عتبرت نخب قانونية واجتماعية أن تقديم تقرير مفصل عن الحالة الاجتماعية والنفسية والصحية والحالة الجنائية للشخص طالب الحضانة أو من ستُحكَم له بالحضانة الذي اعتمدت محكمة الشارقة الشرعية العمل به تطبيقاً للمادة 59 من القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن قانون الطفل وديمة، يؤكد مراعاة مصلحة الطفل التي تعد المعيار الوحيد المعتمد لإسناد الحضانة أو إسقاطها.
وكانت محكمة الشارقة الشرعية قد دعت الهيئة القضائية قبل أن تحكم بالحضانة إلى طلب تقديم تقرير مفصل عن الحالة الاجتماعية والنفسية والصحية والحالة الجنائية للشخص طالب الحضانة أو الذي ستحكم له بالحضانة أو إقرار يفيد عدم ارتكابه جريمة خارج الدولة، وبدء العمل به من تاريخه، بتعميم بتوقيع رئيس المحكمة القاضي سالم علي مطر الحوسني، وهو ما من شأنه أن يحفظ مصلحة الطفل ويؤمن مستقبله.
الحلقة الأضعف
وقال مدير إدارة حماية حقوق الطفل أحمد إبراهيم الطرطور إنه بحكم تعايشه اليومي مع قضايا تتعلق بالرؤية بعد الانفصال، فإن الطرف المظلوم هو الطفل، لأنه يتحول إلى وسيلة لتصفية الحسابات بين المطلقين، وقال: «إن الأطفال الذين نشرف على رؤيتهم بعد انفصال ذويهم يصبحون ضحية، فالأب في أحيان كثيرة يتحدث عن الأم بشكل سيئ، والعكس صحيح أيضاً، فينشأ الصغار بشكل غير سوي»، مشيراً إلى أنه كلما كانت العلاقة سليمة وفي نسق طبيعي تجد الأطفال أصحاء، ومن هنا تظهر أهمية التقييم النفسي والاجتماعي والجنائي للحاضن.
وقال: «بلا شك، وجود الطفل في البيئة السليمة الصحيحة سيُجنِّبه ويجنِّب المجتمع العديد من الإشكاليات التي تهدد كينونة المجتمع ككل».
أما الدكتور والمستشار القانوني يوسف الشريف فقال إن المشرِّع الإماراتي عمل للمحافظة على حقوق الطفل وضماناته، مراعياً أرقى الأنظمة الدولية التي شُرعت لحمايته وصيانته وتنشئته في بيئة سليمة وصحية، ولذلك دأبت الإمارات على محاكاة ومجاراة هذه التطورات وإضافة قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية، كما راعت قواعد العادات والتقاليد العربية الأصيلة.
وتحدث الشريف عن ملاحظات كثيرة في قانون الأحوال الشخصية الذي قال قال إنه ينص صراحة على أن الحضانة من حق الطفل، بخلاف عدد من القوانين النظيرة في الدول الأخرى التي تقضي بأن الحضانة حق لأحد الوالدين أو طالب الحضانة، أو تراعى فيها مصلحة الوالدين باعتبار أن حقهما مقدم على حق الطفل، ولذلك فقد أحسن المشرّع الإماراتي عندما قرر أن مصلحة الطفل مقدمة على حق طالبي الحضانة.
النص والتطبيق
وتابع الشريف: «أن نص المادة (59) من قانون الطفل وضع اشتراطات معينة تلتزم المحكمة بتحقيقها قبل الحكم لأي من طالبي الحضانة بها، منها شرط تقديم تقرير مفصل عن الحالة الاجتماعية والنفسية والصحية والجنائية لطالب الحضانة، وإقرار بعدم ارتكاب أي جرم خارج الدولة، وبرغم ما يلاحظ من تميز هذا النص، فإنه قد يجد عقبات تعوق سلامة تطبيقه، أو في أقل تقدير تعوق سرعة إنجازه».
