بعض علماء اهل السنة مثل يحيى الحجوري -رحمهم الله- يقولون القرآن قديم النوع حادث الآحاد أنا أرى أن المقصود من كلامهم - القرآن - أي نوع الكلام وجنسه قديم في حق الله سبحانه وهذا سائغ في اللغة العربية بدليل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال « خفف على داود عليه السلام القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده» رواه موسى بن عقبة، عن صفوان، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أخرجه البخاري
الشرح
(خفف) سهل ويسر.
(القرآن) قراءة الكتاب المنزل عليه والمكلف بالعمل به ويطلق القرآن على القراءة.
(فتسرج) يوضع عليها السرج وهو ما يوضع على ظهر الفرس ونحوها تحت الراكب
وفي موقع الدرر السنية
البَركةُ نِعمةٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، يَتفضَّلُ بها على مَن يَشاءُ مِن عِبادِه، ويُنزِلُها فيما شاء مِن خلْقِه، فإذا حلَّت البَرَكةُ ثبَتَ الخيرُ، وعظُمَ النَّفعُ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه خُفِّف على نَبيِّ اللهِ داوُدَ عليه السَّلامُ القُرآنُ، وقُرآنُ كُلِّ نَبيٍّ هو الكِتابُ الَّذي أُنزِلَ عليه، فيُسِّرُ له قِراءةُ الكِتابِ السَّماويِّ الَّذي أُنزِلَ عليه مِن ربِّه؛ وهو الزَّبُورُ، كما قال تعالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا** [النساء: 163]؛ فكان يَأْمُرُ بوَضْعِ السُّرُج على دابَّتِه ودَوابِّ أتْباعِه، فلا يَنتَهي خَدَمُه وعُمَّالُه مِن وضْعِ السُّرُجِ على ظُهورِها، إلَّا وقدْ قَرَأ الزَّبُورَ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه.
وأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ نَبيَّ اللهِ داوُدَ عليه السَّلامُ كان لا يَأْكُلُ إلَّا مِن كَسْبِ يَدِه، فقدْ علَّمَه اللهُ سُبحانَه صِناعةَ الحَدِيدِ؛ قال اللهُ تعالَى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ** [الأنبياء: 80]، وقال سُبحانَه: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ** [سبأ: 10، 11].
وفي الحَديثِ: وُقوعُ البركةِ في الزَّمنِ اليَسيرِ حتَّى يَقَعَ فيه العملُ الكثيرُ.
وفيه: فضْلُ الكسْبِ مِن عمَلِ اليدِ.
وفيه: فَضيلةُ نَبيِّ اللهِ داودَ عليه السَّلامُ.
فالمراد من هذا أن أنبهكم أيها الإخوة أن القرآن قد يطلق ويراد به نوع الكلام وجنسه في حق الله وبهذا نفهم مراد العلماء ولا نخطئ في معنى كلامهم وفقكم الله سبحانه أن نوع الكلام في حق الله قديم لا الآحاد المعين كما هو معتقد أهل السنة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضاً يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم لم يزل متكلماً إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس النداء الذي نادى به موسى ونحو ذلك فحينئذ ناداه كما قال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة. انتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يصر متكلما بعد أن لم يكن متكلما ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلما إذا شاء، فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحد من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم. وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. ولم يقل أحد منهم: إن القرآن قديم، ولا قالوا: إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا: إن حروف القرآن، أو حروفه وأصواته، قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلما بها إذا شاء، بل قالوا: إن حروف القرآن غير مخلوقة وأنكروا على من قال: إن الله خلق الحروف. اهـ.
وقال أيضا: السلف قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وقالوا: لم يزل متكلما إذا شاء. فبينوا أن كلام الله قديم، أي جنسه قديم لم يزل. ولم يقل أحد منهم: إن نفس الكلام المعين قديم، ولا قال أحد منهم القرآن قديم. بل قالوا: إنه كلام الله منزل غير مخلوق. وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته، كان القرآن كلامه، وكان منزلا منه غير مخلوق، ولم يكن مع ذلك أزليا قديما بقدم الله، وإن كان الله لم يزل متكلما إذا شاء، فجنس كلامه قديم. اهـ.
والحمد لله رب العالمين