بارك الله فيكم أخي الحبيب ( الحالم 2006 ) ، قبل التشوق داء مناسك العمرة والحج ، أقدم النصح لكم بالتخلص بأي حال من الأحوال عن مسألة الاقتراض من البنوك وحاول تسديد المبلغ بأي طريقة ولا تجعل عنقك معلقة بهذا الأمر 0
وإليكم خطر الربا والتعامل به :
فاعلم - يا رعاك الله - أن الأدلة النقلية الصريحة من الكتاب والسنة تؤكد على حرمة التعامل بالربا ، والربا يعتبر من أكبر الكبائر ، قال تعالى في محكم كتابه :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) ( سورة البقرة – الآية 278 ، 279 ) 0
يقول صاحب التفسير الميسر : ( يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله خافوا الله, واتركوا طلب ما بقي لكم من زيادة على رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل تحريم الربا, إن كنتم محققين إيمانكم قولا وعملا ) 0
وقال تعالى في محكم كتابه :
( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما قد سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) ( سورة البقرة – الآية 275 ، 276 ) 0
قال صاحب التفسير الميسر : ( الذين يتعاملون بالربا -وهو الزيادة على رأس المال- لا يقومون في الآخرة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون; ذلك لأنهم قالوا: إنما البيع مثل الربا, في أن كلا منهما حلال, ويؤدي إلى زيادة المال, فأكذبهم الله, وبيَّن أنه أحل البيع وحرَّم الربا; لما في البيع والشراء من نفع للأفراد والجماعات, ولما في الربا من استغلال وضياع وهلاك. فمن بلغه نهي الله عن الربا فارتدع, فله ما مضى قبل أن يبلغه التحريم ) 0
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( لعن الله أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – المساقاة – برقم 1598 ) 0
وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفه في أكبر جمع للمسلمين وقال :
( ألا وإن ربا الجاهلية موضوع – أي مهدر – فالربا الذي تم عقده قبل الإسلام وضعه النبي صلى الله عليه وسلم : " وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله " ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – الحج – برقم 1218 ) 0
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( " اجتنبوا السبع الموبقات " قالوا : وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله 0 والسحر 0 وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق 0 وأكل الربا 0 وأكل مال اليتيم 0 والتولي يوم الزحف 0 وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) ( متفق عليه ) 0
وقد ثبت من حديث عبدالله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( درهم رباً يأكله الرجل ، وهو يعلم ، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والطبراني – حديث صحيح – صحيح الجامع 3375 ) 0
وقد ثبت من حديث أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه ) ( أخرجه ابن ماجة في سننه – حديث صحيح – صحيح الجامع 3541 ) 0
وقد ثبت من حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه "
( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه نهراً من دم فيه رجل قائم ، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر قي فمه فرده حيث كان ، فجعل الرجل الذي في نهر الدم كلما جاء ليخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فرده حيث كان ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل الذي في نهر الدم فثيل له : هذا آكل الربا ) ( مشكاة المصابيح – كتاب الرؤيا – برقم 4621 ، وصحيح الترغيب والترهيب – كتاب البيوع – برقم 1845 – والحديث صحيح بتخريج الألباني ) 0
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن مسألة حساب الودائع وحسابات التوفير الذي يعامل بها في البنوك الرسمية ، وما حكمها ؟؟؟
فأجابت : ( لا شك في تحريم أخذ الفوائد وحساب التوفير لعموم الأحاديث في تحريم ربا الفضل والنسيئة 0
ولا شك أن فوائد الأموال المودعة في البنوك حرام ، وهي من ضروب الربا ، لا يجوز أخذها ، ولا الدخول مع البنك عند الاستيداع في اشتراطه ، لقوله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه - : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء يداً بيد ) 0
