الصيام والتذكير بما ينبغي فيه من الآداب والأحكام
الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الصوم, فضائل الأزمنة والأمكنة
عبد الله بن صالح القصير
الرياض
جامع الأمير متعب
_________
ملخص الخطبة
_________
1- حرص السلف على حفظ صيامهم بترك المعاصي 2- مزية رمضان عن بقية الشهور
3- ضرورة الصيام عن المعاصي 4- آداب الصيام
_________
الخطبة الأولى
_________
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا ربكم تعالى وأطيعوه، وعظموا نعمه واشكروه، واجتهدوا في طاعته واعلموا أنكم لن تحصوه وَتُوبُواْ إِلَى ?للَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ?لْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. وَمَن يُطِعِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ?للَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لْفَائِزُون [النور:52].
أيها المؤمنون: لا يخفى أنكم تستقبلون عما قريب ضيفًا كريمًا، وموسمًا عظيمًا، وهو شهر رمضان المبارك بلغنا الله جميعًا إياه، ووفقنا للتقرب إليه فيه بما يحبه ويرضاه، وحشرنا في زمرة السابقين أئمة المتقين فإنه كريم رؤوف رحيم.
عباد الله: روي عن النبي أنه قال: ((أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله)) [1].
وحدث سلمان الفارسي فقال: خطبنا رسول الله في آخر يوم من شعبان فقال: ((يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه الرزق، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء)). قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم. قال رسول الله : ((يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائمًا سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار)) [2].
أيها المؤمنون: وثبت عن النبي أنه قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) [3]. و((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من تقدم من ذنبه)) [4] ، وقال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) [5] ، وقال : ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) [6]. كما ثبت عنه أنه قال: ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم)) [7]. وشدد في ضرورة حفظ الصيام مما يخدشه أو يفسده حتى قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) [8].
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ((إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء)).
معاشر المؤمنين: هكذا تحدد هذه الآثار ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المؤمن الصائم في رمضان وهي:
أولاً: أن الواجب على المؤمن صيام نهار رمضان، مستعينًا على ذلك بوجبة السحور قبيل طلوع الفجر، فإن السحور بركة، ولا يسمي الطعام سحورًا إلا إذا كان وقت السحر، مع الحرص على تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، فإنه لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور [9].
ثانيًا: البعد عن كل ما من شأنه أن يجرح الصيام أو يفسده، من فاحش الأقوال، ومحرم الأعمال، وأنواع المفطرات والوسائل الموصلة إلى ذلك.
ثالثًا: قيام ما تيسر من الليل، ولاسيما صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف، وكذلك يقوم ما تيسر له من آخر الليل، وليستعن على ذلك بنوم القيلولة أو ما يتيسر من النهار.
رابعًا: الحذر من سهر الليل على غير طاعة، فإنه ينزع بركة الوقت، ويفوت الخير، ويجر إلى الوقوع في الإثم.
خامسًا: عمارة الوقت بجليل الطاعات وعظيم القربات؛ من تلاوة القرآن والاستغفار والذكر والدعاء، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإعانة بالقول والفعل والحال على ذلك، ليكون المرء صاحب سنة حسنة، وإمامًا في الخير، يقتدى بسبقه وحرصه وليكون له أجره ومثل أجر من اقتدى به وانتفع به.
سادسًا: الحرص على تفطير الصوام، وسحورهم ومواساتهم وإعانتهم على كل خير، وتحمل أذاهم، وكف الأذى، وبذل المستطاع عنه، من وجوه الإحسان إليهم، ابتغاء وجه الله تعالى، وطمعًا في واسع مغفرته، وعظيم إحسانه، وجليل إنعامه وإكرامه.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا موجبات الشقاء والحرمان، وكل ما يوصل إلى النار، وتعرضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر، والتي لا يحصرها بيان، فإن الله يعطي فيه الكثير من الأجر على القليل من العمل، ويتجاوز فيه سبحانه عن عظيم التقصير وكثير الزلل، لمن صدق في التوبة وسارع في الأوبة، وناهيكم بشهر تضاعف فيه الأعمال الصالحة، وتضاعف فيه الأجور، فهنيئاً للصائمين المتقين، بالتجارة الرابحة، وعظيم العفو والصفح والمسامحة. فاعدوا العدة لصيامه، وقيام لياليه، والتنافس في عمل البر وأنواع الخير فيه، وتعرضوا لنفحات الرب الكريم في سائر أوقاته، فرب ساعة وفق لها العبد فاغتنمها في رضوان رب العالمين، فارتفع بها إلى منازل المقربين: ذَلِكَ فَضْلُ ?للَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَ?للَّهُ ذُو ?لْفَضْلِ ?لْعَظِيمِ [الجمعة:4].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم