وقال الأوزعي فيما رواه المروزي عنه: (أدركت الناس وهم يضعون أيديهم قبل ركبهم) (١) وإسناده صحيح.
(والجبهة والأنف)
للحديث المتقدم في قوله: (والجبهة وأشار إلى أنفه) ففرض في السجود أن يسجد المصلي على الجبهة والأنف جميعاً لصحة الحديث الوارد في هذا: وهو أصح الوجهين في المذهب وهو أشهرهما.
قال: (ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده)
فلو سجد وبينه وبين الأرض حائل سواء كان متصلاً أو منفصلاً أي متصل بالمصلي كأن يضع طرف ثوبه فيصلي عليه، أو منفصلاً كأن يأتي بشيء آخر من سجادة ونحوها.
ودليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: (كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف ثوبه من شدة الحر في مكان السجود) (٢) .
وروى البخاري معلقاً ووصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما بإسناد صحيح عن الحسن البصري قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل على قلنسوته وعمامته) (٣)
لكن استثنى من ذلك (ليس من أعضاء سجوده) :
فإذا وضع يديه ثم سجد عليها فلا يصح ذلك.
قالوا: لأن هذا الفعل يداخل أعضاء الساجد، فالشارع قد أمره بالسجود على هذه الأعظم السبعة وحيث جعل بعضها فوق بعض فإن ذلك تداخل فيما بينها ويجعلها متفرقة كما أمر الشارع فهو قد أمر بها متفرقة وكل عمل ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد.
________________________________________
(٢) رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب (٢٣) السجود على الثوب في شدة الحر رقم (٣٨٥) ، ومسلم رقم (٦٢٠) .
(٣) ذكره البخاري في الباب السابق، ورواه البيهقي في الكبرى [٢ / ١٥٣] رقم (٢٦٦٧) باب (٢٠٢) من بسط ثوبا فسجد عليه من كتاب الصلاة. وعبد الرزاق في مصنفه [١ / ٤٠٠] رقم (١٥٦٦) في باب السجود على العمامة مختصراً.
* اعلم أن المشهور في المذهب: أنه يسجد ببعض عضوه فإذا وضع أطراف الأصابع في السجود أجزأه ذلك وإن رفع راحتيه.
وذهب بعض الحنابلة كابن حامد وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد: إلى أنه لا يجزئه ذلك – وهذا هو الراجح – لظاهر الحديث، فإن في الحديث: (واليدين) وفي رواية: (والكفين) وحيث سجد على أطراف الأصابع فإنه لم يسجد على الكفين، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فيجب أن يفعل كله لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) (١) فيدل على أنهم إذا استطاعوا أن يأتوا به كله فلا يجزئهم سوى ذلك.
وهنا أمره - صلى الله عليه وسلم – السجود على الأعضاء السبعة بتمامها وكمالها فلا يجزئه سوى ذلك.
فالراجح أنه لا يجزئه أن يسجد على بعض عضوه بل لابد أن يسجد على العضو كله.
قال: (ويجافي عضديه)
أي يجافي عضديه عن جنبيه، لما روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي عضديه عن جنبيه) (١) وثبت في الصحيحين من حديث ابن بحينة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى فسجد فرَّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) (٢) حتى قالت ميمونة – كما في مسلم -: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين يديه لمرت) (٣) البهمة: صغار المعز.
فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجافي عضديه عن جنبيه.
ويستحب له أن يرفع مرفقيه ففي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك) (٤) .
قال: (وبطنه عن فخذيه)
________________________________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صفة السجود (٩٠٠) قال: " حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عباد بن راشد، حدثنا الحسن، حدثنا أحمر بن جَزْء صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له " أي نرثي له ونشفق عليه ونرق له، وأخرجه ابن ماجه، سنن أبي داود [١ / ٥٥٥] .
(٢) أخرجه البخاري ٣٩٠، ٨٠٧، ٣٥٦٤، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به.. (٤٩٥) .
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به.. (٤٩٦) بلفظ عن ميمونة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد لو شاءت بَهْمَةٌ أن تمر بين يديه لمرت "، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب صفة السجود (٨٩٨) عن ميمونة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهْمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت ".
(٤) أخرجه مسلم بنفس اللفظ آخر حديث في باب (٤٥) الاعتدال في السجود ووضع الكفين.. من كتاب الصلاة (٤٩٤)
يستحب أن يجافي بطنه عن فخذيه، وفخذاه عن ساقيه فقد ثبت في أبي داود بإسناد صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا سجد فرَّج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه) (١) وفي النسائي وأبي داود بإسناد صحيح عن البراء قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد جخَّ) (٢) أي نحى وهي تنحية عامة، فينحي البطن عن الفخذين والفخذين عن الساقين.
