موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > ساحة الأسئلة المتعلقة بالرقية الشرعية وطرق العلاج ( للمطالعة فقط ) > اسئلة عالم السحر والشعوذة وطرق العلاج

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2004, 11:00 AM   #1
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

Question حكم الشرع في فك السحر بالسحر ، والاستعانة بالسحرة ؟؟؟

اريد الحكم الشرعي الصحيح والمدعم بالأدلة الصحيحة والصريحة عن حكم الشرع في الاستعانة بالساحر في فك السحر في حالة الضرورة القصوى وبعد استخدام الرقية الشرعية ونصيحة بعض القراء بذلك ,, وهل ممكن أن يستعان بذلك على كل حال أم في الضرورة القصوى أم لا يجوز اطلاقا ؟
علما انه يوجد امرأة مصابة السحر من سنوات وكلما ذهبت لقارئ يستمر معها فترة ثم يطردها بدون سبب ولا يحصل العلاج وهكذا مع جميع القراء اللذين ذهبت لهم وهم كثر ، وكلما تزوجت طلقها زوجها ومنهم من طلقها في ليلتها ، وهي الان تواجه نصائح الكثيرين الذين اينصحونها بالذهاب لساحر تثق به سواء في الداخل او الخارج وان لا يطلب منها ما يجعلها تكفر بالله او تعمل محضور شرعي
السؤال : فهل هي محقه في ذلك ام لا ، ولا يجوز لها ذلك في كل الأحوال مع العلم انه صدرت فتاوى تجيز ذلك في العصر القديم والحالي ، وهل هناك ضوابط لذلك في حالة الجواز ؟ آمل المشاركة الجادة والمدعمة بأقوال اهل العلم والمختصين ..
ولكم جزيل الشكر ..

أبو مهند

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2004, 11:01 AM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

الأخ المكرم ( أبو مهند ) حفظه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

بخصوص سؤالك أخي الكريم حول حكم حل السحر بسحر مثله ، والاستعانة بالسحرة والمشعوذين ، فاعلم يا رعاك الله أن النشرة ( حل السحر بسحر مثله ) محرمة بنص الكتاب والسنة ، وتجد كافة ما يتعلق بهذا الموضوع على الرابط التالي :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء
   الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

يتداول بين العامة والخاصة في الوقت الحالي أمر خطير شاع بين الناس وهو مسألة ( النشرة ( فك السحر بسحر مثله ) ، وقد نقل لي بعض الإخوة رأي للشيخ عبدالمحسن العبيكان – حفظه الله - حول هذه المسألة ، وأنه يرى بجواز فك السحر بسحر مثله ، وقد نقل ذلك على قناة ( mbc ) ، ومن أجل أن تتضح الرؤيا لكافة الإخوة والأخوات حول هذا الموضوع ، وأن نقف على الحق وأهله ، وأن نرى الحكم الشرعي والتأصيل التقعيدي لهذا الأمر ، أحببت أن أعرض عليك ما ذكرته في كتابي ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) بتفصيل دقيق ، حيث بدأت بحثي حول هذه المسألة بأقوال أهل العلم حول المعنى العام للنشرة ، وإليكم التفصيل :

قال ابن الأثير : ( والنشرة بالضم ضرب من الرقية والعلاج ، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن ، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يكشف ويزال ) ( النهاية في غريب الحديث – 5 / 54 ) 0

قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( النشرة : هي حل السحر عن المسحور ، وهي نوعان : حل السحر بسحر مثله ، وهي التي ورد فيها الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح سنن أبي داوود 3277 ) 0
وقد سئل الحسن عن النشرة فقال : لا يحل السحر إلا ساحر ، وقال الإمام أحمد : ابن مسعود يكره هذا كله ، وصفة ذلك أن المصاب بالسحر يجيء إلى الساحر ويرغب إليه أن يحل عنه فيتقرب الساحر والمسحور إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور حيث أن السحر في الأصل من عمل الشيطان ، فإذا خضع المسحور وجاء إلى وليه وهو الكاهن أو الساحر واستضعف له وتذلل وقام الساحر بالتقرب إلى الشيطان بما يحب من المعاصي والنجاسات فهنالك يبطل عمله أو عمل السحرة ، فهذا النوع لا يجوز لأنه إقرار للسحرة واستخدام لهم فيكون كفراً ، أما النوع الثاني فهو حل السحر بالقراءة والأوراد والأدعية والأدوية المباحة والرقية الشرعية المباحة من الآيات والأحاديث فهذا جائز لا بأس به والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – ص 477 ، 478 ) 0

والمراد بها هنا : هي حل السحر عن المسحور ، ويندرج تحتها نوعان ، أما النوع الأول فهو حل السحر بالأدعية والرقى المباحة من القرآن والسنة ، وهذا جائز بإجماع أهل العلم ، وأما النوع الثاني الذي أعنيه تحت هذا العنوان فهو حل السحر عن المسحور بسحر مثله 0

إن المتفحص والمتأمل لكافة النقاط والمسائل التي تم بحثها تحت عنوان ( أخطار السحرة والكهنة والمشعوذين والعرافين ) يرى بما لا يدع مجالا للشك خطورة هذه الفئة لما تسببه من هدم للعقائد ، ونشر للكفر والضلال ، وإفساد في الأرض ، وتحطيم للأسر وذلك بالتفريق بين المرء وزوجه ، وإلحاق ضرر عظيم في المجتمع الإسلامي ، وهذا يعبر عن خبث ودناءة نفس ، وانحطاط في المنهج والسلوك والتصرف 0
ولكل ذلك وقف الإسلام بتعاليمه وعدله ، يحاربهم ويدافع عن أهل العقيدة والتوحيد ، فصانهم بإرشاداته ، وحفظ عليهم أغلى ما يملكون في هذه الدنيا 0

وترى بعض العامة ممن يذهب إلى السحرة والعرافين والمشعوذين يتذرعون بفتاوى من بعض العلماء الأفاضل – حفظهم الله – والذين ينأون ويبعدون كل البعد عن ذلك ، ويحذرون أشد التحذير من السحرة والعرافين والمشعوذين ، وعادة ما تبنى تلك الفتاوى على ما ذكره المستفتي – الذي لا يدرك أحوال هؤلاء المشعوذين والسحرة – وقد يسأل العلماء بقوله : إن فلانا يرقي بالقرآن أو نحو ذلك فهل أنصح بالذهاب إليه ؟ فيفتونه على قدر سؤاله ، فيحمل الفتوى على صحة حال هذا الرجل ، وأنه لا يرقي إلا بالقرآن ، ومن واجب المستفتي أن يتثبت من حال الراقي قبل الاستفتاء وشرح ما يقوم به في الرقية بوضوح ، حتى ينزل الحكم على الوصف الدقيق المطابق للواقع ، وسوف تتضح الصورة كاملة عند استيفاء هذا العنوان حقه من البحث والدراسة الكاملة إن شاء الله تعالى 0

أولا : أدلة تحريم النشرة من كتاب الله عز وجل :

يقول تعالى في محكم كتابه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ) ( سورة الأعراف – الآية 157 ) 0

ثانيا : أدلة تحريم النشرة من السنة المطهرة وبعض الآثار الواردة في ذلك :

1)- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة ، فقال : ( هو من عمل الشيطان ) 0

قال شمس الحق العظيم أبادي : ( قال الحسن : النشرة من السحر وقد نشرت عنه تنشيرا انتهى 0 وفي فتح الودود : لعله كان مشتملا على أسماء الشياطين أو كان بلسان غير معلوم ، فلذلك جاء أنه سحر سمي نشرة لانتشار الداء وانكشاف البلاء به ( هو من عمل الشيطان ) أي من النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه ، وأما ما كان من الآيات القرآنية والأسماء والصفات الربانية والدعوات المأثورة النبوية فلا بأس به ) ( عون المعبود في شرح سنن أبي داود – 10 / 249 ) 0

عن أبي رجاء عن الحسن قال : ( سألت أنس بن مالك عن النشرة فقال : ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنها من عمل الشيطان ) ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 8 / 29 ) 0

عن الحكم بن عطية قال : ( سمعت الحسن وسئل عن النشرة فقال : ( من عمل الشيطان ) ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 8 / 29 ) 0


قال عبد الرزاق الصنعاني في " مصنفه " : ( أخبرنا عقيل بن معقل عن همام بن منبه قال : سئل جابر بن عبدالله عن النشر 0 فقال : ( من عمل الشيطان ) ) ( مصنف عبدالرزاق - 11 / 13 ) 0

2)- عن أم الدرداء - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله تعالى خلق الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام ) ( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 1633 ) 0

قال المناوي : ( " إن الله تعالى خلق الداء والدواء " أي أوجده وقدره " خلق الداء والدواء " ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه ، والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته ) ( فيض القدير – 2 / 228 ) 0

3)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن الدواء الخبيث ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 6878 ) 0

قال المناوي : ( " الدواء الخبيث " أي السم أو النجس أو الخمر ولحم غير المأكول وروثه وبوله ، فلا تدافع بينه وبين حديث العرنيين 0 وقيل : أراد الخبيث المذاق لمشقته على الطباع والأدوية وإن كانت كلها كريهة ، لكن بعضها أقل كراهة )( فيض القدير – 6 / 314 ) 0

4)- قالت أم سلمة - رضي الله عنها - : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال : ما هذا ؟ فقلت : إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) وفي رواية : ( إن الله لم يجعل في حرام شفاء ) ( حديث حسن - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – أنظر السلسلة الصحيحة 4 / 175 ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وأما التداوي - بالخمر- فإن بعضهم قال إن المنافع التي كانت فيها قبل التحريم سلبت بعد التحريم بدليل الحديث المتقدم ذكره ، وأيضا فتحريمها مجزوم به ، وكونها دواء مشكوك بل يترجح أنها ليست بدواء بإطلاق الحديث 0 ولا يجوز تعاطيها في التداوي إلا في صورة واحدة وهو من اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الأكلة والعياذ بالله ) ( فتح الباري – 10 / 80 ) 0

قلت : وفي عصرنا الحاضر لا يجوز التداوي بالخمر مطلقا لانتفاء الأسباب الداعية لاستخدام المضطر كما بين الحافظ –رحمه الله- في الفتح ، ولتوفر المستشفيات والمصحات وتوفر الأجهزة والمواد الطبية التي تغني عن استخدامها لذهاب عقل المريض ، كالبنج ونحوه ، إلا في حالة الضرورة التي ينتفي معها وجود تلك الأسباب المشار إليها آنفا 0

يعقب الدكتور عبدالرزاق الكيلاني على مجموع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحث على طلب الدواء مع وجود الداء فيقول :

( هذه الأحاديث الشريفة تمثل قاعدة عظيمة من قواعد الطب أرساها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا ، فهو :
أولا : جعل طلب الدواء امتثالا لأمر الله تعالى الذي وضع لكل داء دواء ، فقال لأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - : تداووا عباد الله ، وهم الذين كانوا ينسبون الأمراض إلى الأرواح الشريرة والشياطين00 ويتخذون لها التمائم والتعاويذ ، لذلك سألوه عليه الصلاة والسلام : أنتداوى ؟
ثانيا : فتح آفاق البحث والتجربة أمام الأطباء والعلماء ليكتشفوا لكل داء دواء ، فالدواء موجود ولكنه قد يبقى مجهولا إلى أن يكتشفه العلماء والباحثون 0
ثالثا : بعث الأمل والتفاؤل في نفوس المرضى ، فلا ييأسون ويقول بعضهم : دائي ليس له دواء ، فإذا كان الدواء مجهولا اليوم فقد يكتشف غدا 0
رابعا : بين أن الموت لا بد منه ، فلا خلود في الأرض ، وعندما يأتي القضاء يعمى البصر ولا ينفع الدواء :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته0000000000000000000يوما على آلة حدباء محمول
( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 64 ) 0

5)- عن عائشة - رضي الله عنها – : ( أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سحره لبيد بن الأعصم : أفلا - أي تنشرت - فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أشير على أحد من الناس شرا ) ( متفق عليه ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قوله " قالت : فقلت أفلا ؟ أي تنشرت " وقع في رواية الحميدي " فقلت : يا رسول الله فهلا ؟ قال سفيان بمعنى تنشرت " فبين الذي فسر المراد بقولها : " أفلا " كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى ، وظاهر هذه اللفظة أنه من النشرة 0 وكذا وقع في رواية معمر عن هشام عند أحمد " فقالت عائشة : لو أنك " تعني تنشر ، وهو مقتضى صنيع المصنف حيث ذكر النشرة في الترجمة ، ويحتمل أن يكون من النشر بمعنى الإخراج فيوافق رواية من رواه بلفظ " فهلا أخرجته " ويكون لفظ هذه الرواية " هلا استخرجت " ) ( فتح الباري – 10 / 235 ) 0

6)- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفا عليه : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - أنظر السلسلة الصحيحة - 4 / 175 ) 0

7)- وعن أبي الأحوص : ( أن رجلا أتى عبدالله فقال : إن أخي مريض اشتكى بطنه ، وإنه نعت له الخمر أفأسقيه ؟ قال عبدالله : سبحان الله ! ما جعل الله شفاء في رجس ، إنما الشفاء في شيئين : العسل شفاء للناس ، والقرآن شفاء لما في الصدور ) ( قال الألباني : وإسناده صحيح – السلسلة الصحيحة - 4 / 176 ) 0

ثالثا : أقوال أهل العلم في النشرة :

قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير ، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال ، لأن ذلك محرم في كل حال ، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه ، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 64 ) 0

قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبد الوهاب : ( قال ابن القيم - رحمه الله - : " النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان : حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان 0 وعليه يحمل قول الحسن فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطله عمله عن المسحور 0
والثاني : بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز " انتهى كلام ابن القيم 0
قال شارح كتاب التوحيد : هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب ، وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة فإنه محمول على ذلك ، وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية ، وليس في كلامه ما يدل على ذلك 0 بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال : قد رخص فيه بعض الناس 0
قيل : إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه فنفض يده ، وقال لا أدري ما هذا 0
قيل له : أترى أن يؤتى مثل هذا ؟ قال : لا أدري ما هذا ؟ 0 وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه 0
وكيف يجيزه وهو الذي روى الحديث إنها من عمل الشيطان ، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة – ظنوا أنه أجاز الذي من عمل الشيطان ، وحاشاه من ذلك ) ( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد – ص 419 ) 0

وقال الشيخ حافظ حكمي :

