- أربعون حالة نبه عليها الرسول –الحالات من 31-35
31- النهي عن خروج المرأة متعطرة
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن الخروج متبرجة متعطرة وبين أنها إذا خرجت استشرفها الشيطان: فقد أخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها» وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة برقم: 2688.
32- النهي عن التبذير
ونهى الله عز وجل ورسوله صلوات الله وسلامه عليه عن التبذير وبين أن المبذر سائر على خطا الشيطان وشبهه حتى وصفه بأنه أخ له فقال جل من قائل: )إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا( [الإسراء: 27].
وقوله: )إخوان( يعني أنهم في حكمهم؛ إذ المبذر ساع في الإفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار؛ ثلاثة أقوال. والإخوان هنا جمع أخ من غير النسب؛ ومنه قوله تعالى: )إنما المؤمنون إخوة( [الحجرات: 10]. وقوله تعالى: )وكان الشيطان لربه كفورا( أي احذروا متابعته والتشبه به في الفساد.
وقال الإمام الطبري في تفسيره: وأما قوله: )إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين( فإنه يعني: إن المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين؛ وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم: هو أخوهم
ومن الأحاديث التي تنهى عن التبذير وتبين أن المبذر قريب من الشيطان ما رواه مسلم في صحيحه عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْفُرُشَ فَقَالَ فِرَاشٌ لِلرّجُلِ وَفِرَاشٌ لِلْمَرْأَةِ وَفِرَاشٌ لِلضّيْفِ وَالرّابعُ لِلشّيْطَانِ".
قال السندي: قوله: «والرابع للشيطان» أي للافتخار الذي هو مما يحمل عليه الشيطان ويرضى به أو هو من عمل الشيطان أو هو مما لا ينتفع به أحد فيجيء الشيطان يرقد عليه فصار له والله تعالى أعلم أ.هـ.
قال النووي في شرح هذا الحديث: قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه، وقيل أنه على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عشاء، وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه وغير ذلك. واستدل بعضهم بهذا على أنه لا يلزمه النوم مع امرأته وأن له الانفراد عنها بفراش، والاستدلال به في هذا ضعيف، لأن المراد بهذا وقت الحاجة كالمرض وغيره كما ذكرنا، وإن كان النوم مع الزوجة ليس واجباً لكنه بدليل آخر، والصواب في النوم مع الزوجة أنه إذا لم يكن لواحد منهما عذر في الانفراد، فاجتماعهما في فراش واحد أفضل، وهو ظاهر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واظب عليه مع مواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل فينام معها، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها، فيجمع بين وظيفته وقضاء حقها المندوب وعشرتها بالمعروف لا سيما إن عرف من حالها حرصها على هذا ثم أنه لا يلزم من النوم معها الجماع والله أعلم أ.هـ.
33- النهي عن العجلة
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العجلة وعدم التأني. أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشجِ عبدِ القَيْس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة"، وما أحسن ما قيل:
قد يُدْرِكُ المتأنيّ بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزَلَلُ
وروي في الأثر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التأنيَّ من الله، العَجَلة من الشيطان» حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم :3011
وقد ورد تقييد ذلك ببعض الأعمال، فروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : التُؤَدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة، قال الأعمش لا أعلم إلا أنه رفعه.
وفي لفظ للحاكم وأبي داود والبيهقي عن سعد : التؤدةُ في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة،
وللمزّي في تهذيبه في ترجمة محمد ابن موسى عن مشيخة من فوقه مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأناة في كل شيء إلا في ثلاث: إذا صِيحَ يا خيلَ الله اركبي، وإذا نودي بالصلاة، وإذا كانت الجنازة،
وللترمذي بسند حسن عن علي رفعه : ثلاثة لا تؤخروها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا.
وللغزالي عن حاتم الأصم قال : العجلة من الشيطان إلا في خمسة، فإنها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إطعام الطعام، وتجهيز الميت، وتزويج البكر، وقضاء الدين، والتوبة من الذنب».
34- النهي عن سوء الظن والأمر بالمبادرة بالتبري من التهمة في محلها
وعلمنا صلوات الله وسلامه عليه أن نبادر إلى قطع الطريق على الشيطان في المواطن التي قد يرد فيها سوء الظن: فقد ورد في الصحيحين أن صفية بنت حيي رضي الله عنها كانت تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلاً، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبيَّ صلى الله عليه وسلم أسرعا (وفي رواية) تواريا - أي حياءً من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه - فقال لهما صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» (أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي) فقالا: سبحان اللّه يا رسول اللّه! فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال : شراً» رواه البخاري ومسلم.
قال الشافعي رحمه اللّه: أراد عليه السلام أن يعلِّم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى للّه من أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً والله أعلم. أ.هـ.
قال النووي في شرح مسلم: الحديث فيه فوائد منها:
1- بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم وكان بالمؤمنين رحيماً فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان في قلوبهما شيئاً فيهلكا، فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع ، والكبائر غير جائزة عليهم.
2- وفيه أن من ظن شيئاً من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر.
3- وفيه جواز زيارة المرأة لزوجها المعتكف في ليل أو نهار وأنه لا يضر اعتكافه لكن يكره الإكثار من مجالستها والاستلذاذ بحديثها لئلا يكون ذريعة إلى الوقاع أو إلى القبلة أو نحوها مما يفسد الاعتكاف.
4- وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى فعليه أن يبين حاله ليدفع ظن السوء .
5- وفيه الاستعداد للتحفظ من مكايد الشيطان فإنه يجري من الإنسان مجرى الدم فيتأهب الإنسان للاحتراز من وساوسه وشره والله أعلم. أ.هـ
قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم».
قال القاضي وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه، وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه، وقيل يلقى وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب والظاهر أولى والله أعلم. أ.هـ.
35- النهي عن البول في الجحور
ونهى أيضاً عن البول في الجحور: فعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَرْجَسِ أَنّ نَبِـيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَبُولَنّ أَحَدُكُمْ في جُحْرٍ» قَالُوا لقَتَادَةَ: وَمَا يَكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنّهَا مَسَاكِنُ الْجِنّ.رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال:صحيح على شرط البخاري ومسلم.
والجحر هو ما يحتفره الهوام والسباع لأنفسها لأنه قد يكون فيه ما يؤذي صاحبه من حية أو جن أو غيرهما،والنهي للتنزيه.
قال العراقي: فيه كراهة البول في الجحر وعللوه بعلتين:
أحدهما: أنه مسكن الجن ويؤيده ما رواه الطبراني أن سعد بن عبادة رضي الله عنه بال في جحر فخَرَّ ميتاً فسُمِعَت الجن تقول:
نحن قتلنا سيد الخزرج
رميـناه بسـهم
سعد بن عبادة
فلم يخط فؤاده
الثانية: أذى الهوام بلسعها أو بعود الرشاش عليه أو تأذي ذلك الحيوان إن كان ضعيفاً.