ولا يخفى أن العملات الورقية حلت محل الذهب والفضة في الثمنية فصار لها حكمها ، ويجري فيها من ربا الفضل وربا النسيئة ما يجري في الذهب والفضة ) ( فتوى رقم 2725 – باختصار - تاريخ 2 / 12 / 1399 هـ ) 0
يقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( إن الربا من أكبر الكبائر التي حذر الله عنها في كتابه ، وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ، وأجمع المسلمون على تحريمه 0 فما من أحد من علماء المسلمين قال إن الربا حلال ، بل لو أن أحداً من الناس قال إن الربا حلال لكان مكذباً لله عز وجل ) ( حول الأسهم زحكم الربا – ص 8 ) 0
ومن هنا يتبي بأن الربا محرماً تحريماً قطعياً معلوماً من الدين بالضرورة لدى خاص المسلمين وعامهم ، لما جاء بشأن بيانه وتحريمه والنهي عن أكله والوعيد الشديد لمن أخذه أو أعان عليه بعد علمه بحكمه من الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق ذكره ، وكذلك الإجماع من الأمة المعصومة من أن تجتمع على ضلالة ، أما قولك بأنني استكرهت على هذا الأمر أو أحببت أن أقف مع زوجي فهذا لا يعطيك مسوغاً لفعل ما هو كبيرة من الكبائر ، بل هو من أكبر الكبائر كما سبق ذكره ، وكما هو معلوم لديك : ( فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ، أما الآن وقد حصل ما حصل فعليك بكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة ، والتوبة النصوح ، وفق الله الجميع للعمل بكتابه وسنة نبيه ، ونسأله أن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب 0
أما المسألة الأخرى المتعلقة بالذهاب إلى الحج أو العمرة مع الدين فإليكم الإجابة :
* مسألة : حكم الحج قبل قضاء الدين ؟؟؟
ذكر أهل العلم أنه يجوز الحج قبل قضاء الدين ، حيث بينوا أن بقاء الدين لا يؤثر على صحة الحج من عدمه ، بل إن الحج يجزئه في مثل هذه الحالة ، والله تعالى أعلم 0
قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - : ( يجب الحج على من كان عليه دين ويستطيع الحج وقضاء الدين ) ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة – 16 / 121 ) 0
قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال فإنه لا يجب عليه الحج ؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج على المستطيع ، قال تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) ( سورة آل عمران – الآية 97 ) 0 ومن عليه دين يستغرق ما عنده لم يكن مستطيعاً للحج، وعلى هذا فيوفي الدين ، ثم إذا تيسر له بعد ذلك فليحج 0
وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر لديه ما يحج به من بعد أداء الدين فإنه يقضي دينه ،ثم يحج حينئذ ، سواء كان فرضاً أم تطوعاً ، لكن الفريضة يجب عليه أن يبادر بها ، وغير الفريضة هوبالخيار إن شاء تطوع ، وإن شاء أن لا يتطوع فلا إثم عليه ) ( فتاوى أركان الإسلام – ص 501 ، وانظر : مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 21 / 81 ، 82 ) 0
يقول العلامة الشيخ عبددالله بن عبدالرحمن الجبرين –حفظه الله- يجوز أن تحج قبل قضاء الدين ، ويصح حجك ) ( فتاوى الحج والعمرة والزيارة – ص 20 ) 0
* مسألة : حكم من حج وعليه ديون كثيرة لا يستطيع قضاءها ؟؟؟
( هذا أحسن ، لأن الحج من الأعمال التي تنفي الفقر والذنوب لما ثبت في الصحيح ، وهو لم يفرط لأن ما عنده من المال لا يفي بدينه فلعل الله أن يرزقه ويغنيه ويسد حاجته ودينه بفضل طاعته وحجه والله أعلم ) ( الجامع المختصر لأحكام المناسك - ص 42 ) 0
* مسألة : حكم الحج لمن عليه دين مقسط دون استئذان صاحب الدين ؟؟؟
يقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : ( إذا كان عنده مال ويعرف من نفسه إنه إذا جاء وقت القسط يوفي فهذا لا بأس ، ولا يستأذن من صاحب الدين ، إما إذا كان لا يثق من نفسه ، أو عليه أقساط لم يؤدها فلا يحج ، وإذا حج فهو آثم ، لكن حجه صحيح ، إذ أن الله سبحانه وتعالى رخص له ولكنه كلف نفسه ، أفلا يخشى أن يموت في طريقه إلى الحج ، أو بعد رجوعه ) ( مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 21 / 92 ) 0
هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( الحالم 2006 ) ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0