وحله بالوحي نص يشرع0000000000000000000000000أما بسحر مثله فيمنع

( وحله ) يعني حل السحر عن المسحور ( بـ ) الرقى والتعاويذ والأدعية من ( الوحي ) الكتاب والسنة ( نصا ) أي بالنص ( يشرع ) كما رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين ، وكما يشمل ذلك أحاديث الرقى المتقدمة في بابها التي أمر بها الشارع صلى الله عليه وسلم وندب إليها ، ومن أعظمها فاتحة الكتاب وآية الكرسي والمعوذتان وآخر سورة الحشر ، فإن ضم إلى ذلك الآيات التي فيها التعوذ من الشياطين مطلقا والآيات التي يتضمن لفظها إبطال السحر كقوله تعالى : ( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ) ( سورة الأعراف – الآية 118 ، 119 ) ، وقوله عز وجل : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) ( سورة يونس – الآية 81 ) وقوله تعالى : ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 69 ) ونحوها كان ذلك حسنا ، ومثل ذلك الأدعية والتعاويذ المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الأحاديث الصحيحة كما تقدم كثير منها في باب الرقى ، وكحديث : ( ربنا الله الذي في السماء ، تبارك اسمك ، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء ، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع ، فيبرأ ) ( حديث ضعيف - أنظر ضعيف الجامع 5422 ) 0
رواه أبو داوود ، وكحديث عثمان بن أبي العاص أنه قال : ( أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : امسح بيمينك سبع مرات وقل : أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد 0
قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – أنظر الكلم الطيب 147 ) ، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكتب السنة من الأمهات وغيرها مشحونات بالأدعية والتعوذات الكافية الشافية بإذن الله عز وجل ، فمن ابتغى ذلك وجده ، والله الموفق ) ( معارج القبول - 1 / 380 ) 0

وقال – رحمه الله – : ( أما حل السحر عن المسحور بسحر مثله فيحرم فإنه معاونة للساحر ، وإقرار له على عمله ، وتقرب إلى الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ، ولهذا قال الحسن : لا يحل السحر إلا ساحر 0 ولهذا ترى كثيرا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ، ليضطره بذلك إلى سؤاله حله ، ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل ، فيستحوذ على أموالهم ودينهم نسأل الله تعالى العافية ) ( معارج القبول – باختصار – 2 / 566 ، 567 ) 0

قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - : ( قال بعض الحنابلة : يجوز الحل بسحر ضرورة 0 والقول الآخر أنه لا يحل ، وهذا الثاني هو الصحيح 0 وحقيقته أنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أو السجود له أو غير ذلك ، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان ، وجاء إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل ، فيبطل عمله عن المسحور 0 وكلام الأصحاب هنا بين أنه حرام ولا يجوز إلا لضرورة فقط ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب 0 ومعنا حديث جابر في ذلك ، وقول ابن مسعود وقول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر ، وهو لا يتوصل إلى حله إلا بسحر 0 والسحر حرام وكفر ، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة ؟ مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله ، فالرسول صلى الله عليه وسلم منع وسد الباب ، ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور ) ( فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم - 1 / 165 ) 0

قال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي تعقيبا على حديث عائشة - رضي الله عنها - آنف الذكر : ( التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة : أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين ، وآية الكرسي ، ونحو ذلك مما تجوز الرقيا به فلا مانع من ذلك ، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه ، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع ، وهذا واضح وهو الصواب 0 إن شاء الله تعالى كما ترى ) ( أضواء البيان – 4 / 465 ) 0

سئل العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة ؟

فأجاب : ( بسم الله والحمد لله 00 ، لا يجوز علاج السحر بالسحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0 والنشرة هي حل السحر بالسحر ؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم ، وهذا من الشرك الأكبر ؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) ، وقبلها قوله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمـَا أُنـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِـلَ هَـارُوتَ وَمَـارُوتَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) 0 ثم قال سبحانه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِـهِ أَنفُسَهُـمْ لـَوْ كَانُـوا يَعْلَمُـونَ *وَلَـوْ أَنَّهُـمْ ءامَنُـوا وَاتَّقَـوْا لَمَثُوبَـةٌ مِـنْ عِنْـدِ اللَّهِ خَيْـرٌ لَـوْ كَانُـوا يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ، 103 ) 0
وفي هاتين الآيتين تحذير من تعلم السحر وتعليمه من وجوه كثيرة ، منها : أنه من عمل الشيطان ، ومنها : أنّ تعلمه كفر ينافي الإيمان ، ومنها : أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه ، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض ، ومنها : أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله ، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري ، ومنها : أن هذا التعلم يضرهم ولا ينفعهم ، ومنها : أن من فعله ليس له عند الله من خلاق 0 والمعنى ليس له حظ ولا نصيب من الخير 0 وهذا وعيد عظيم يوجب الحذر من تعلم السحر وتعليمه ، ومنها : ذمه سبحانه من تعاطي هذا السحر بقوله تعالى : ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ) ( والمراد بالشراء هنا البيع 00 ومنها : إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى 0
وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه ، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر ، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان وردة عن الإسلام ، نعوذ بالله من ذلك 0 فالواجب الحذر من ذلك ، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلاً من العلاج بما حرمه الله عليه شرعاً ، والله ولي التوفيق ) ( مجلة الدعوة – تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ ) 0

سئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجابت :-

( لا يجوز ذلك ، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0
وفي الأدوية الطبيعية ، والأدعية الشرعية ، ما فيه كفاية : ( فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ) ( حديث صحيح - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - أنظر صحيح الجامع 1809 - السلسلة الصحيحة 451 ) ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي ، ونهى عن التداوي بالمحرم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( 000 تداووا ولا تتداووا بحرام ) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام ) 0
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) ( فتاوى مهمة لعموم الأمة – 106 ، 107 ) 0

يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - : ( لا شك أن السحر من عمل الشيطان ، وأن السحرة يتقربون إلى الشياطين بأنواع القربات والطاعات لكي تعينهم على عمل السحر الذي هو عبارة عن الإضرار بالمسحور ونحوه ، فلا يحصل لهم تأثير في المسحور إلا بمساعدة الشياطين 0 فالسحر إذن من عمل الشياطين 0
والنشرة هي حل السحر عن المسحور ، قال ابن القيم – رحمه الله - : " النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان :
الأول : حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن ، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطله عمله عن المسحور 0
والثاني : بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز 0 ا هـ " 0
أما حكم النوع الأول : لا يجوز حل السحر بسحر مثله ، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يبطل عمله الذي هو السحر ، فإن في ذلك إقرار له ، وإبقاء لعمله ، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر ، فإن حده ضربة بالسيف ، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السحر لما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضى بفعله ، وعلى هذا يحمل قول الحسن البصري – رحمه الله – لا يحل السحر إلا ساحر ، أي أن الساحر عمله وأحكمه بعمل شيطاني ، فالثاني يعمل أيضاً عملاً شيطانياً إذا أتاه المنتشر الذي يطلب منه حل ذلك السحر ، فيظهر من المسحور ضعف عزيمة ، وقلة إيمان ، فيعظم ذلك الناشر ويركن إلى كلامه ، ويمتثل ما يقوله غالباً ، ثم إن الناشر يتقرب إلى الشيطان بما يحب من المعاصي من دعائه وعبادته واستخدامه وطاعته بفعل المحرمات وترك الطاعات ، فهناك يطيع ذلك الناشر ويخدمه بما يريد ، ويخبره بموضع السحر ، وقد يتمكن من إحضاره له وإبطاله ، وتفريق ما عمله الساحر الأول ، من جمع تلك القطع والمخلفات والعقد التي حصل بها إضرار المسحور ، ولا شك أن في ذلك معصية وإقرار للسحرة على عملهم الشيطاني ، وقد روى أحمد وعنه أبو داوود عن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة ؟ فقال : ( هي من عمل الشيطان ) حسن الحافظ إسناده ، وقال ابن مفلح : إسناده جيد 0 والمراد النشرة المعهودة في الجاهلية التي هي إتيان الساحر والكاهن والرغبة إليه حتى يستخدم جنوده من الشياطين والجن لإبطال ذلك العمل ، فالشيطان الأول هو الساحر ، والثاني هو شيطان الجن ، فكلاهما عامل في إبطاله 0 ولذلك سئل الإمام أحمد عن هذه النشرة فقال : ابن مسعود يكره هذا كله ، أي يكره ما هو من عمل الشيطان ، ويكره التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ، وذلك لأن من عمل الناشر أن يأمر المنتشر بتعليق بعض التعاويذ والتمائم للحماية من ذلك العمل ، وهي تحتوي على شرك أو عمل شيطان أو طلاسم محرمة ، وتارة يأمره بجعلها تحت الوسادة أو في المنزل ، ولا يخلو ذلك من طاعة الشيطان ، وهو غاية المطلوب 0
وأما حكم النوع الثاني : وهو الرقية والتعوذات القرآنية والأدعية المأثورة واستعمال الأدوية المباحة ، فهذا جائز كما ذكره ابن القيم ، وعلى هذا يحمل ما رواه البخاري عن قتادة قال : قلت لابن المسيب : رجل به طب ، أو يؤخذ عن امرأته ، أيحل عنه أو ينشر ؟ قال : لا بأس به ، إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم ينه عنه 0 وفي رواية إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع 0 والمراد بالطب هنا السحر ، كني بالطب عن السحر تفاولاً بالطبيب ، ومعنى قوله : أو يؤخذ عن امرأته : أي لا يقدر على وطئها ، بحيث تبطل شهوته إذا قرب منها ، وقوله : لا بأس به ، محمول على الحل بالرقية الشرعية ، والتعوذات والأدوية النافعة على ما ذكره ابن القيم ، ولا يجوز يظن بابن المسيب أنه يبيح الإتيان إلى السحرة لحل السحر ، فإن ذلك حرام ، لما فيه من تشجيعهم وإقرارهم على ما هو شرك وكفر ، فأما العلاج بالرقية الشرعية فإنه مباح ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً ) ( حديث صحيح - انظر صحيح الجامع 1048 - السلسلة الصحيحة 1066 ) ، وقال : ( من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ) ( حديث صحيح - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، أنظر صحيح الجامع 6019 - السلسلة الصحيحة 472 ) وقد ذكرنا في علاج السحر بعض ما نقل عن العلماء في حل السحر بالآيات والأدعية المأثورة ، فإن تأثير السحر إنما هو بواسطة الجن والشياطين ، وما يعمله الساحر من التقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يعينه على عقد السحر أو منع الرجل من امرأته ، فمتى عولج بكلام الله تعالى ودعائه ، بطل عمل الشيطان ، ولكن ذلك يستدعي كون القارئ من أهل الصلاح والاستقامة ، والبعد عن المعاصي وعن أكل الحرام ، وقد اشتهر عن بعض العلماء المصلحين تأثيرهم في المرضى بإذن الله ، وأن ذلك بسبب اقتصارهم على أكل الحلال ، وهكذا أيضاً لا بد في المريض من كونه مسلماً مخلصاً موحداً مطيعاً لله تعالى ، فإن الله قد ذكر أن القرآن : ( 000 شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) وحيث أن الكثير من الناس لا يستفيدون من الرقية ، فإن من أسباب ذلك ضعف إيمانهم وعدم اهتمامهم بحق الله وانهماكهم في المعاصي وامتلاء بيوتهم من الملاهي وما يحبه الشيطان وتنفر منه الملائكة من الصور والأفلام الخليعة ونحوها ؛ وهكذا لا بد في تأثير الرقية من أن يكون المريض متعلقاً بالله تعالى ، ثم بالرقية الشرعية معتقداً أنها الشفاء النافع ولا يجعل ذلك مجرد تجربة فيفعل ذلك على وجه التجربة كما يفعله كثير من الناس ، فإن هذا الشك في نفع القرآن تكذيب لخبر الله ، فلا يستفيد منه من توقف في تأثيره ، ولم يجزم بأنه كلام الله ، وأنه شفاء من كل داء ، والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين للمشعوذين والسحرة – ص 496 ، 500 ) 0

وقد سئل فضيلته عن رجل مسحور يسأل العلاج عند السحرة والمشعوذين ، حيث أن هناك من نصحه بذلك ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( لا يجوز الذهاب إلى السحرة سواء لعقد السحر أو لحله ، لأن ذلك إقرار لهم على أعمالهم الشركية ، فإن السحر من عمل الشيطان والنشرة التي هي حل السحر بسحر مثله ( هي من عمل الشيطان ) كما ورد ذلك في حديث مرفوع ، حيث أن الساحر يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يبطل عمله عن المسحور ، أو يخدمه حتى يخبره بالعمل الذي عمل له ، فعلى هذا نكون قد أقررنا وشجعناه ونحن نعلم أنه مشرك ، وأن حده القتل كما ورد في الحديث ( حد الساحر ضربة بالسيف ) ( حديث ضعيف - أنظر ضعيف الجامع 2698 - سلسلة الأحاديث الضعيفة 1446 ) ، ولكن هناك علاج نافع وهو الرقية الشرعية والأدوية المتاحة فإنها تبطل هذا العمل بشروط يعرفها القراء لا بد من وجودها في الراقي وفي نفس الرقية وفي المرقي منها والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – ص 500 ، 501 ) 0

وسئل أيضاً أنه قد جاء في الأثر " لا يحل السحر إلا ساحر " فما هو المقصود من ذلك ؟ وهل يستدل بهذا الأثر على جواز العلاج عند السحرة والمشعوذين ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( هذا الأثر مروي عن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – ذكره في فتح المجيد ، وذكر أن الساحر كافر وأنه يجب قتله ، وأورد حديث جندب مرفوعاً ( حد الساحر ضربة بالسيف ) وأن عمر كتب إلى بجادة أن ( اقتلوا كل ساحر وساحرة ) وأن حفصة ( أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت ) وصح قتله عن جندب وبعد أن ذكر حكمه ذكر في باب النشرة حديث ( هي من عمل الشيطان ) وقول الحسن لا يحل إلا ساحر ومعناه أن الذي يحل السحر بسحر مثله هو ساحر والساحر كافر فيجب قتله ، ولا يجوز إقراره مع العلم أنه ساحر ، بل يلزم ضربه بالسيف لكفره وإذا عرف ذلك فكيف يستدل بهذا الأثر على إقرار الساحر وإتيانه وطلب عمل السحر منه بحل سحر موجود ، وإنما يجوز حل السحر بالقراءة والأذكار والأوراد والأدوية النافعة والأدعية المأثورة كما ذكر ذلك في فتح المجيد والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – 501 ، 502 ) 0

سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجاب قائلا :

( أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز ، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح ، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تداووا ولا تداووا بحرام ) 0
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ، ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به ، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة هذا الذي يجوز حل السحر به ) ( المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان – 2 / 132 ، 133 ) 0

وسئل - حفظه الله - عن حكم الاستعانة بالسحرة لقضاء بعض الحوائج من غير مضرة الآخرين 0

فأجاب : السحر محرم وكفر ، تعلمه وتعليمه ، قال تعالى : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000) إلى قوله تعالى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) 0
ولا يجوز استعمال السحر لقضاء بعض الحوائج ، لأنه محرم وكفر ، والمحرم والكفر لا يجوز للمسلم أن يستعمله ، بل يجب إنكاره ، والقضاء عليه ، ويجب قتل الساحر وإراحة المسلمين من شره ، ولا يستعان على قضاء الحوائج بالأمور المحرمة ) ( السحر والشعوذة – ص 47 ) 0

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عن حكم النشرة 0

فأجاب : حل السحر عن المسحور ( النشرة ) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة ، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة ، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة 0
القسم الثاني : إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله ؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : فمن العلماء من أجازه للضرورة 0
ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) وإسناده جيد رواه أبو داوود 0 وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرما وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فإني فَإِنِّي فإنى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِى إِذَا دَعَانِ ) ويقول الله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ) والله الموفق ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 1 / 238 ، 239 ) 0

يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان : ( وأمّا زعم بعض الناس بأن هذا سبب – يعني النشرة – فهذا غلط لأنّ هذا السبب غير شرعي ومخالف للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند أبي داود بسند حسن من طريق عقيل ابن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة ، فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0
والنشرة حل السحر عن المسحور ، فإذا كان حله عن طريق السحر فالحديث صريح بالمنع وبالله العجب كيف يجوز حل السحر عند السحرة وقد أجمع الصحابة – رضي الله عنهم – على قتلهم ، فالمسلم مأمور بقتل السحرة ولم يؤذن له بالتداوي عندهم ، وأما إن كان حل السحر عن طريق الرّقى الشرعية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والأدوية المعروفة فهذا مشروع ) ( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 هـ - ص 2 ، 3 ) 0

سئل الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عن حكم التوجه للكهنة والسحرة من باب الاضطرار ، حيث أن الضرورات تبيح المحرمات ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( الرجوع إلى السحرة والكهان والدجاجلة والمشعوذين كفر بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعريض لإيمان العبد بالخلل والبعد عن الله تعالى 0 ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نهانا عن الركون والرجوع إلى الكهان كان يبلغ بذلك أمر الله ، والله سبحانه وتعالى لا ينهانا عن شيء إلا ويفتح لنا أبواب الخير والصلاح بما هو خير وأفضل مما أمرنا باجتنابه فقد نهانا عن الرجوع إلى الكهنة والسحرة وأعطانا أسباب الوقاية منهم ومن شرورهم بالتعوذ به سبحانه من وساوسهم وهمزاتهم وأسباب إضرارهم فليس في الرجوع إليهم ضرورة ، بل في ذلك إشعار لهم بمكانتهم وقدرتهم ومدى تسلطهم 0 وعلاج ذلك في الإيمان بالله ربا وإلها ونافعا ومعطيا وشافيا ، لا خير إلا خيره ولا فضل إلا فضله وذلك كله بقضائه وتدبيره 0 لو اجتمع الثقلان على أن ينفعوا شخصا لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ، ولو اجتمعوا على أن يضروا شخصا لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ) ( مجلة الأسرة - صفحة 38 - العدد 69 ذو القعدة 1419 هـ ) 0

يقول الدكتور علي بن نفيع العلياني : ( ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه : أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله 0 وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وحفصة بنت عمر وعبدالله بن عمر وجندب بن عبدالله وروي ذلك مرفوعا عنه ( مجموع الفتاوى 29 - 384 ) وعلى هذا فالرقية السحرية محرمة ، ولا يجوز لمسلم أن يأتي لساحر لكي يرقيه ، وذلك لما يأتي :
أولا :- لو كان يجوز للمسلم أن يذهب للسحرة التماسا للتداوي برقية أو نحوها لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الساحر ، وفيه منفعة للناس ، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( حد الساحر ضربة بالسيف ) 0
ثانيا :- إن الله قد بين في سورة البقرة بأن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم 0 هذا لفظ عام يبين أن السحر ليس فيه نفع بوجه من الوجوه ، ولو كان فيه دواء ونحو ذلك ، لكان فيه فائدة ونفع ، وهذا مخالف لنص القرآن الكريم ) ( الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة – بتصرف – ص 62 ) 0

يقول الدكتور عمر يوسف حمزة : ( فالمعالجة بالمحرمات قبيحة : عقلاً وشرعاً 0 أما الشرع ، فما ذكرنا : من هذه الأحاديث وغيرها 0
وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه 0 وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله 0 فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ؛ فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب ، بقوة الخبث الذي فيه 0 فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن ، بسقم القلب ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء - 54 ، 55 ) 0

يقول الدكتور عبدالسلام السكري : ( والذي يترجح في ظني إجازة حل السحر بآيات من القرآن الكريم أو الدعوات المأثورة عن رسول الله أو الكلام العربي المفهوم والمشروع في نفس الوقت 0 أما حله بسحر مثله فلا بد للذي يقوم بهذا العمل أن يرتكب أموراً أقل ما يقال فيها إنها من أكبر المعاصي وأشد الكبائر والضرر لا يزال بمثله ، وإلا فما الفائدة من هذا العمل ؟ هذا ما رأينا إثباته والله تعالى وحده أعلم بالصواب ) ( السحر بين الحقيقة والوهم في التصور الإسلامي – ص 262 ) 0

يقول الأستاذ الصادق بن الحاج التوم : ( وهذا النوع – يعني النشرة – لا يشك أحد في تحريمه ؛ لأنه كفر وشرك بالله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هي من عمل الشيطان ) 0 وهو لا يزيد المريض إلا سوءاً ؛ لأن الساحر خبيث ، والخبيث يهمه ضرر الناس لا صلاحهم ، فلا يمكن أن يفك الساحر سحر أخيه ، لأنهم في الجريمة سواء ، ولكن قد يسكنه ليتوهم المريض أنه شفي فيقوم بالوفاء بما نذر للشيطان من قرابين ، ثم يعاوده مرة ثانية ) ( الإيضاح المبين لكشف حيل السحرة والمشعوذين – ص 42 ، 43 ) 0

وقد وقع بين يدي كتاب قرأت فيه كلاما جميلا يرد فيه على بعض من أجاز الاستعانة بالساحر لإبطال سحر أصابه ، حيث يقول الأستاذ جمال عبد الباري :

( وهناك بعض العبارات أو الكلمات التي أتعرض لها في ثنايا الدراسة ، وأستشعر فيها خطورة فأتناولها بما تستحقه من الإيضاح لأنها في غاية الخطورة على عقيدة المسلم ، منها ما ذكره أحد الكتاب حيث كتب ما يلي :
( هل يجوز أن يستعين المسحور بالساحر ليخلصه من السحر ؟ سواء كان هذا السحر : إيذاء عضويا يلحق بالإنسان " كالربط " مثلا ، أو إيذاء نفسيا يلحق به معنويا ، ولا يستطيع دفعه 00 يقول الإمام البخاري يجوز الاستعانة بهذا على ذلك 00
وعند سعيد بن المسيب والإمام الشعبي جواز هذا 00 فيجوز أن تستعين بمن صنع السحر لك أن يخلصك منه 00 أو تستعين بغيره 00 وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض 00 والبادي بالشر أظلم 00 فإذا استعنت بقوي على قوي ، فلا لوم عليك 0 وإذا استعنت برب القوة فذلك خير لك 000 )
إلى هنا ينتهي كلام الكاتب ، وهو كلام يستوجب توبة من كاتبه ، فلا الإمام البخاري ذكر هذا ولا غيره ، ولذلك فإن المؤلف لم يذكر مصدر هذه الفتوى 0
أما ما جاء في صحيح البخاري في باب "هل يستخرج السحر ؟" :
( وقال قتادة قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر ؟ قال : لا بأس إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ، أنظر فتح الباري - 10 / 232 ) 0
والسؤال كما ورد على لسان قتادة لا يحتمل كل ما ذكره الكاتب ، إن قتادة يسأل سعيد بن المسيب عن رجل مسحور أو مربوط هل يفك سحره أم لا ؟ هل يحاول أن يلجأ إلى طرق مشروعة لفك السحر أم يترك الأمر كما هو لأن هذا قضاء الله فيه ؟
وجاءت الإجابة : لا بأس به ، إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم ينه عنه 0 أما أن يبيح اللجوء إلى السحرة فهي عملية في غاية الخطورة لسببين :
الأول : إن ذهاب المسلم للسحرة لفك سحره يعني عجز الإسلام عن أن يقدم حلا لهذه المشكلة 00 وعجز الإسلام يعني نقصان هذا الدين ، والإسلام دين كامل متكامل 00 وإباحة اللجوء إلى السحرة تعني أن قدرة الساحر فوق قدرة الله ، ومعاذ الله أن تداني قدرة المخلوق قدرته 0
إن من يبيح ذلك لم يقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 5939 ) 0
الثاني : هذه الإباحة نوع من الهروب من مواجهة الحقائق 0 كما أنها تحمل صاحبها آثاما وذنوبا لا قبل له بها 00 لأنه لو علم ما يدور عند السحرة من زنا وشرب خمر وكذب وافتراء ما نطق لسانه بهذا الكلام 0
لو علم أنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لو علم ذلك لراجع ما يكتبه مرات ومرات ، وعرضه على أحاديث سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم 0
يقول صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له أو تسحر أو تسحر له ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 5435 - السلسلة الصحيحة 2195 ) إنه أمر في غاية الخطورة ، ولذلك يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بقوله : " ليس منا " ففك السحر باللجوء إلى السحرة هو نوع آخر من السحر ، والحرمة تقع على من ذهب إلى الساحر ، وعلى من أرسله وعلى من أباح له أن يفعل ذلك ، وبالطبع على الساحر أيضا 0
ولذلك بدأوا يشيعون في الناس فرية تكاد السماوات يتفطرن منها وتخر الجبال هدا - إذ يزعمون أن القرآن لا يفك السحر ، أو لا يصلح لفك كل ألوان السحر ، وكذبا قالوا ، وكفرا نطقوا 0
فما أدراهم ما القرآن ؟
إنه كلام رب العالمين ، كلام من يقول للشيء كن فيكون ، إن التشكيك فيه هو تشكيك في قدرة الله سبحانه وتعالى 0
إنها عبارة أطلقها شيطان مارد ، وتلقفتها ألسنة الجهلاء ورددوها دون وعي أو فهم 00 ونقول لهؤلاء وأولئك :
إن لم يكن القرآن قادرا على فك السحر ، فأي كتاب يمكن أن يفك السحر إذن ؟!
إن لم يكن القرآن قادرا على شفاء المرضى ، فأي كتاب يمكن أن يشفيهم ؟!
إن لم يكن النور قادرا على أن يمحو دياجير الظلام ، فأي بصيص يمكن أن يمحوها ؟
إن الذين يظنون ذلك ليسوا من أهل القرآن ، ولا يعرفون عنه أي شيء ، هذا الكتاب المعجز الذي يقول عنه ربنا تبارك وتعالى : " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ " سورة الحشر – الآية 21 " ) ( البديل الإسلامي لفك السحر – بتصرف 40 ، 43 ) 0

تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة في الرد على من أجاز حل السحر بسحر مثله

( أولاً : ما ورد عن سعيد بن المسيب من جواز قصد الساحر لحل السحر ، لا يظن به أن يفتي بذلك ، وحاشاه منه ، لأنه لا إصلاح في السحر بل كله فساد وكفر ، وكيف يقصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليحل السحر ! 0
ثانياً : قول الإمام أحمد : لا أدري ما هذا ، صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه ، وكيف يجيز قصد الساحر لحل السحر وهو الذي روى حديث : ( إنها من عمل الشيطان ) ، ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركاً بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان وحاشاه من ذلك 0
وعلى فرض التسليم بأنه يرى لا بأس بحل السحر على يد الساحر فالعبرة روايته لا رأيه 0
ثالثاً : إن حل السحر لا يلزم أن يكون بسحر لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذات ، لأن الشرع أذن بالمعالجة بالمباح ونهى عن التداوي بالمحرم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 193 ، 194 ) 0

وتقول أيضاً : ( ويظهر لي أن قول المانعين لحل السحر بمثله أولى بالاعتبار وذلك للأسباب الآتية :
1)- إن في كتاب الله تعالى الشفاء التام 0
2)- إن تحريم السحر يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل الطرق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع 0
3)- إن شأن العالم بالسحر الطبع على الإفساد والإضرار به ، فلو فتحنا الباب لحل السحر على أيدي السحرة ، لدفع ذلك كثير من السحرة الفجرة إلى تعمد سحر الناس ليضطروهم بذلك إلى سؤالهم حله ، فيتوصلوا أكل أموال الناس بالباطل ، فيستحوذوا على أموالهم ودينهم ، ففطم الناس عن ذلك أولى 0
4)- لا نقول إن الذهاب إلى الساحر لحل السحر من الضرورة التي تبيح قصده لأن الله تعالى أمرنا باللجوء إليه في كل الأحوال ولم يكلنا إلى غيره ، فكيف نفر إلى الناس من رب الناس ، وليكن معلوماً لدينا أن الاستشفاء بالقرآن يستدعي قبول وقوة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل ، أو لمانع قوي يمنع أن ينجع فيه الدواء 0
ولهذه الأسباب كان القول بعدم جواز قصد الساحر لحل السحر بمثله أولى بالاعتبار 000 والله أعلم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 193 ، 194 ) 0

وحول كلام قتادة عن سعيد بن المسيب آنف الذكر ، فقد وردت عن بعض العلماء ألفاظ يفهم منها جواز سؤال الساحر حل السحر عن المسحور ويفهم من بعضها منع النشرة ، وأستعرض فيما يلي بعض تلك الأقوال وبيان المحمل الصحيح الذي يحمل عليه كلامهم والقول الراجح في ذلك :

* عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان الرجل به سحر أن يمشي إلى من يطلق ذلك عنه قال : وهو صلاح قال : وكان الحسن يكره ذلك ويقول : لا يعلم ذلك إلا ساحر قال : فقال سعيد بن المسيب : لا بأس بالنشرة إنما نهي عما يضر ولم ينه عما ينفع 0 ( هذا الأثر جاء معلقا عند البخاري في كتاب الطب - باب هل يستخرج السحر - قال قتادة : قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب - أو يؤخذ عن امرأته - أيحل عنه أو ينشر قال : لا بأس إنما يريدون به الإصلاح 0 فأما ما ينفع فلم ينه عنه ) ( فتح الباري - 10 / 232 ) 0

قال الحافظ بن حجر : ( أما ما ورد في المتن فهو موصول من رواية يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ) ( انظر : تغليق التعليق لابن حجر وقال : إسناده صحيح 0 وانظر فتح الباري ، والتمهيد لابن عبدالبر بطريق آخر من رواية هشام عن قتادة ) 0

وقال - رحمه الله - : ( وأما ما جاء عن الحسن من الحصر في حل السحر حيث قال : لا يعلم ذلك إلا ساحر فهو ليس على ظاهره لأنه قد يحل السحر بالرقى والأدعية والتعويذ ) ( فتح الباري – 10 / 233 ) 0

روى ابن أبي شيبة في مصنفه : ( عن عطاء أنه كان لا يرى بأساً أن يأتي المؤخذُ عن أهله والمسحور من يُطلق عنه 0
وعن عطاء الخراساني أنه سئل عن المؤخذ عن أهله والمسحور نأتي نطلق عنه ؟ قال : لا بأس بذلك إذا اضطر إليه ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 5 / 41 ) 0

قال ابن قدامة : ( وروي عن سعيد بن المسيب ، في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه ، فقال : إنما نهى الله عما يضر ، ولم ينه عما يضر ، ولم ينه عما ينفع ، وقال أيضاً : إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل ) ( المغني – 8 / 154 ، 155 ) 0

وقال – رحمه الله - : ( وأما ما جاء عن الإمام أحمد عندما سئل عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : قد رخص فيه بعض الناس 0
فهذا محمول على النشرة المشروعة ، ومن حمله على النشرة السحرية فقد غلط بدليل أن الإمام أحمد عندما سئل عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : قد رخص فيه بعض الناس 0 فقيل له إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه ؟ فنفض يده وقال : لا أدري ما هذا ؟ قيل له : أفترى أن يؤتى مثل هذا ؟ قال : لا أدري ما هذا ؟ وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه 0 وكيف يجيزه ؟ وهو الذي روى الحديث " إنها من عمل الشيطان " ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والممنوعة ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان ، وحاشاه من ذلك ) ( الكافي – 4 / 166 – المغني – 8 / 156 ، 157 ) 0

قال الشيخ سليمان بن عبدالله - رحمه الله - معقبا على الكلام آنف الذكر : ( فهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أو لا ؟ فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر ، فلا يظن به ذلك ، حاشاه منه ويدل على ذلك قوله : إنما يريدون به الإصلاح ، فأي صلاح في السحر ؟ بل كله فساد وكفر والله أعلم ) ( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد – ص 418 ) 0

وقال ابن القيم – رحمه الله – في تعقيبه على ذلك : ( ولو صح عنه أنه أراد بذلك حل السحر بسحر مثله فهو اجتهاد منه لا يوافق عليه لمخالفته للنص في تحريم الذهاب إلى الكهان وأضرابهم ، أما ما جاء عن الحسن من كراهية النشرة فهذا يحمل على النشرة الجاهلية التي هي من عمل الشيطان ) ( أعلام الموقعين – 4 / 396 ) 0

قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( النشرة : إطلاق السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر على ذلك إلا من يعرف السحر ، ومع هذا فلا بأس بذلك ) ( النهاية في غريب الحديث – 2 / 408 ) 0

قال البيهقي : ( إن رقى بما لا يعرف ، أو على ما كان من أمر الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز ، وإن بكتاب الله ، أو بما يعرف من ذكر الله متبركاً به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به 0
ثم قال : والقول فيما يكره من النشرة وما لا يكره كالقول في الرقية ) ( السنن الكبرى – 9 / 351 ) 0

قال صاحبا كتاب " السحر والسحرة " : ( ويمكن الجمع بين تلك الأقوال بأن تحمل النشرة التي من عمل الشيطان على التي فيها كفر أو شرك أو لا تعرف ، أما النشرة والرقية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالكلام الطيب المعروف ، ونحوها من المباحات فلا شيء فيه ، ولا شك أن السحر داء من الأدواء ، وعلاجه بالنشرة الحلال لا شيء فيه 0
إذن فالقول الصحيح أن الرقية بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بكلام طيب معروف جائزة ولا شيء فيها ) ( السحر والسحرة – باختصار – 98 ، 99 ) 0

خلاصة بحث المسألة :

بعد استعراض أقوال أهل العلم في النشرة يتضح جليا أن النشرة بمفهومها العام - وهو حل السحر بسحر مثله - لا تجوز مطلقا ، حتى لو صدرت من بعض رجالات أهل العلم قديما وحديثا لأن كلام الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء ، والأدلة النقلية الصريحة جاءت لتؤكد ذلك بقوة دون أن تدع مجالا لأحد أن يدلو بدلوه في هذا الموضوع الخطير ، ويكفي أن طرق أوكار السحرة والمشعوذين فيه مخالفة صريحة لعقيدة المسلم أولا ، ولما يترتب عليها من مفسدة عظيمة على الأمة الإسلامية ثانيا ، وفتح هذا الباب يعني الترويج للبضاعة العفنة التي يتاجر بها السحرة والكهنة ، ولا بد من تقوى الله سبحانه وتعالى بخصوص هذه المسألة ، وإرشاد العامة وتوجيههم بتوجيهات الشريعة ، وتعليمهم مدى خطورة انتهاج ذلك وآثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع ، وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية التي وضعت قضية السحر في حجمها الطبيعي ، وتناولتها بما تستحقه من الإيضاح والتبصير 00 تعريفا وتأثيراً وتشخيصاً ووقاية ، وتعرضت له من جانب العرض وجانب الطلب ، فحاربت السحرة ، وجعلت حد الساحر القتل ، كما هو الراجح من أقوال أهل العلم ، وعلى ذلك فلا بد من إدراك أن الاستشفاء لا يكون بالمحرم ، إنما باتخاذ الأسباب والوسائل الشرعية والحسية المتاحة لذلك 0

وقد دلت النصوص الصريحة الواضحة على هذا المفهوم ، وأن الاستشفاء لا يكون بالمحرم كالخمر وغيره ، قال ابن القيم - رحمه الله - :

( المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فأدلة السنة تؤكد ذلك ، وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) ( سورة النساء – الآية 160 ) ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب 0
وأيضا فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع ، وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء 0
وأيضا فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا ، فإذا كانت كيفيته خبيثة ، اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ؟! ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته 0
وأيضا فإن في إباحة التداوي به ، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة ، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها ، فهذا أحب شيء إليها ، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن ، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله ، وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضا وتعارضا 0
وأيضا فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء ، ولنفرض الكلام في أم الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط ، فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز العقل عند الأطباء وكثير من الفقهاء والمتكلمين 0
وها هنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها ، فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول ، واعتقاد منفعته ، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حل ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها ، وبين حسن ظنه بها ، وتلقي طبعه لها بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا ، كان أكره لها وأسوأ اعتقادا فيها ، وطبعه أكره شيء لها ، فإذا تناولها في هذه الحال ، كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها ، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء ، والله أعلم ) ( الطب النبوي – بتصرف – 156 ، 158 ) 0

قلت : إن خطورة الذهاب للسحرة والمشعوذين أعم وأشمل من ذلك بكثير ، واقتراف هذا الأمر بحد ذاته يعتبر كفرا بواحا بالله عز وجل 0
وشفاء المسحور لا يمكن أن يكون بسحر مثله ، وحصول مثل ذلك الأمر بالنسبة للسحرة يعني إحداث تضاد وتنافر فيما يقومون به من عمل دنيء ، فتكسد بضاعتهم وتبور تجارتهم ، ومن أجل ذلك فقد يلجأون لأسلوب خبيث في التعامل مع الحالات المرضية ، حيث يمنعون السحر لفترة مؤقتة بإرادة الله سبحانه وتعالى ، فتنة لهم ، وإمعانا لهم في طغيانهم وكفرهم ، ويعود الأمر إلى سابق عهده ، ليعود المسكين ويدفع دينه وماله تسديدا لذلك ، ولا يعتبر هذا الكلام جزافا إنما من واقع التجربة التي يعيشها الناس والقصص والشواهد كثيرة على ذلك ، أعاذنا الله وإياكم من شرورهم ورد كيدهم إلى نحورهم 0

وفي العصر الحاضر يصبح الأمر أشد وأخطر للأسباب التالية :

1)- لقد عاث السحرة الفساد في الأرض ، وأصبحوا كثرة لعدم ملاحقتهم وتطبيق الحدود الشرعية ضدهم ، وإنفاذ القصاص الشرعي العادل بحقهم ، إلا في بلاد قلة حباها الله بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وفتح هذا الباب يقودهم لفعل أعمالهم الخبيثة والدنيئة ، لكي تطرق الناس أبوابهم وتطلب العلاج على أيديهم 0

2)- عامة الناس في هذا الزمان ليسوا بحاجة لتلك الفتاوى فهم معتادون على ارتياد أوكار السحرة بعذر وبغير عذر 0

3)- البعد عن الدين عند كثير من الناس ، وطرح ذلك الأمر ونشره بينهم يشجعهم على الذهاب إلى الكفر بأيديهم وتساهل هذا الخطر العظيم 0

4)- المفسدة العظيمة المترتبة عن ذلك ، بإضاعة المال ، وهتك العرض والشرف ، وزرع الأحقاد والضغائن بين الناس وتدمير الأسر والمجتمعات الإسلامية 0

ويتذرع البعض بأمور واهية للذهاب إلى السحرة والمشعوذين والعرافين ، فمنهم من يدعي المراجعة بسبب رفع المعاناة والألم له ولذويه وأرحامه ، والآخر يدعي بأن العلاج لدى هؤلاء المهرطقين أسرع وأنفع ، ومنهم من يدعي إما جهلا أو تجاهلا بأن هؤلاء يمتلكون من الكرامات ما تحقق لهم شفاء الآخرين ونحو ذلك من أقوال معسولة ، وكل ذلك يتحطم أمام قوة النصوص القرآنية والحديثية وأقوال أهل العلم الزاجرة الرادعة لتلك الفئة الباغية وآثارها المدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، وأنقل في ذلك كلاما جميلا للدكتور الفاضل ( فهد بن ضويان السحيمي ) عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، حيث يقول :

( من تأمل الوعيد الشديد فيمن ذهب إلى الكهان علم قطعا أن الشرع لا ينهى إلا عن شيء فيه مضرة ، فذلك الوعيد فيمن ذهب إليهم فما بالك إذا بحال الكهان وأضرابهم 0
ولكن الفطر إذا انقلبت وحادت عن الجادة السوية رأت الأمور على عكس وجهتها الصحيحة وعلى غير مرادها في الشرع 0 حتى سمي هؤلاء الأشرار بأولياء الله ، لما يجري على أيدي بعضهم من الخوارق الشيطانية في شفاء بعض المصروعين والمسحورين 0
والحق أن هؤلاء أولياء للشيطان ، لأن أولياء الله عز وجل يعتبرون بصفاتهم ، وأحوالهم ، وأفعالهم ، التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من خوارق العادات أنه ولي لله لأن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار المشركين ، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين 0
وقد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة بل يكون ملابسا للنجاسات ، رائحته خبيثة ، لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف ، فالفرق بين كرامات أولياء الله وخوارق أولياء الشيطان واضح جلي وهو : أن كرامات أولياء الله لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى 0
أما ما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله لأن ذلك يحصل بالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات من الجن وغيرهم فيما لا يقدر عليه إلا الله 0 أو بالفسق والعصيان وفعل المحرمات وهذا هو حال الكهان وأمثالهم ممن انتحل الشرك والكذب مطية لتحقيق رغباته الدنيوية ، أما ما يحصل على أيديهم من شفاء بعض المصروعين وغيرهم ممن يذهب إليهم فقد سبق أن ذكرت أن الأسباب في حصول المقاصد منها ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع فالأسباب المحرمة قد يتوصل بها لنيل بعض الأغراض ولكن ذلك لا يدل على صحتها ، ومن أهم الأسباب المحرمة الاستعانة بالجن في شفاء المصروع مثلا 0 واعلم أنهم لا يعينون من طلب ذلك منهم إلا بعمل مذموم تحبه الشياطين ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 187 ، 188 ) 0

ويقول أيضا : ( ومع هذا الشرك الواضح فكثيرا ما يعود مرتادو الكهان وأضرابهم بخفي حنين بعد ما ابتزت أموالهم وفسدت عقيدتهم وذلك نتيجة لعجز الكهان عن بعض الجن ولكثرة الكذب الذي هو الصفة الظاهرة عند هؤلاء ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 189 ) 0

ذلك ما تيسر لي في طرح هذه المسألة التي ينبغي أن يوليها العلماء وطلبة العلم والدعاة حيزاً مهماً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، ولا بد أن يعلم الجميع أن طرق أبواب السحرة والمشعوذين كفر مخرج من الملة ، وفيه خطر عظيم وآفة مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، ولا يجوز مطلقاً التذرع ببعض فتاوى أو أقوال علماء أجلاء في تمرير هذا العمل الخبيب ، وقد تبين لاحقاً ومما ذكر آنفاً أن الأمر جِدُّ خطير ، فنسأل الله سبحانه وتعالى باسمه الأعظم الذي ما أن دعي به أجاب أن يحفظ سائر بلاد المسلمين من السحرة وشرورهم ، وأن يرد كيدهم إلى نحورهم ، إنه سميع مجيب الدعاء 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامه بن ياسين المعاني


وتقبل تحيات :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-09-2004, 11:02 AM   #3
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

أبو البراء
مشرف عام منتدى الرقية الشرعية

هل يجوز فك السحر عن المسحور بسحر مثله ( علاج السحر بالسحر ) ؟؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

