كيف تواجه الشيطان في هذه الحالات؟
أولاً:عند الغضب:
فقد روى مسلم عن سليمان بن صرد قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه؛ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً؟ قال: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». فقال له الرجل: أمجنوناً تراني! أخرجه البخاري أيضاً. ويحسن للغضبان أن يتوضأ.
ثانياً: التثاؤب:
فيكره (التثاؤب) لأنه من التكاسل والامتلاء فإن غلبه فليكظم ما استطاع ولو بأخذ شفته بسنه وبوضع ظهر يمينه أو كمه في القيام ويساره ، عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يُحِبّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ الْحَمْدُ لله، فَحَقٌ عَلَى كُلّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُكَ الله. وأَمّا التّثَاؤُبُ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَليُرَدّهُ ما اسْتَطَاعَ وَلاَ يَقُولُ هَاه هَاه، فَإِنَما ذَلِكَ مِنَ الشّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ " رواه الترمذي وقال : هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي رواية: «فليمسك يده على فمه فإن الشيطان يدخل فيه»، صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم: 727.
ومن تثاءب في الصلاة ينبغي له أن يغطي فاه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا تثاءب أحدكم في صلاته فليغط فاهُ فإن الشيطان يدخل فيه» أو قال فمه، ففي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ العُطاسَ، وَيَكْرَهُ التَثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى كان حَقّاً على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وأمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطان، فإذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فَإن أحدَكم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ»
قال النووي: قال العلماء: معناه أن العطاسَ سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه لأنه يُضعف الشهوة ويُسَهِّلُ الطاعة، والتثاؤب ضدّ ذلك، واللّه أعلم. أ.هـ.
ثالثاً: إذا سمعت نباح الكلاب أو نهيق الحمير:
ففي صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا باللّه مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطاناً؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فسلوا اللّه مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكاً».
و في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذَا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحَمِيرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ». رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الكلم الطيب برقم 221.
وفي رواية عند أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنهن يرين ما لا ترون وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل، فإن الله عز وجل يبث في ليله من خلقه ما يشاء، وأجيفوا الأبواب، واذكروا اسم الله عليها؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف، وذكر اسم الله عليه، وغطوا الجرار وأوكئوا القرب، وأكفئوا الآنية» صححه السيوطي و كذا الألباني في صحيح الجامع برقم: 620 .
رابعاً: إذا تغولت الغيلان أو عرضت لك الجان:
لما رواه مسلم عَنْ سُهَيْل بن أبي صالح ٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ. قَالَ وَمَعِي غُلاَمٌ لَنَا (أَوْ صَاحِبٌ لَنَا) فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ. قَالَ وَأَشْرَفَ الّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئاً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنّكَ تَلْقَىَ هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتاً فَنَادِ بِالصّلاَةِ، فَإِنّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ قَالَ: «إِنّ الشّيْطَانَ، إِذَا نُودِيَ بِالصّلاَةِ، وَلّى وَلَهُ حُصَاصٌ» الحُصاص: هو الضراط وقيل شدة العدو أي الجري.
وروى النووي في الأذكار: [ بابُ ما يقولُ المسافرُ إذا تَغَوَّلَت الغِيلان قال: روينا في كتاب ابن السني، عن جابر رضي الله عنه ؛أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الغِيلان فَنادُوا بالأذَانِ». وقال النووي في الأذكار : [ قال الحافظ: بعد تخريجه: أخرجه النسائي، ورجاله ثقات إلا أن الحسن رواه عن جابر من طريق لم يسمع منه عند الأكثر .
والغِيْلاَنُ جنسٌ من الجنّ والشياطين وهم سحرتُهم؛ ومعنى تغوّلت: تلوّنت في صور؛ والمراد ادفعوا شرّها بالأذان، فإن الشيطانَ إذا سمع الأذان أدبر.
خامساً: إذا عثرت الدابة:
لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول: بقوتي صرعته ولكن قل: بسم الله فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب». رواه أحمد في مسنده و أبو داود والنسائي.وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : أسانيد أحمد كلها صحاح ، وصححه الألباني في الكلم الطيب برقم: 238.
سادساً: عند دخول السوق:
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها».
أخرج مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته».
قال النووي في شرح مسلم: قوله في السوق: «إنها معركة الشيطان» قال أهل اللغة: المعركة بفتح الراء موضع القتال لمعاركة الأبطال بعضهم بعضاً فيها ومصارعتهم فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع والأيمان الخائنة والعقود الفاسدة والنجش والبيع على بيع أخيه والشراء على شرائه والسوم على سومه وبخس المكيال والميزان. قوله: «وبها تنصب رايته» إشارة إلى ثبوته هناك واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس وحملهم على هذه المفاسد المذكورة ونحوها فهي موضعه وموضع أعوانه، والسوق تؤنث وتذكر سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم.
وعن بُريدة قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال: «باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ السّوقِ وَخَيْرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فِيهَا؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِيناً فاجِرَةً، أوْ صَفْقَةً خاسِرَةً» رواه الترمذي وابن ماجه، والحاكم في المستدرك،وقال النووي: حديث حسن بشواهده وطرقه .
قال القرطبي: [ففي هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان. وهكذا قال علماؤنا لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها. فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وإنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته ] أ.هـ.