قال: (ويفرق ركبته)
للحديث المتقدم حديث أبي حميد الساعدى وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا سجد فرَّج بين فخذيه) (٣) ومقتضاه التفريج بين الركبتين أيضاً.
ويستحب له في قدميه أن يضمهما وأن يتوجه بأطراف أصابعه إلى القبلة وأن يرص القدمين بعضهما إلى بعض.
________________________________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة (٧٣٥) قال: " حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا بقية، حدثني عتبة، حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل الساعدي، عن أبي حميد، بهذا الحديث، قال: وإذا سجد فرَّج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ".
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب صفة السجود، والنسائي في باب صفة السجود، من كتاب التطبيق، المغني [٢ / ٢٠١] .
(٣) رواه أبو داود، وقد تقدم قريباً.
يدل على مسألة نصب القدمين: ما ثبت في الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نضع اليدين وننصب القدمين) (١) أي العقبان إلى أعلى وأطراف القدمين إلى أسفل.
وأما استقبال القبلة في الأصابع: فلِما ثبت في البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بأطراف أصابعه القبلة) (٢) .
ويستحب أن يفرج بين أصابعه، لما ثبت في الترمذي: (وفتح أصابع رجليه) (٣) .
وأما رص القدمين بعضهما ببعض فثبت هذا في ابن خزيمة بإسناد صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رص بين قدميه) (٤) .
________________________________________
(١) أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود (٢٧٧) قال: " حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين " قال أبو عيسى: " وروى يحيى بن سعيد القطان وغير واحد عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد – دون أبيه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع اليدين ونصب القدمين مرسل. وهذا أصح من حديث وُهَيب، وهو الذي أجمع عليه أهل العلم واختاروه ".
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد..، المغني [٢ / ١٢٣] .
(٣) سنن الترمذي ج: ٢ ص: ١٠٦ بلفظ ".. ثم جافى عضديه عن أبطيه وفتح أصابع رجليه.. " في باب (٢٢٧) منه، رقم (٣٠٤) ، سنن البيهقي الكبرى ج: ٢ ص: ١١٦ رقم ٢٥٥١، صحيح ابن خزيمة ج: ١ ص: ٢٩٧ رقم ٥٨٧، وفي مواضع أخرى، كما في اسطوانة مكتبة الفقه وأصوله.
(٤) قال الألباني رحمه الله تعالى في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - صْ ١٠٩: " الطحاوي وابن خزيمة (رقم – ٦٥٤ – طبع المكتب) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ". وانظر تلخيص الحبير ج: ١ ص: ٢٥٦ رقم ٣٨٥، اسطوانة مكتبة الفقه وأصوله.
وأما الكفان فيستحب أن يكونا حيال المنكبين أو يكونا حيال الأذنين أو الوجه، فهنا صفتان:
الأولى: أن تكون الكفان حذو المنكبين ودليل ذلك: ما ثبت في أبي داود بإسناد صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع كفيه حذو منكبيه) (١) .
الثانية: أن يكون حذو أذنيه، فدليله ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع كفيه حذو أذنيه) (٢) وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا سجد سجد بين كفيه) (٣) أي جعل وجهه بين كفيه أي قريباً من حيال الأذنين.
________________________________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، وباب افتتاح الصلاة.المغني [٢ / ٢٠١] ، ولفظه في باب افتتاح الصلاة (٧٣٦) : " فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه "، وفي باب رفع اليدين في الصلاة (٧٢٣) بلفظ: ".. ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه "، وبلفظ (٧٢٦) ".. فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه.. "
ويستحب أن يضم أصابعه ويستقبل بهما القبلة كما ثبت ذلك في البيهقي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضم أصابعه واستقبل بأطرافهما القبلة) (١)
قال: (ويقول: سبحان ربي الأعلى)
تقدم الكلام على هذا، وذكر الأدلة عليها وذكر ما يستحب ذكره في السجود – في الكلام على لفظة: (سبحان ربي العظيم في الركوع)
والحمد لله رب العالمين.
(١) أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة، باب يضم أصابع يديه في السجود ويستقبل بها القبلة (٢٦٩٥) قال: " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، ثنا الحسن بن سفيان بن عامر، عن الحارث بن عبد الله بن إسماعيل بن عقبة الخازن، ثنا هشيم، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه " وقال (٢٦٩٦) : " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر، أنبأ عياش بن تميم السكري، ثنا مخلد بن مالك بن جابر، ثنا محمد بن سلمة، عن الفزاري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد فوضع يديه بالأرض استقبل بكفيه وأصابعه القبلة ".
منقول من شرح زاد المستقنع للشيخ الحمد حفظه الله