يتداول بين العامة والخاصة في الوقت الحالي أمر خطير شاع بين الناس وهو مسألة ( النشرة ( فك السحر بسحر مثله ) ، وقد نقل لي بعض الإخوة رأي للشيخ عبدالمحسن العبيكان – حفظه الله - حول هذه المسألة ، وأنه يرى بجواز فك السحر بسحر مثله ، وقد نقل ذلك على قناة ( mbc ) ، ومن أجل أن تتضح الرؤيا لكافة الإخوة والأخوات حول هذا الموضوع ، وأن نقف على الحق وأهله ، وأن نرى الحكم الشرعي والتأصيل التقعيدي لهذا الأمر ، أحببت أن أعرض عليك ما ذكرته في كتابي ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) بتفصيل دقيق ، حيث بدأت بحثي حول هذه المسألة بأقوال أهل العلم حول المعنى العام للنشرة ، وإليكم التفصيل :

قال ابن الأثير : ( والنشرة بالضم ضرب من الرقية والعلاج ، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن ، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يكشف ويزال ) ( النهاية في غريب الحديث – 5 / 54 ) 0

قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( النشرة : هي حل السحر عن المسحور ، وهي نوعان : حل السحر بسحر مثله ، وهي التي ورد فيها الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح سنن أبي داوود 3277 ) 0
وقد سئل الحسن عن النشرة فقال : لا يحل السحر إلا ساحر ، وقال الإمام أحمد : ابن مسعود يكره هذا كله ، وصفة ذلك أن المصاب بالسحر يجيء إلى الساحر ويرغب إليه أن يحل عنه فيتقرب الساحر والمسحور إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور حيث أن السحر في الأصل من عمل الشيطان ، فإذا خضع المسحور وجاء إلى وليه وهو الكاهن أو الساحر واستضعف له وتذلل وقام الساحر بالتقرب إلى الشيطان بما يحب من المعاصي والنجاسات فهنالك يبطل عمله أو عمل السحرة ، فهذا النوع لا يجوز لأنه إقرار للسحرة واستخدام لهم فيكون كفراً ، أما النوع الثاني فهو حل السحر بالقراءة والأوراد والأدعية والأدوية المباحة والرقية الشرعية المباحة من الآيات والأحاديث فهذا جائز لا بأس به والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – ص 477 ، 478 ) 0

والمراد بها هنا : هي حل السحر عن المسحور ، ويندرج تحتها نوعان ، أما النوع الأول فهو حل السحر بالأدعية والرقى المباحة من القرآن والسنة ، وهذا جائز بإجماع أهل العلم ، وأما النوع الثاني الذي أعنيه تحت هذا العنوان فهو حل السحر عن المسحور بسحر مثله 0

إن المتفحص والمتأمل لكافة النقاط والمسائل التي تم بحثها تحت عنوان ( أخطار السحرة والكهنة والمشعوذين والعرافين ) يرى بما لا يدع مجالا للشك خطورة هذه الفئة لما تسببه من هدم للعقائد ، ونشر للكفر والضلال ، وإفساد في الأرض ، وتحطيم للأسر وذلك بالتفريق بين المرء وزوجه ، وإلحاق ضرر عظيم في المجتمع الإسلامي ، وهذا يعبر عن خبث ودناءة نفس ، وانحطاط في المنهج والسلوك والتصرف 0
ولكل ذلك وقف الإسلام بتعاليمه وعدله ، يحاربهم ويدافع عن أهل العقيدة والتوحيد ، فصانهم بإرشاداته ، وحفظ عليهم أغلى ما يملكون في هذه الدنيا 0

وترى بعض العامة ممن يذهب إلى السحرة والعرافين والمشعوذين يتذرعون بفتاوى من بعض العلماء الأفاضل – حفظهم الله – والذين ينأون ويبعدون كل البعد عن ذلك ، ويحذرون أشد التحذير من السحرة والعرافين والمشعوذين ، وعادة ما تبنى تلك الفتاوى على ما ذكره المستفتي – الذي لا يدرك أحوال هؤلاء المشعوذين والسحرة – وقد يسأل العلماء بقوله : إن فلانا يرقي بالقرآن أو نحو ذلك فهل أنصح بالذهاب إليه ؟ فيفتونه على قدر سؤاله ، فيحمل الفتوى على صحة حال هذا الرجل ، وأنه لا يرقي إلا بالقرآن ، ومن واجب المستفتي أن يتثبت من حال الراقي قبل الاستفتاء وشرح ما يقوم به في الرقية بوضوح ، حتى ينزل الحكم على الوصف الدقيق المطابق للواقع ، وسوف تتضح الصورة كاملة عند استيفاء هذا العنوان حقه من البحث والدراسة الكاملة إن شاء الله تعالى 0

أولا : أدلة تحريم النشرة من كتاب الله عز وجل :

يقول تعالى في محكم كتابه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ) ( سورة الأعراف – الآية 157 ) 0

ثانيا : أدلة تحريم النشرة من السنة المطهرة وبعض الآثار الواردة في ذلك :

1)- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة ، فقال : ( هو من عمل الشيطان ) 0

قال شمس الحق العظيم أبادي : ( قال الحسن : النشرة من السحر وقد نشرت عنه تنشيرا انتهى 0 وفي فتح الودود : لعله كان مشتملا على أسماء الشياطين أو كان بلسان غير معلوم ، فلذلك جاء أنه سحر سمي نشرة لانتشار الداء وانكشاف البلاء به ( هو من عمل الشيطان ) أي من النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به ويعتقدون فيه ، وأما ما كان من الآيات القرآنية والأسماء والصفات الربانية والدعوات المأثورة النبوية فلا بأس به ) ( عون المعبود في شرح سنن أبي داود – 10 / 249 ) 0

عن أبي رجاء عن الحسن قال : ( سألت أنس بن مالك عن النشرة فقال : ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنها من عمل الشيطان ) ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 8 / 29 ) 0

عن الحكم بن عطية قال : ( سمعت الحسن وسئل عن النشرة فقال : ( من عمل الشيطان ) ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 8 / 29 ) 0


قال عبد الرزاق الصنعاني في " مصنفه " : ( أخبرنا عقيل بن معقل عن همام بن منبه قال : سئل جابر بن عبدالله عن النشر 0 فقال : ( من عمل الشيطان ) ) ( مصنف عبدالرزاق - 11 / 13 ) 0

2)- عن أم الدرداء - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله تعالى خلق الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام ) ( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 1633 ) 0

قال المناوي : ( " إن الله تعالى خلق الداء والدواء " أي أوجده وقدره " خلق الداء والدواء " ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه ، والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته ) ( فيض القدير – 2 / 228 ) 0

3)- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن الدواء الخبيث ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 6878 ) 0

قال المناوي : ( " الدواء الخبيث " أي السم أو النجس أو الخمر ولحم غير المأكول وروثه وبوله ، فلا تدافع بينه وبين حديث العرنيين 0 وقيل : أراد الخبيث المذاق لمشقته على الطباع والأدوية وإن كانت كلها كريهة ، لكن بعضها أقل كراهة )( فيض القدير – 6 / 314 ) 0

4)- قالت أم سلمة - رضي الله عنها - : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال : ما هذا ؟ فقلت : إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) وفي رواية : ( إن الله لم يجعل في حرام شفاء ) ( حديث حسن - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – أنظر السلسلة الصحيحة 4 / 175 ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وأما التداوي - بالخمر- فإن بعضهم قال إن المنافع التي كانت فيها قبل التحريم سلبت بعد التحريم بدليل الحديث المتقدم ذكره ، وأيضا فتحريمها مجزوم به ، وكونها دواء مشكوك بل يترجح أنها ليست بدواء بإطلاق الحديث 0 ولا يجوز تعاطيها في التداوي إلا في صورة واحدة وهو من اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الأكلة والعياذ بالله ) ( فتح الباري – 10 / 80 ) 0

قلت : وفي عصرنا الحاضر لا يجوز التداوي بالخمر مطلقا لانتفاء الأسباب الداعية لاستخدام المضطر كما بين الحافظ –رحمه الله- في الفتح ، ولتوفر المستشفيات والمصحات وتوفر الأجهزة والمواد الطبية التي تغني عن استخدامها لذهاب عقل المريض ، كالبنج ونحوه ، إلا في حالة الضرورة التي ينتفي معها وجود تلك الأسباب المشار إليها آنفا 0

يعقب الدكتور عبدالرزاق الكيلاني على مجموع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحث على طلب الدواء مع وجود الداء فيقول :

( هذه الأحاديث الشريفة تمثل قاعدة عظيمة من قواعد الطب أرساها النبي صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا ، فهو :
أولا : جعل طلب الدواء امتثالا لأمر الله تعالى الذي وضع لكل داء دواء ، فقال لأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - : تداووا عباد الله ، وهم الذين كانوا ينسبون الأمراض إلى الأرواح الشريرة والشياطين00 ويتخذون لها التمائم والتعاويذ ، لذلك سألوه عليه الصلاة والسلام : أنتداوى ؟
ثانيا : فتح آفاق البحث والتجربة أمام الأطباء والعلماء ليكتشفوا لكل داء دواء ، فالدواء موجود ولكنه قد يبقى مجهولا إلى أن يكتشفه العلماء والباحثون 0
ثالثا : بعث الأمل والتفاؤل في نفوس المرضى ، فلا ييأسون ويقول بعضهم : دائي ليس له دواء ، فإذا كان الدواء مجهولا اليوم فقد يكتشف غدا 0
رابعا : بين أن الموت لا بد منه ، فلا خلود في الأرض ، وعندما يأتي القضاء يعمى البصر ولا ينفع الدواء :
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته0000000000000000000يوما على آلة حدباء محمول
( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 64 ) 0

5)- عن عائشة - رضي الله عنها – : ( أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سحره لبيد بن الأعصم : أفلا - أي تنشرت - فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أشير على أحد من الناس شرا ) ( متفق عليه ) 0

قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قوله " قالت : فقلت أفلا ؟ أي تنشرت " وقع في رواية الحميدي " فقلت : يا رسول الله فهلا ؟ قال سفيان بمعنى تنشرت " فبين الذي فسر المراد بقولها : " أفلا " كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى ، وظاهر هذه اللفظة أنه من النشرة 0 وكذا وقع في رواية معمر عن هشام عند أحمد " فقالت عائشة : لو أنك " تعني تنشر ، وهو مقتضى صنيع المصنف حيث ذكر النشرة في الترجمة ، ويحتمل أن يكون من النشر بمعنى الإخراج فيوافق رواية من رواه بلفظ " فهلا أخرجته " ويكون لفظ هذه الرواية " هلا استخرجت " ) ( فتح الباري – 10 / 235 ) 0

6)- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - موقوفا عليه : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - أنظر السلسلة الصحيحة - 4 / 175 ) 0

7)- وعن أبي الأحوص : ( أن رجلا أتى عبدالله فقال : إن أخي مريض اشتكى بطنه ، وإنه نعت له الخمر أفأسقيه ؟ قال عبدالله : سبحان الله ! ما جعل الله شفاء في رجس ، إنما الشفاء في شيئين : العسل شفاء للناس ، والقرآن شفاء لما في الصدور ) ( قال الألباني : وإسناده صحيح – السلسلة الصحيحة - 4 / 176 ) 0

ثالثا : أقوال أهل العلم في النشرة :

قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير ، فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال ، لأن ذلك محرم في كل حال ، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه ، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 64 ) 0

قال الشيخ سليمان بن عبدالله بن عبد الوهاب : ( قال ابن القيم - رحمه الله - : " النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان : حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان 0 وعليه يحمل قول الحسن فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطله عمله عن المسحور 0
والثاني : بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز " انتهى كلام ابن القيم 0
قال شارح كتاب التوحيد : هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب ، وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة فإنه محمول على ذلك ، وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية ، وليس في كلامه ما يدل على ذلك 0 بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال : قد رخص فيه بعض الناس 0
قيل : إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه فنفض يده ، وقال لا أدري ما هذا 0
قيل له : أترى أن يؤتى مثل هذا ؟ قال : لا أدري ما هذا ؟ 0 وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه 0
وكيف يجيزه وهو الذي روى الحديث إنها من عمل الشيطان ، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة – ظنوا أنه أجاز الذي من عمل الشيطان ، وحاشاه من ذلك ) ( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد – ص 419 ) 0

وقال الشيخ حافظ حكمي :

وحله بالوحي نص يشرع0000000000000000000000000أما بسحر مثله فيمنع

( وحله ) يعني حل السحر عن المسحور ( بـ ) الرقى والتعاويذ والأدعية من ( الوحي ) الكتاب والسنة ( نصا ) أي بالنص ( يشرع ) كما رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين ، وكما يشمل ذلك أحاديث الرقى المتقدمة في بابها التي أمر بها الشارع صلى الله عليه وسلم وندب إليها ، ومن أعظمها فاتحة الكتاب وآية الكرسي والمعوذتان وآخر سورة الحشر ، فإن ضم إلى ذلك الآيات التي فيها التعوذ من الشياطين مطلقا والآيات التي يتضمن لفظها إبطال السحر كقوله تعالى : ( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ) ( سورة الأعراف – الآية 118 ، 119 ) ، وقوله عز وجل : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) ( سورة يونس – الآية 81 ) وقوله تعالى : ( إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 69 ) ونحوها كان ذلك حسنا ، ومثل ذلك الأدعية والتعاويذ المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الأحاديث الصحيحة كما تقدم كثير منها في باب الرقى ، وكحديث : ( ربنا الله الذي في السماء ، تبارك اسمك ، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء ، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع ، فيبرأ ) ( حديث ضعيف - أنظر ضعيف الجامع 5422 ) 0
رواه أبو داوود ، وكحديث عثمان بن أبي العاص أنه قال : ( أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : امسح بيمينك سبع مرات وقل : أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد 0
قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم ) ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – أنظر الكلم الطيب 147 ) ، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكتب السنة من الأمهات وغيرها مشحونات بالأدعية والتعوذات الكافية الشافية بإذن الله عز وجل ، فمن ابتغى ذلك وجده ، والله الموفق ) ( معارج القبول - 1 / 380 ) 0

وقال – رحمه الله – : ( أما حل السحر عن المسحور بسحر مثله فيحرم فإنه معاونة للساحر ، وإقرار له على عمله ، وتقرب إلى الشيطان بأنواع القرب ليبطل عمله عن المسحور ، ولهذا قال الحسن : لا يحل السحر إلا ساحر 0 ولهذا ترى كثيرا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ، ليضطره بذلك إلى سؤاله حله ، ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل ، فيستحوذ على أموالهم ودينهم نسأل الله تعالى العافية ) ( معارج القبول – باختصار – 2 / 566 ، 567 ) 0

قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - : ( قال بعض الحنابلة : يجوز الحل بسحر ضرورة 0 والقول الآخر أنه لا يحل ، وهذا الثاني هو الصحيح 0 وحقيقته أنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء أو السجود له أو غير ذلك ، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان ، وجاء إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل ، فيبطل عمله عن المسحور 0 وكلام الأصحاب هنا بين أنه حرام ولا يجوز إلا لضرورة فقط ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب 0 ومعنا حديث جابر في ذلك ، وقول ابن مسعود وقول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر ، وهو لا يتوصل إلى حله إلا بسحر 0 والسحر حرام وكفر ، أفيعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة ؟ مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله ، فالرسول صلى الله عليه وسلم منع وسد الباب ، ولم يفصل في عمل الشيطان ولا في المسحور ) ( فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم - 1 / 165 ) 0

قال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي تعقيبا على حديث عائشة - رضي الله عنها - آنف الذكر : ( التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة : أن استخراج السحر إن كان بالقرآن كالمعوذتين ، وآية الكرسي ، ونحو ذلك مما تجوز الرقيا به فلا مانع من ذلك ، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يفهم معناه ، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع ، وهذا واضح وهو الصواب 0 إن شاء الله تعالى كما ترى ) ( أضواء البيان – 4 / 465 ) 0

سئل العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – عن حكم علاج السحر بالسحر عند الضرورة ؟

فأجاب : ( بسم الله والحمد لله 00 ، لا يجوز علاج السحر بالسحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0 والنشرة هي حل السحر بالسحر ؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم ، وهذا من الشرك الأكبر ؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) ، وقبلها قوله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمـَا أُنـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِـلَ هَـارُوتَ وَمَـارُوتَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) 0 ثم قال سبحانه : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِـهِ أَنفُسَهُـمْ لـَوْ كَانُـوا يَعْلَمُـونَ *وَلَـوْ أَنَّهُـمْ ءامَنُـوا وَاتَّقَـوْا لَمَثُوبَـةٌ مِـنْ عِنْـدِ اللَّهِ خَيْـرٌ لَـوْ كَانُـوا يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ، 103 ) 0
وفي هاتين الآيتين تحذير من تعلم السحر وتعليمه من وجوه كثيرة ، منها : أنه من عمل الشيطان ، ومنها : أنّ تعلمه كفر ينافي الإيمان ، ومنها : أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه ، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض ، ومنها : أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله ، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري ، ومنها : أن هذا التعلم يضرهم ولا ينفعهم ، ومنها : أن من فعله ليس له عند الله من خلاق 0 والمعنى ليس له حظ ولا نصيب من الخير 0 وهذا وعيد عظيم يوجب الحذر من تعلم السحر وتعليمه ، ومنها : ذمه سبحانه من تعاطي هذا السحر بقوله تعالى : ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ) ( والمراد بالشراء هنا البيع 00 ومنها : إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى 0
وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السحر وتعليمه ، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر ، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان وردة عن الإسلام ، نعوذ بالله من ذلك 0 فالواجب الحذر من ذلك ، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلاً من العلاج بما حرمه الله عليه شرعاً ، والله ولي التوفيق ) ( مجلة الدعوة – تاريخ 10 / 11 / 1414 هـ ) 0

سئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجابت :-

( لا يجوز ذلك ، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0
وفي الأدوية الطبيعية ، والأدعية الشرعية ، ما فيه كفاية : ( فإن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ) ( حديث صحيح - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - أنظر صحيح الجامع 1809 - السلسلة الصحيحة 451 ) ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي ، ونهى عن التداوي بالمحرم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( 000 تداووا ولا تتداووا بحرام ) ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام ) 0
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) ( فتاوى مهمة لعموم الأمة – 106 ، 107 ) 0

يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - : ( لا شك أن السحر من عمل الشيطان ، وأن السحرة يتقربون إلى الشياطين بأنواع القربات والطاعات لكي تعينهم على عمل السحر الذي هو عبارة عن الإضرار بالمسحور ونحوه ، فلا يحصل لهم تأثير في المسحور إلا بمساعدة الشياطين 0 فالسحر إذن من عمل الشياطين 0
والنشرة هي حل السحر عن المسحور ، قال ابن القيم – رحمه الله - : " النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان :
الأول : حل السحر بمثله والذي هو من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن ، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطله عمله عن المسحور 0
والثاني : بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز 0 ا هـ " 0
أما حكم النوع الأول : لا يجوز حل السحر بسحر مثله ، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يبطل عمله الذي هو السحر ، فإن في ذلك إقرار له ، وإبقاء لعمله ، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر ، فإن حده ضربة بالسيف ، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السحر لما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضى بفعله ، وعلى هذا يحمل قول الحسن البصري – رحمه الله – لا يحل السحر إلا ساحر ، أي أن الساحر عمله وأحكمه بعمل شيطاني ، فالثاني يعمل أيضاً عملاً شيطانياً إذا أتاه المنتشر الذي يطلب منه حل ذلك السحر ، فيظهر من المسحور ضعف عزيمة ، وقلة إيمان ، فيعظم ذلك الناشر ويركن إلى كلامه ، ويمتثل ما يقوله غالباً ، ثم إن الناشر يتقرب إلى الشيطان بما يحب من المعاصي من دعائه وعبادته واستخدامه وطاعته بفعل المحرمات وترك الطاعات ، فهناك يطيع ذلك الناشر ويخدمه بما يريد ، ويخبره بموضع السحر ، وقد يتمكن من إحضاره له وإبطاله ، وتفريق ما عمله الساحر الأول ، من جمع تلك القطع والمخلفات والعقد التي حصل بها إضرار المسحور ، ولا شك أن في ذلك معصية وإقرار للسحرة على عملهم الشيطاني ، وقد روى أحمد وعنه أبو داوود عن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة ؟ فقال : ( هي من عمل الشيطان ) حسن الحافظ إسناده ، وقال ابن مفلح : إسناده جيد 0 والمراد النشرة المعهودة في الجاهلية التي هي إتيان الساحر والكاهن والرغبة إليه حتى يستخدم جنوده من الشياطين والجن لإبطال ذلك العمل ، فالشيطان الأول هو الساحر ، والثاني هو شيطان الجن ، فكلاهما عامل في إبطاله 0 ولذلك سئل الإمام أحمد عن هذه النشرة فقال : ابن مسعود يكره هذا كله ، أي يكره ما هو من عمل الشيطان ، ويكره التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ، وذلك لأن من عمل الناشر أن يأمر المنتشر بتعليق بعض التعاويذ والتمائم للحماية من ذلك العمل ، وهي تحتوي على شرك أو عمل شيطان أو طلاسم محرمة ، وتارة يأمره بجعلها تحت الوسادة أو في المنزل ، ولا يخلو ذلك من طاعة الشيطان ، وهو غاية المطلوب 0
وأما حكم النوع الثاني : وهو الرقية والتعوذات القرآنية والأدعية المأثورة واستعمال الأدوية المباحة ، فهذا جائز كما ذكره ابن القيم ، وعلى هذا يحمل ما رواه البخاري عن قتادة قال : قلت لابن المسيب : رجل به طب ، أو يؤخذ عن امرأته ، أيحل عنه أو ينشر ؟ قال : لا بأس به ، إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم ينه عنه 0 وفي رواية إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع 0 والمراد بالطب هنا السحر ، كني بالطب عن السحر تفاولاً بالطبيب ، ومعنى قوله : أو يؤخذ عن امرأته : أي لا يقدر على وطئها ، بحيث تبطل شهوته إذا قرب منها ، وقوله : لا بأس به ، محمول على الحل بالرقية الشرعية ، والتعوذات والأدوية النافعة على ما ذكره ابن القيم ، ولا يجوز يظن بابن المسيب أنه يبيح الإتيان إلى السحرة لحل السحر ، فإن ذلك حرام ، لما فيه من تشجيعهم وإقرارهم على ما هو شرك وكفر ، فأما العلاج بالرقية الشرعية فإنه مباح ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً ) ( حديث صحيح - انظر صحيح الجامع 1048 - السلسلة الصحيحة 1066 ) ، وقال : ( من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه ) ( حديث صحيح - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، أنظر صحيح الجامع 6019 - السلسلة الصحيحة 472 ) وقد ذكرنا في علاج السحر بعض ما نقل عن العلماء في حل السحر بالآيات والأدعية المأثورة ، فإن تأثير السحر إنما هو بواسطة الجن والشياطين ، وما يعمله الساحر من التقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يعينه على عقد السحر أو منع الرجل من امرأته ، فمتى عولج بكلام الله تعالى ودعائه ، بطل عمل الشيطان ، ولكن ذلك يستدعي كون القارئ من أهل الصلاح والاستقامة ، والبعد عن المعاصي وعن أكل الحرام ، وقد اشتهر عن بعض العلماء المصلحين تأثيرهم في المرضى بإذن الله ، وأن ذلك بسبب اقتصارهم على أكل الحلال ، وهكذا أيضاً لا بد في المريض من كونه مسلماً مخلصاً موحداً مطيعاً لله تعالى ، فإن الله قد ذكر أن القرآن : ( 000 شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) ( سورة الإسراء – الآية 82 ) وحيث أن الكثير من الناس لا يستفيدون من الرقية ، فإن من أسباب ذلك ضعف إيمانهم وعدم اهتمامهم بحق الله وانهماكهم في المعاصي وامتلاء بيوتهم من الملاهي وما يحبه الشيطان وتنفر منه الملائكة من الصور والأفلام الخليعة ونحوها ؛ وهكذا لا بد في تأثير الرقية من أن يكون المريض متعلقاً بالله تعالى ، ثم بالرقية الشرعية معتقداً أنها الشفاء النافع ولا يجعل ذلك مجرد تجربة فيفعل ذلك على وجه التجربة كما يفعله كثير من الناس ، فإن هذا الشك في نفع القرآن تكذيب لخبر الله ، فلا يستفيد منه من توقف في تأثيره ، ولم يجزم بأنه كلام الله ، وأنه شفاء من كل داء ، والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين للمشعوذين والسحرة – ص 496 ، 500 ) 0

وقد سئل فضيلته عن رجل مسحور يسأل العلاج عند السحرة والمشعوذين ، حيث أن هناك من نصحه بذلك ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( لا يجوز الذهاب إلى السحرة سواء لعقد السحر أو لحله ، لأن ذلك إقرار لهم على أعمالهم الشركية ، فإن السحر من عمل الشيطان والنشرة التي هي حل السحر بسحر مثله ( هي من عمل الشيطان ) كما ورد ذلك في حديث مرفوع ، حيث أن الساحر يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يبطل عمله عن المسحور ، أو يخدمه حتى يخبره بالعمل الذي عمل له ، فعلى هذا نكون قد أقررنا وشجعناه ونحن نعلم أنه مشرك ، وأن حده القتل كما ورد في الحديث ( حد الساحر ضربة بالسيف ) ( حديث ضعيف - أنظر ضعيف الجامع 2698 - سلسلة الأحاديث الضعيفة 1446 ) ، ولكن هناك علاج نافع وهو الرقية الشرعية والأدوية المتاحة فإنها تبطل هذا العمل بشروط يعرفها القراء لا بد من وجودها في الراقي وفي نفس الرقية وفي المرقي منها والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – ص 500 ، 501 ) 0

وسئل أيضاً أنه قد جاء في الأثر " لا يحل السحر إلا ساحر " فما هو المقصود من ذلك ؟ وهل يستدل بهذا الأثر على جواز العلاج عند السحرة والمشعوذين ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( هذا الأثر مروي عن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – ذكره في فتح المجيد ، وذكر أن الساحر كافر وأنه يجب قتله ، وأورد حديث جندب مرفوعاً ( حد الساحر ضربة بالسيف ) وأن عمر كتب إلى بجادة أن ( اقتلوا كل ساحر وساحرة ) وأن حفصة ( أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت ) وصح قتله عن جندب وبعد أن ذكر حكمه ذكر في باب النشرة حديث ( هي من عمل الشيطان ) وقول الحسن لا يحل إلا ساحر ومعناه أن الذي يحل السحر بسحر مثله هو ساحر والساحر كافر فيجب قتله ، ولا يجوز إقراره مع العلم أنه ساحر ، بل يلزم ضربه بالسيف لكفره وإذا عرف ذلك فكيف يستدل بهذا الأثر على إقرار الساحر وإتيانه وطلب عمل السحر منه بحل سحر موجود ، وإنما يجوز حل السحر بالقراءة والأذكار والأوراد والأدوية النافعة والأدعية المأثورة كما ذكر ذلك في فتح المجيد والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – 501 ، 502 ) 0

سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - عن حكم حل السحر بسحر مثله فأجاب قائلا :

( أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز ، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح ، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تداووا ولا تداووا بحرام ) 0
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : ( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ، ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به ، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة هذا الذي يجوز حل السحر به ) ( المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان – 2 / 132 ، 133 ) 0

وسئل - حفظه الله - عن حكم الاستعانة بالسحرة لقضاء بعض الحوائج من غير مضرة الآخرين 0

فأجاب : السحر محرم وكفر ، تعلمه وتعليمه ، قال تعالى : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000) إلى قوله تعالى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) 0
ولا يجوز استعمال السحر لقضاء بعض الحوائج ، لأنه محرم وكفر ، والمحرم والكفر لا يجوز للمسلم أن يستعمله ، بل يجب إنكاره ، والقضاء عليه ، ويجب قتل الساحر وإراحة المسلمين من شره ، ولا يستعان على قضاء الحوائج بالأمور المحرمة ) ( السحر والشعوذة – ص 47 ) 0

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عن حكم النشرة 0

فأجاب : حل السحر عن المسحور ( النشرة ) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة ، فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة ، بل ربما تكون مطلوبة لأنها مصلحة بلا مضرة 0
القسم الثاني : إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله ؛ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : فمن العلماء من أجازه للضرورة 0
ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال : ( هي من عمل الشيطان ) وإسناده جيد رواه أبو داوود 0 وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرما وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فإني فَإِنِّي فإنى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِى إِذَا دَعَانِ ) ويقول الله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ) والله الموفق ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 1 / 238 ، 239 ) 0

