليها" والأفضل استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام قاله ابن العثيمين رحمه الله، واختاره ابن قدامة وابن تيمية.
ب- فرائض لها حالات:
الأولى: إن استطاع أن يصليها قبل الركوب أو بعد النزول في وقتها صلى سواء جمع تقديم أو تأخير.
الثانية: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه أن الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الأولى، فينوي جمع التأخير إن كانت تجمع كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء.
الثالثة: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه خروج وقت الصلاتين المجموعتين أو صلاة لا تجمع مع أخرى كالفجر فيجب عليه أن يؤدي الصلاة في مصلى الطائرة إن وجد مستقبلا القبلة إن استطاع، وإن لم يستطع صلى في الممرات، وإن لم يستطع صلى قائما ويومئ بالركوع والسجود وهو جالس على كرسيه ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها.
الرابعة: إذا كان في الطائرة مصلى ويمكن أن يصلي مستقبل القبلة قائما وراكعا وساجدا صلى فيه لو كان ذلك مع سعة الوقت.
61 - تجوز الصلاة في السفينة فروضا ونوافل ولا يسقط
(1/89)
القيام واستقبال القبلة في الفريضة لأنه يمكن ذلك فإن لم يستطع القيام جاز له أن يصلي جالسا.
* الوقفة الثانية مع ابن باز في اغتنامه للوقت حال سفره:
يقول مدير مكتب سماحة الشيخ: كنت مرافقا للشيخ من الطائف إلى الرياض في الطائرة فقرأت عليه ستين صفحة من كتاب إعلام الموقعين، ومن المطار إلى منزله تقريرا عن الدعوة في بعض البلاد سبع عشرة صفحة.
متنقل في سؤدد من سؤدد ... مثل الهلال جرى فكان كماله
سافر الشيخ حينما كان في المدينة متجها إلى بدر، وكان معه اثنان يقول أحدهم: فلما بدأ سيرنا ودعا سماحته بدعاء السفر التفت رحمه الله وقال: توكلوا على الله ابدؤوا بقراءة المعاملات، فقلنا للشيخ: دائما نقرأ ولا نتمكن من الخروج للمدينة، وهذه فرصتنا دعنا نستمتع بالرحلة وننظر الجبال والأودية، فضحك سماحته وقال: اللهم اهدنا فيمن هديت ليقرأ فلان وأنت تفكر وانظر، وبعد أن ينتهي فلان سأملي عليك وينظر الآخر وقت الإملاء وهكذا ...
كان سماحته يوما في مكة وبعد المغرب استقبل الناس، وأجاب عن أسئلتهم فذهب إلى جدة ومعه ثلاثة لحفل مركز الدعوة. وفي الطريق يتناوبون القراءة عليه يقول الموسى: فوصلنا وألقى الشيخ كلمته ثم عدنا فما وصلنا المنزل إلا الثانية ليلا، وكان من عادته أن يتهجد الثالثة ليلا فجزمنا بعدم قيامه لشدة تعبه، فلما جاء وقت تهجده قام وصلى حتى أذن الفجر
(1/90)
فذهبنا للمسجد وصلى بنا وألقى كلمة بعد الصلاة، فعدنا للمنزل فألقى سماحته غترته وطاقيته وقال: بسم الله المعاملات فقرأنا عليه حتى السابعة والثلث فقال: ننام. وضع المنبه على الثامنة والثلث فقمنا وذهبنا للرابطة لحضور الندوات فرجعنا الثانية والنصف فتناول الغداء مع الضيوف وأكمل برنامجه اليومي.
ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب
سئل الشيخ ذات مرة متعجبين من حوله من طول ما يعمل ما سر ذلك يا شيخ؟!
فقال: إذا تلذذت الروح لم يتعب الجسد. فرحمة الله على ذاك الأسد فلنكن أشبالا من ذاك الأسد.
الحادي عشر: أحكام الجمعة:
62 - يجوز السفر يوم الجمعة قبل النداء الأخير لها، وأما إذا أذن المؤذن الأذان الأخير وهو بعد الزوال فلا يجوز السفر حينئذ إلا في حالات:
الأولى: إذا خشي ذهاب رفقته، وكذا ذهاب الطائرة والنقل الجماعي إذا صلى الجمعة.
الثانية: إذا كان يمكن أن يأتي بها في طريقه.
الثالثة: إذا وافق ذلك اليوم يوم عيد وصلى العيد، فإن الجمعة تسقط عنه فله السفر بعد النداء الأخير.