وأشار إلى أن تقديم شهادة بالحالة الاجتماعية غالباً سيركن فيه القاضي إلى شهادة الشهود، لصعوبة إنجازها شهادةً ورقية صادرة من جهة معينة، لأنه على فرض تكليف أي جهة متابعة الحالة الاجتماعية لشخص ما، فما هي آلية إعداد هذا التقرير ومناط تطبيقه، وإلى كم من الأشخاص أو المختصين تحتاج لإعداده، من أجل مواكبة أعداد المتقاضين في قضايا الحضانة وأطرافها الثنائية غالباً أو الثلاثية أحياناً، أضف إلى ذلك الحالة النفسية التي تكون عائقاً.
وأوضح أنه يمكن أن تصطدم زيارة العيادة النفسية برفض المتقاضين مراجعتها، في ظل المحاذير العرفية التي يتكلم عنها الناس عند مراجعتهم اختصاصي الطب النفسي.
وأضاف المستشار القانوني يوسف الشريف أن أمر توقيع تعهد يفيد عدم ارتكاب جريمة في خارج الدولة أمر جيد يستوجب التطبيق، خاصة في ظل مجتمع يوجد فيه أكثر من مئتي جنسية، متمنياً أن يصار إلى عقد اجتماع بين الجهة المعنية بمتابعة تطبيق قانون الطفل والمحكمة.
انسجام قانوني
ويرى المحامي الدكتور سلطان المؤذن أن المشرع قد أصاب في إقرار المادة 59 من القانون رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل «وديمة» التي جاءت مكملة له، وأنه في بعض البلدان العربية يتم طلب هذا التقرير أيضاً، فضلاً عن قضايا الحضانة والطلاق والتطليق والتفريق الجسماني والفسخ وبطلان الزواج ومسْكن حضانة الصغير وحفظه ورؤيته ودعاوى النسب والطاعة.
أما المحامي يوسف البحر فيرى أنه وفقاً للقانون، فإنه يجب التحقق من تحديد الطرف الأنسب في حضانة الطفل، من خلال تتبع الظروف الاجتماعية والنفسية والجنائية لمقدم طلب الحضانة، ومدى تحقق شروط الرعاية النفسية التي من خلالها يقدر القاضي مصلحة الطفل المحضون، وأضاف: «في جميع الحالات يجب مراعاة مصلحة الطفل».
خير استثمار
ووصف البحر النص القانوني بأنه استثمار في جيل المستقبل، إذ إن تنشئة الطفل في بيئة سوية مستقرة تجعل منه عضواً صالحاً في المجتمع، ورأى أنه سيخفّض من قضايا الحضانة على الأطفال وتبعاتها التي نراها يومياً في أروقة المحاكم، مؤكداً أنه في بعض قضايا الحضانة بعد البت فيها تشعر بالامتعاض، لأنك تدرك تماماً أنه برغم أن الحضانة ذهبت إلى الحاضن قانوناً، فإنه لا يستحق الطفل، وأكد أن قانون وديمة طوق النجاة للأطفال.
وأوضح أنه يتضح هنا أيضاً الدور المنوط بالقضاء في حماية مصلحة المحضون، وذلك باتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بجعل المحضون يعيش في جو مناسب ويتمتع بالرعاية الكاملة والمستمرة حتى يصبح كامل الأهلية.
ويرى المحامي هاني الجسمي أن المشرّع عندما أمر بتطبيق البند 59، دفع باتجاه اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة التي تضمن نمو المحضون تحت حضانة من يوفر له الحماية و الرعاية، ويكون بذلك قد أفلح في ضمان الفعالية والنجاعة في صيانة حقوق الطفل المحضون وحمايتها.
إشكاليات
يرى الاختصاصي الاجتماعي التربوي يعقوب الحمادي أن تحديد أهلية الحاضن تجنِّب الطفل والمجتمع، وتحديداً المجتمع المدرسي، الدخول في العديد من الإشكاليات التربوية والسلوكية والدراسية.