يقول فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان : ( وأمّا زعم بعض الناس بأن هذا سبب – يعني النشرة – فهذا غلط لأنّ هذا السبب غير شرعي ومخالف للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند أبي داود بسند حسن من طريق عقيل ابن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة ، فقال : ( هي من عمل الشيطان ) 0
والنشرة حل السحر عن المسحور ، فإذا كان حله عن طريق السحر فالحديث صريح بالمنع وبالله العجب كيف يجوز حل السحر عند السحرة وقد أجمع الصحابة – رضي الله عنهم – على قتلهم ، فالمسلم مأمور بقتل السحرة ولم يؤذن له بالتداوي عندهم ، وأما إن كان حل السحر عن طريق الرّقى الشرعية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والأدوية المعروفة فهذا مشروع ) ( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 هـ - ص 2 ، 3 ) 0

سئل الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عن حكم التوجه للكهنة والسحرة من باب الاضطرار ، حيث أن الضرورات تبيح المحرمات ؟

فأجاب – حفظه الله - : ( الرجوع إلى السحرة والكهان والدجاجلة والمشعوذين كفر بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعريض لإيمان العبد بالخلل والبعد عن الله تعالى 0 ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نهانا عن الركون والرجوع إلى الكهان كان يبلغ بذلك أمر الله ، والله سبحانه وتعالى لا ينهانا عن شيء إلا ويفتح لنا أبواب الخير والصلاح بما هو خير وأفضل مما أمرنا باجتنابه فقد نهانا عن الرجوع إلى الكهنة والسحرة وأعطانا أسباب الوقاية منهم ومن شرورهم بالتعوذ به سبحانه من وساوسهم وهمزاتهم وأسباب إضرارهم فليس في الرجوع إليهم ضرورة ، بل في ذلك إشعار لهم بمكانتهم وقدرتهم ومدى تسلطهم 0 وعلاج ذلك في الإيمان بالله ربا وإلها ونافعا ومعطيا وشافيا ، لا خير إلا خيره ولا فضل إلا فضله وذلك كله بقضائه وتدبيره 0 لو اجتمع الثقلان على أن ينفعوا شخصا لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ، ولو اجتمعوا على أن يضروا شخصا لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ) ( مجلة الأسرة - صفحة 38 - العدد 69 ذو القعدة 1419 هـ ) 0

يقول الدكتور علي بن نفيع العلياني : ( ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه : أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله 0 وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وحفصة بنت عمر وعبدالله بن عمر وجندب بن عبدالله وروي ذلك مرفوعا عنه ( مجموع الفتاوى 29 - 384 ) وعلى هذا فالرقية السحرية محرمة ، ولا يجوز لمسلم أن يأتي لساحر لكي يرقيه ، وذلك لما يأتي :
أولا :- لو كان يجوز للمسلم أن يذهب للسحرة التماسا للتداوي برقية أو نحوها لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل الساحر ، وفيه منفعة للناس ، وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( حد الساحر ضربة بالسيف ) 0
ثانيا :- إن الله قد بين في سورة البقرة بأن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم 0 هذا لفظ عام يبين أن السحر ليس فيه نفع بوجه من الوجوه ، ولو كان فيه دواء ونحو ذلك ، لكان فيه فائدة ونفع ، وهذا مخالف لنص القرآن الكريم ) ( الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة – بتصرف – ص 62 ) 0

يقول الدكتور عمر يوسف حمزة : ( فالمعالجة بالمحرمات قبيحة : عقلاً وشرعاً 0 أما الشرع ، فما ذكرنا : من هذه الأحاديث وغيرها 0
وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه 0 وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله 0 فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ؛ فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب ، بقوة الخبث الذي فيه 0 فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن ، بسقم القلب ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء - 54 ، 55 ) 0

يقول الدكتور عبدالسلام السكري : ( والذي يترجح في ظني إجازة حل السحر بآيات من القرآن الكريم أو الدعوات المأثورة عن رسول الله أو الكلام العربي المفهوم والمشروع في نفس الوقت 0 أما حله بسحر مثله فلا بد للذي يقوم بهذا العمل أن يرتكب أموراً أقل ما يقال فيها إنها من أكبر المعاصي وأشد الكبائر والضرر لا يزال بمثله ، وإلا فما الفائدة من هذا العمل ؟ هذا ما رأينا إثباته والله تعالى وحده أعلم بالصواب ) ( السحر بين الحقيقة والوهم في التصور الإسلامي – ص 262 ) 0

يقول الأستاذ الصادق بن الحاج التوم : ( وهذا النوع – يعني النشرة – لا يشك أحد في تحريمه ؛ لأنه كفر وشرك بالله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هي من عمل الشيطان ) 0 وهو لا يزيد المريض إلا سوءاً ؛ لأن الساحر خبيث ، والخبيث يهمه ضرر الناس لا صلاحهم ، فلا يمكن أن يفك الساحر سحر أخيه ، لأنهم في الجريمة سواء ، ولكن قد يسكنه ليتوهم المريض أنه شفي فيقوم بالوفاء بما نذر للشيطان من قرابين ، ثم يعاوده مرة ثانية ) ( الإيضاح المبين لكشف حيل السحرة والمشعوذين – ص 42 ، 43 ) 0

وقد وقع بين يدي كتاب قرأت فيه كلاما جميلا يرد فيه على بعض من أجاز الاستعانة بالساحر لإبطال سحر أصابه ، حيث يقول الأستاذ جمال عبد الباري :

( وهناك بعض العبارات أو الكلمات التي أتعرض لها في ثنايا الدراسة ، وأستشعر فيها خطورة فأتناولها بما تستحقه من الإيضاح لأنها في غاية الخطورة على عقيدة المسلم ، منها ما ذكره أحد الكتاب حيث كتب ما يلي :
( هل يجوز أن يستعين المسحور بالساحر ليخلصه من السحر ؟ سواء كان هذا السحر : إيذاء عضويا يلحق بالإنسان " كالربط " مثلا ، أو إيذاء نفسيا يلحق به معنويا ، ولا يستطيع دفعه 00 يقول الإمام البخاري يجوز الاستعانة بهذا على ذلك 00
وعند سعيد بن المسيب والإمام الشعبي جواز هذا 00 فيجوز أن تستعين بمن صنع السحر لك أن يخلصك منه 00 أو تستعين بغيره 00 وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض 00 والبادي بالشر أظلم 00 فإذا استعنت بقوي على قوي ، فلا لوم عليك 0 وإذا استعنت برب القوة فذلك خير لك 000 )
إلى هنا ينتهي كلام الكاتب ، وهو كلام يستوجب توبة من كاتبه ، فلا الإمام البخاري ذكر هذا ولا غيره ، ولذلك فإن المؤلف لم يذكر مصدر هذه الفتوى 0
أما ما جاء في صحيح البخاري في باب "هل يستخرج السحر ؟" :
( وقال قتادة قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر ؟ قال : لا بأس إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ، أنظر فتح الباري - 10 / 232 ) 0
والسؤال كما ورد على لسان قتادة لا يحتمل كل ما ذكره الكاتب ، إن قتادة يسأل سعيد بن المسيب عن رجل مسحور أو مربوط هل يفك سحره أم لا ؟ هل يحاول أن يلجأ إلى طرق مشروعة لفك السحر أم يترك الأمر كما هو لأن هذا قضاء الله فيه ؟
وجاءت الإجابة : لا بأس به ، إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم ينه عنه 0 أما أن يبيح اللجوء إلى السحرة فهي عملية في غاية الخطورة لسببين :
الأول : إن ذهاب المسلم للسحرة لفك سحره يعني عجز الإسلام عن أن يقدم حلا لهذه المشكلة 00 وعجز الإسلام يعني نقصان هذا الدين ، والإسلام دين كامل متكامل 00 وإباحة اللجوء إلى السحرة تعني أن قدرة الساحر فوق قدرة الله ، ومعاذ الله أن تداني قدرة المخلوق قدرته 0
إن من يبيح ذلك لم يقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 5939 ) 0
الثاني : هذه الإباحة نوع من الهروب من مواجهة الحقائق 0 كما أنها تحمل صاحبها آثاما وذنوبا لا قبل له بها 00 لأنه لو علم ما يدور عند السحرة من زنا وشرب خمر وكذب وافتراء ما نطق لسانه بهذا الكلام 0
لو علم أنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لو علم ذلك لراجع ما يكتبه مرات ومرات ، وعرضه على أحاديث سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم 0
يقول صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له أو تسحر أو تسحر له ) ( حديث صحيح - أنظر صحيح الجامع 5435 - السلسلة الصحيحة 2195 ) إنه أمر في غاية الخطورة ، ولذلك يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بقوله : " ليس منا " ففك السحر باللجوء إلى السحرة هو نوع آخر من السحر ، والحرمة تقع على من ذهب إلى الساحر ، وعلى من أرسله وعلى من أباح له أن يفعل ذلك ، وبالطبع على الساحر أيضا 0
ولذلك بدأوا يشيعون في الناس فرية تكاد السماوات يتفطرن منها وتخر الجبال هدا - إذ يزعمون أن القرآن لا يفك السحر ، أو لا يصلح لفك كل ألوان السحر ، وكذبا قالوا ، وكفرا نطقوا 0
فما أدراهم ما القرآن ؟
إنه كلام رب العالمين ، كلام من يقول للشيء كن فيكون ، إن التشكيك فيه هو تشكيك في قدرة الله سبحانه وتعالى 0
إنها عبارة أطلقها شيطان مارد ، وتلقفتها ألسنة الجهلاء ورددوها دون وعي أو فهم 00 ونقول لهؤلاء وأولئك :
إن لم يكن القرآن قادرا على فك السحر ، فأي كتاب يمكن أن يفك السحر إذن ؟!
إن لم يكن القرآن قادرا على شفاء المرضى ، فأي كتاب يمكن أن يشفيهم ؟!
إن لم يكن النور قادرا على أن يمحو دياجير الظلام ، فأي بصيص يمكن أن يمحوها ؟
إن الذين يظنون ذلك ليسوا من أهل القرآن ، ولا يعرفون عنه أي شيء ، هذا الكتاب المعجز الذي يقول عنه ربنا تبارك وتعالى : " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ " سورة الحشر – الآية 21 " ) ( البديل الإسلامي لفك السحر – بتصرف 40 ، 43 ) 0

تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة في الرد على من أجاز حل السحر بسحر مثله

( أولاً : ما ورد عن سعيد بن المسيب من جواز قصد الساحر لحل السحر ، لا يظن به أن يفتي بذلك ، وحاشاه منه ، لأنه لا إصلاح في السحر بل كله فساد وكفر ، وكيف يقصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليحل السحر ! 0
ثانياً : قول الإمام أحمد : لا أدري ما هذا ، صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه ، وكيف يجيز قصد الساحر لحل السحر وهو الذي روى حديث : ( إنها من عمل الشيطان ) ، ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركاً بين الجائزة والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان وحاشاه من ذلك 0
وعلى فرض التسليم بأنه يرى لا بأس بحل السحر على يد الساحر فالعبرة روايته لا رأيه 0
ثالثاً : إن حل السحر لا يلزم أن يكون بسحر لأنه قد ينحل بالرقى والأدعية والتعويذات ، لأن الشرع أذن بالمعالجة بالمباح ونهى عن التداوي بالمحرم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 193 ، 194 ) 0

وتقول أيضاً : ( ويظهر لي أن قول المانعين لحل السحر بمثله أولى بالاعتبار وذلك للأسباب الآتية :
1)- إن في كتاب الله تعالى الشفاء التام 0
2)- إن تحريم السحر يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل الطرق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع 0
3)- إن شأن العالم بالسحر الطبع على الإفساد والإضرار به ، فلو فتحنا الباب لحل السحر على أيدي السحرة ، لدفع ذلك كثير من السحرة الفجرة إلى تعمد سحر الناس ليضطروهم بذلك إلى سؤالهم حله ، فيتوصلوا أكل أموال الناس بالباطل ، فيستحوذوا على أموالهم ودينهم ، ففطم الناس عن ذلك أولى 0
4)- لا نقول إن الذهاب إلى الساحر لحل السحر من الضرورة التي تبيح قصده لأن الله تعالى أمرنا باللجوء إليه في كل الأحوال ولم يكلنا إلى غيره ، فكيف نفر إلى الناس من رب الناس ، وليكن معلوماً لدينا أن الاستشفاء بالقرآن يستدعي قبول وقوة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل ، أو لمانع قوي يمنع أن ينجع فيه الدواء 0
ولهذه الأسباب كان القول بعدم جواز قصد الساحر لحل السحر بمثله أولى بالاعتبار 000 والله أعلم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 193 ، 194 ) 0

وحول كلام قتادة عن سعيد بن المسيب آنف الذكر ، فقد وردت عن بعض العلماء ألفاظ يفهم منها جواز سؤال الساحر حل السحر عن المسحور ويفهم من بعضها منع النشرة ، وأستعرض فيما يلي بعض تلك الأقوال وبيان المحمل الصحيح الذي يحمل عليه كلامهم والقول الراجح في ذلك :

* عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان الرجل به سحر أن يمشي إلى من يطلق ذلك عنه قال : وهو صلاح قال : وكان الحسن يكره ذلك ويقول : لا يعلم ذلك إلا ساحر قال : فقال سعيد بن المسيب : لا بأس بالنشرة إنما نهي عما يضر ولم ينه عما ينفع 0 ( هذا الأثر جاء معلقا عند البخاري في كتاب الطب - باب هل يستخرج السحر - قال قتادة : قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب - أو يؤخذ عن امرأته - أيحل عنه أو ينشر قال : لا بأس إنما يريدون به الإصلاح 0 فأما ما ينفع فلم ينه عنه ) ( فتح الباري - 10 / 232 ) 0

قال الحافظ بن حجر : ( أما ما ورد في المتن فهو موصول من رواية يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد أخرجه الطبري في تهذيب الآثار ) ( انظر : تغليق التعليق لابن حجر وقال : إسناده صحيح 0 وانظر فتح الباري ، والتمهيد لابن عبدالبر بطريق آخر من رواية هشام عن قتادة ) 0

وقال - رحمه الله - : ( وأما ما جاء عن الحسن من الحصر في حل السحر حيث قال : لا يعلم ذلك إلا ساحر فهو ليس على ظاهره لأنه قد يحل السحر بالرقى والأدعية والتعويذ ) ( فتح الباري – 10 / 233 ) 0

روى ابن أبي شيبة في مصنفه : ( عن عطاء أنه كان لا يرى بأساً أن يأتي المؤخذُ عن أهله والمسحور من يُطلق عنه 0
وعن عطاء الخراساني أنه سئل عن المؤخذ عن أهله والمسحور نأتي نطلق عنه ؟ قال : لا بأس بذلك إذا اضطر إليه ) ( مصنف ابن أبي شيبة – 5 / 41 ) 0