63 - الجمعة بالنسبة للمسافر لها ثلاث حالات:
(1/91)
الأولى: إذا كان سائرا في الطريق فلا تلزمه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر أسفارا كثيرة ومنها حجة الوداع، ولم يرد أنه صلى الجمعة ورجحه الشيخان رحمهما الله (1)، وما يفعله بعض المسافرين من أنه إذا دخل عليه وقت الجمعة وهو في الطريق فإنه يقف ويصلي الجمعة فإنه لم يأخذ برخصة الله، والله يحب أن تؤتي رخصه. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أجزأته عن الظهر (2).
الثانية: إذا كان نازلا في مكان تقام فيه الجمعة ويسمع النداء فالراجح وجوبها لعموم الأدلة ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ** [الجمعة 9]، وليس هناك دليل يستثني المسافر النازل في مكان تقام فيه الجمعة من صلاة الجمعة، ومال إليه ابن تيمية وجزم به الشيخان رحمهما الله (3)، ويتساهل الناس في هذا كثيرا، وأما إذا كان مارا بالبلد مواصلا للسير ووقف لحاجة وسمع أذان الجمعة فلا جمعة عليه، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (4)، ويتبع الصلاة سائر أحكام الجمعة من الاغتسال وغيره، ويستحب الدعاء للمسافر فيكون جمع سببين لإجابة الدعاء: السفر، والجمعة.
_________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 208، الممتع 5/ 12.
(2) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 208.
(3) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 379، فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 220، 221، الممتع 5/ 15، فتاوى ابن تيمية 24/ 184.
(4) الممتع 5/ 14، فتاوى ابن عثيمين 15/ 431.
(1/92)
64 - إن صلى المسافر السائر مع من يصلي الجمعة فله حالتان:
أ- أن ينوي الجمعة وهذا هو الأفضل حتى ينال أجر الجمعة.
ب- أن ينويها ظهرا فهل يقصر أم يتم؟ صحيح المذهب الإتمام ويتجه الإجزاء بركعتين وسبب ذلك هل الجمعة بدل الظهر أم لا؟ (1).
الثالثة: إذا كان نازلا في مكان لا تقام فيه جمعة ولا يسمع أذانها كمن أقام في البر للنزهة وغيرها، فهذا لا تجب عليه الجمعة لأنه مسافر، ويأخذ حكم ذلك البدو الرحل، والعسكريون في البحر أو البر لمهمات عسكرية وأمنية، وعمال الشركات الذين يخرجون لتنقيب النفط وغيره، ولا ينوون الإقامة الدائمة ولا تقام الجمعة في المكان الذي هم فيه، وبه أفتى الشيخان مع اللجنة الدائمة.
65 - البعض يقيمون الجمعة بأنفسهم ويصلونها في مكان لا تقام فيه الجمعة وهم مسافرون نازلون كالحالة الثالثة، فهؤلاء لا تصح صلاتهم ويجب عليهم أن يصلوا الصلاة مرة ثانية ظهرا لأنها فرضهم وبهذا أفتى الشيخان ـ رحمهما الله ـ مع اللجنة الدائمة (2).
_________
(1) الإنصاف مع الشرح 5/ 57.
(2) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 225، فتاوى ابن عثيمين 15/ 370، والإعادة أفتى بها الشيخ في غير الكتاب في سؤال سأله بعض العسكريين في الجامع الكبير بعنيزة.
(1/93)
الرابعة: المقيمون في بلد الكفار يرى الشيخ ابن عثيمين أنهم يقيمون الجمعة إظهارا لشعائر الإسلام وعلى القول الآخر أنهم غير مسافرين فتجب في حقهم (1).
66 - إذا صلى الجمعة وهو مسافر لا يجمع معها العصر ويصلي العصر إذا دخل وقتها لعدم الدليل ولأنها من الصلوات التي لا يجمع معها شيء ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله ـ (2)، وقيل: يجوز الجمع. قال أحمد: المسافرون يجمعون يوم الجمعة قد صلى عبد الله يوم الجمعة في الحضر فجمع، وقال به النووي. وله قوته وحجته لوجود علة الجمع وعدم دليل المنع، وإذا لم تجب عليه الجمعة ككونه سائرا أو مسافرا قبل دخول الوقت أو في مكان لا تقام فيه الجمعة فإنه يجوز له أن يصلي الظهر والعصر جمعا اتفاقا (3).
67 - لو أدرك المسافر من صلاة الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا، وقيل: يقصر وهو قول عند الحنابلة وقول للمالكية، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة وهو رأي الإمام أحمد ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله ـ (4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الصلاة» رواه البخاري ومسلم.
68 - إنسان دخل مع الإمام بنية الجمعة بعد الرفع من
_________
(1) الشرح الممتع 5/ 169.
(2) فتاوى ابن عثيمين 15/ 370.
(3) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح ص265.
(4) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 329، الممتع 5/ 61، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود.
(1/94)
الركوع على أنها الركعة الأولى ثم تبين له أنها الثانية فإنه يغير النية وينويها ظهرا، وهو رواية في مذهب الحنابلة، والأولى إذا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع أن ينتظر حتى السجدة الثانية، فإن قام الإمام للثانية نوى الجمعة وإن جلس للتشهد نوى الظهر، وذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (1).
69 - يحدث زحام عظيم في مواسم الحج ورمضان في المسجد الحرام يوم الجمعة فلا يجد الإنسان مكانا يسجد فيه، فيجب عليه أن يبحث عن مكان يستطيع أن يؤدي فيه الصلاة تامة، فإذا لم يجد فيجب عليه إذا أراد أن يسجد أن يجلس ويومئ بالسجود؛ أي: يحني رأسه وظهره وهو جالس إلى صدره لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ** [التغابن: 16] ولأن السنة جاءت بالإيماء عند التعذر، وهو قول في مذهب الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2). وبالمناسبة فالصلاة ولله الحمد في مساجد مكة التي داخل الأميال بمائة ألف صلاة ورجحه عطاء وابن القيم وابن باز فلا يزاحم المرء نفسه وإخوانه.
70 - إذا دخل المسافر بلده يوم الجمعة وبقي وقت يسير على الصلاة فإنه تلزمه الصلاة في أقرب مسجد جمعة إذا خشي فواتها عند إرادته الذهاب إلى بيته، وكذا صلاة الجماعة إذا خشي فواتها تأخذ حكم ما سبق.
_________
(1) الممتع 5/ 63.
(2) المصدر السابق.
(1/95)
71 - إذا صلى المسافر الظهر يوم الجمعة ثم دخل بلده ويمكنه إدراك الجمعة فلا تلزمه (1).
72 - إذا سافر الإنسان يوم الجمعة بعد الزوال، فإن وجد في الطريق مسجدا يصلون فيه الجمعة وجب عليه أن يصلي معهم، وإن لم يجد فعليه الاستغفار والتوبة ويصليها ظهرا ركعتين للقاعدة المشهورة بأن العبرة بحال الأداء لا أول الوقت.
73 - تستحب قراءة سورة الكهف للمسافر يوم الجمعة لعموم الأدلة الواردة فيها، ولأن سنيتها مرتبطة باليوم لا صلاة الجمعة.
74 - هل يجب غسل الجمعة على المسافر الذي لا تجب عليه الجمعة محل خلاف، والصحيح لا يجب لأن الغسل مرتبط بمن تجب عليه الصلاة لا اليوم كما قال به بعض الفقهاء ـ رحمهم الله ـ وهذا أمر ظاهر من النصوص. قال ابن حجر: وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره ـ أي: حديث الغسل ـ واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة .. وقد تبين من الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة وعدم تأذي الحاضرين بها، ورجحه النووي (2).
75 - المسافر إذا صلى الجمعة فإنه يصلي بعدها سنتها لأنها تابعة لها بخلاف الرواتب كما تقدم.
_________
(1) المجموع 4/ 252.
(2) الفتح 2/ 416.
(1/96)
* استراحة مسافر:
رسالة كتبها شيخ الإسلام لأمه وهو مسافر:
من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة، أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كما جاءت في نمو وازدياد، جلت عن التعداد.
وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا، ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية.
ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة، والهداية والبركة، ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن
(1/97)
في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئا من أمور الدنيا قط، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من أهمها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له» (1) والتاجر يكون مسافرا فيخاف ضياع بعض ماله فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرا كثيرا وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدا واحدا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما (2).
وهذه الرسالة من هذا العالم الذي يعجز القلم عن وصفه، فيها من الفوائد الشيء الكثير وأدع للقراء والمسافرين استنباطها والوقوف معها طردا للملل وتحريكا للأذهان ومعرفة واقتداء بهذا الترجمان.
_________
(1) رواه الترمذي وأحمد وضعفه الألباني في سلسلته برقم 1906.
(2) الفتاوى 28/ 48.
(1/98)