قال ابن قدامة : ( وروي عن سعيد بن المسيب ، في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه ، فقال : إنما نهى الله عما يضر ، ولم ينه عما يضر ، ولم ينه عما ينفع ، وقال أيضاً : إن استطعت أن تنفع أخاك فافعل ) ( المغني – 8 / 154 ، 155 ) 0

وقال – رحمه الله - : ( وأما ما جاء عن الإمام أحمد عندما سئل عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : قد رخص فيه بعض الناس 0
فهذا محمول على النشرة المشروعة ، ومن حمله على النشرة السحرية فقد غلط بدليل أن الإمام أحمد عندما سئل عمن يطلق السحر عن المسحور فقال : قد رخص فيه بعض الناس 0 فقيل له إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه ؟ فنفض يده وقال : لا أدري ما هذا ؟ قيل له : أفترى أن يؤتى مثل هذا ؟ قال : لا أدري ما هذا ؟ وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه 0 وكيف يجيزه ؟ وهو الذي روى الحديث " إنها من عمل الشيطان " ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركا بين الجائزة والممنوعة ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان ، وحاشاه من ذلك ) ( الكافي – 4 / 166 – المغني – 8 / 156 ، 157 ) 0

قال الشيخ سليمان بن عبدالله - رحمه الله - معقبا على الكلام آنف الذكر : ( فهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أو لا ؟ فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر ، فلا يظن به ذلك ، حاشاه منه ويدل على ذلك قوله : إنما يريدون به الإصلاح ، فأي صلاح في السحر ؟ بل كله فساد وكفر والله أعلم ) ( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد – ص 418 ) 0

وقال ابن القيم – رحمه الله – في تعقيبه على ذلك : ( ولو صح عنه أنه أراد بذلك حل السحر بسحر مثله فهو اجتهاد منه لا يوافق عليه لمخالفته للنص في تحريم الذهاب إلى الكهان وأضرابهم ، أما ما جاء عن الحسن من كراهية النشرة فهذا يحمل على النشرة الجاهلية التي هي من عمل الشيطان ) ( أعلام الموقعين – 4 / 396 ) 0

قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( النشرة : إطلاق السحر عن المسحور ولا يكاد يقدر على ذلك إلا من يعرف السحر ، ومع هذا فلا بأس بذلك ) ( النهاية في غريب الحديث – 2 / 408 ) 0

قال البيهقي : ( إن رقى بما لا يعرف ، أو على ما كان من أمر الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز ، وإن بكتاب الله ، أو بما يعرف من ذكر الله متبركاً به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به 0
ثم قال : والقول فيما يكره من النشرة وما لا يكره كالقول في الرقية ) ( السنن الكبرى – 9 / 351 ) 0

قال صاحبا كتاب " السحر والسحرة " : ( ويمكن الجمع بين تلك الأقوال بأن تحمل النشرة التي من عمل الشيطان على التي فيها كفر أو شرك أو لا تعرف ، أما النشرة والرقية بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالكلام الطيب المعروف ، ونحوها من المباحات فلا شيء فيه ، ولا شك أن السحر داء من الأدواء ، وعلاجه بالنشرة الحلال لا شيء فيه 0
إذن فالقول الصحيح أن الرقية بكتاب الله أو بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو بكلام طيب معروف جائزة ولا شيء فيها ) ( السحر والسحرة – باختصار – 98 ، 99 ) 0

خلاصة بحث المسألة :

بعد استعراض أقوال أهل العلم في النشرة يتضح جليا أن النشرة بمفهومها العام - وهو حل السحر بسحر مثله - لا تجوز مطلقا ، حتى لو صدرت من بعض رجالات أهل العلم قديما وحديثا لأن كلام الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء ، والأدلة النقلية الصريحة جاءت لتؤكد ذلك بقوة دون أن تدع مجالا لأحد أن يدلو بدلوه في هذا الموضوع الخطير ، ويكفي أن طرق أوكار السحرة والمشعوذين فيه مخالفة صريحة لعقيدة المسلم أولا ، ولما يترتب عليها من مفسدة عظيمة على الأمة الإسلامية ثانيا ، وفتح هذا الباب يعني الترويج للبضاعة العفنة التي يتاجر بها السحرة والكهنة ، ولا بد من تقوى الله سبحانه وتعالى بخصوص هذه المسألة ، وإرشاد العامة وتوجيههم بتوجيهات الشريعة ، وتعليمهم مدى خطورة انتهاج ذلك وآثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع ، وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية التي وضعت قضية السحر في حجمها الطبيعي ، وتناولتها بما تستحقه من الإيضاح والتبصير 00 تعريفا وتأثيراً وتشخيصاً ووقاية ، وتعرضت له من جانب العرض وجانب الطلب ، فحاربت السحرة ، وجعلت حد الساحر القتل ، كما هو الراجح من أقوال أهل العلم ، وعلى ذلك فلا بد من إدراك أن الاستشفاء لا يكون بالمحرم ، إنما باتخاذ الأسباب والوسائل الشرعية والحسية المتاحة لذلك 0

وقد دلت النصوص الصريحة الواضحة على هذا المفهوم ، وأن الاستشفاء لا يكون بالمحرم كالخمر وغيره ، قال ابن القيم - رحمه الله - :

( المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فأدلة السنة تؤكد ذلك ، وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) ( سورة النساء – الآية 160 ) ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب 0
وأيضا فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع ، وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء 0
وأيضا فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا ، فإذا كانت كيفيته خبيثة ، اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ؟! ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته 0
وأيضا فإن في إباحة التداوي به ، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة ، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها ، فهذا أحب شيء إليها ، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن ، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله ، وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضا وتعارضا 0
وأيضا فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء ، ولنفرض الكلام في أم الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط ، فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز العقل عند الأطباء وكثير من الفقهاء والمتكلمين 0
وها هنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها ، فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول ، واعتقاد منفعته ، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حل ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها ، وبين حسن ظنه بها ، وتلقي طبعه لها بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا ، كان أكره لها وأسوأ اعتقادا فيها ، وطبعه أكره شيء لها ، فإذا تناولها في هذه الحال ، كانت داء له لا دواء إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها ، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء ، والله أعلم ) ( الطب النبوي – بتصرف – 156 ، 158 ) 0

قلت : إن خطورة الذهاب للسحرة والمشعوذين أعم وأشمل من ذلك بكثير ، واقتراف هذا الأمر بحد ذاته يعتبر كفرا بواحا بالله عز وجل 0
وشفاء المسحور لا يمكن أن يكون بسحر مثله ، وحصول مثل ذلك الأمر بالنسبة للسحرة يعني إحداث تضاد وتنافر فيما يقومون به من عمل دنيء ، فتكسد بضاعتهم وتبور تجارتهم ، ومن أجل ذلك فقد يلجأون لأسلوب خبيث في التعامل مع الحالات المرضية ، حيث يمنعون السحر لفترة مؤقتة بإرادة الله سبحانه وتعالى ، فتنة لهم ، وإمعانا لهم في طغيانهم وكفرهم ، ويعود الأمر إلى سابق عهده ، ليعود المسكين ويدفع دينه وماله تسديدا لذلك ، ولا يعتبر هذا الكلام جزافا إنما من واقع التجربة التي يعيشها الناس والقصص والشواهد كثيرة على ذلك ، أعاذنا الله وإياكم من شرورهم ورد كيدهم إلى نحورهم 0

وفي العصر الحاضر يصبح الأمر أشد وأخطر للأسباب التالية :

1)- لقد عاث السحرة الفساد في الأرض ، وأصبحوا كثرة لعدم ملاحقتهم وتطبيق الحدود الشرعية ضدهم ، وإنفاذ القصاص الشرعي العادل بحقهم ، إلا في بلاد قلة حباها الله بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وفتح هذا الباب يقودهم لفعل أعمالهم الخبيثة والدنيئة ، لكي تطرق الناس أبوابهم وتطلب العلاج على أيديهم 0

2)- عامة الناس في هذا الزمان ليسوا بحاجة لتلك الفتاوى فهم معتادون على ارتياد أوكار السحرة بعذر وبغير عذر 0

3)- البعد عن الدين عند كثير من الناس ، وطرح ذلك الأمر ونشره بينهم يشجعهم على الذهاب إلى الكفر بأيديهم وتساهل هذا الخطر العظيم 0

4)- المفسدة العظيمة المترتبة عن ذلك ، بإضاعة المال ، وهتك العرض والشرف ، وزرع الأحقاد والضغائن بين الناس وتدمير الأسر والمجتمعات الإسلامية 0

ويتذرع البعض بأمور واهية للذهاب إلى السحرة والمشعوذين والعرافين ، فمنهم من يدعي المراجعة بسبب رفع المعاناة والألم له ولذويه وأرحامه ، والآخر يدعي بأن العلاج لدى هؤلاء المهرطقين أسرع وأنفع ، ومنهم من يدعي إما جهلا أو تجاهلا بأن هؤلاء يمتلكون من الكرامات ما تحقق لهم شفاء الآخرين ونحو ذلك من أقوال معسولة ، وكل ذلك يتحطم أمام قوة النصوص القرآنية والحديثية وأقوال أهل العلم الزاجرة الرادعة لتلك الفئة الباغية وآثارها المدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، وأنقل في ذلك كلاما جميلا للدكتور الفاضل ( فهد بن ضويان السحيمي ) عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، حيث يقول :

( من تأمل الوعيد الشديد فيمن ذهب إلى الكهان علم قطعا أن الشرع لا ينهى إلا عن شيء فيه مضرة ، فذلك الوعيد فيمن ذهب إليهم فما بالك إذا بحال الكهان وأضرابهم 0
ولكن الفطر إذا انقلبت وحادت عن الجادة السوية رأت الأمور على عكس وجهتها الصحيحة وعلى غير مرادها في الشرع 0 حتى سمي هؤلاء الأشرار بأولياء الله ، لما يجري على أيدي بعضهم من الخوارق الشيطانية في شفاء بعض المصروعين والمسحورين 0
والحق أن هؤلاء أولياء للشيطان ، لأن أولياء الله عز وجل يعتبرون بصفاتهم ، وأحوالهم ، وأفعالهم ، التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من خوارق العادات أنه ولي لله لأن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار المشركين ، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين 0
وقد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة بل يكون ملابسا للنجاسات ، رائحته خبيثة ، لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف ، فالفرق بين كرامات أولياء الله وخوارق أولياء الشيطان واضح جلي وهو : أن كرامات أولياء الله لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى 0
أما ما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله لأن ذلك يحصل بالأمور التي فيها شرك كالاستغاثة بالمخلوقات من الجن وغيرهم فيما لا يقدر عليه إلا الله 0 أو بالفسق والعصيان وفعل المحرمات وهذا هو حال الكهان وأمثالهم ممن انتحل الشرك والكذب مطية لتحقيق رغباته الدنيوية ، أما ما يحصل على أيديهم من شفاء بعض المصروعين وغيرهم ممن يذهب إليهم فقد سبق أن ذكرت أن الأسباب في حصول المقاصد منها ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع فالأسباب المحرمة قد يتوصل بها لنيل بعض الأغراض ولكن ذلك لا يدل على صحتها ، ومن أهم الأسباب المحرمة الاستعانة بالجن في شفاء المصروع مثلا 0 واعلم أنهم لا يعينون من طلب ذلك منهم إلا بعمل مذموم تحبه الشياطين ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 187 ، 188 ) 0

ويقول أيضا : ( ومع هذا الشرك الواضح فكثيرا ما يعود مرتادو الكهان وأضرابهم بخفي حنين بعد ما ابتزت أموالهم وفسدت عقيدتهم وذلك نتيجة لعجز الكهان عن بعض الجن ولكثرة الكذب الذي هو الصفة الظاهرة عند هؤلاء ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 189 ) 0

ذلك ما تيسر لي في طرح هذه المسألة التي ينبغي أن يوليها العلماء وطلبة العلم والدعاة حيزاً مهماً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، ولا بد أن يعلم الجميع أن طرق أبواب السحرة والمشعوذين كفر مخرج من الملة ، وفيه خطر عظيم وآفة مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم ، ولا يجوز مطلقاً التذرع ببعض فتاوى أو أقوال علماء أجلاء في تمرير هذا العمل الخبيب ، وقد تبين لاحقاً ومما ذكر آنفاً أن الأمر جِدُّ خطير ، فنسأل الله سبحانه وتعالى باسمه الأعظم الذي ما أن دعي به أجاب أن يحفظ سائر بلاد المسلمين من السحرة وشرورهم ، وأن يرد كيدهم إلى نحورهم ، إنه سميع مجيب الدعاء 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامه بن ياسين المعاني

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 23-04-2005, 09:00 AM   #6
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

وإياكم أختي الفاضلة ( شوووق ) ، مع تمنياتي لك بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 17-05-2005, 07:39 AM   #8
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي

وإياكم أخي الحبيب ( أخوكم في الله ) ، مع تمنياتي لكَ بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 18-05-2005, 10:02 PM   #9
معلومات العضو
جمال_المصرى
عضو موقوف

إحصائية العضو






جمال_المصرى غير متواجد حالياً

 

 
آخـر مواضيعي

 

افتراضي

والله موضيعكم كلها رائعة .
وانا من خلال رحلتي الطويلة مع عالم السحر والسحرة والجن.
لقول لكم ان الجن قبائل وملل متناحرة متصارعة ولو سلمنا ان الساحر يستطيع ان يحل السحر بسحر وهو لا يتم الا من خلال طريقتين اما ان يكون منمن يعمون السحر القديم ويبطل عمل السحر بالقوي السحرية للطلاسم الشيطانية. او يكون معه شيطان قوي او يخدم عزيمة من العزائم التي يسخر بها ابليس لمن تعبد له بها الشياطين أولاده وهم كبارد نيا الشياطين وملوكها ليخرجوا العارض وبعدها يتسبمونه هم واكبر ما يبحثون عنه هو الدماء البشرية لكي يتغذون بها فهي محببة عالم الشياطين والذ مطعوماتهم فتذهب بها للتداوي فتكون النهاية .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 18-05-2005, 10:05 PM   #10
معلومات العضو
جمال_المصرى
عضو موقوف

إحصائية العضو






جمال_المصرى غير متواجد حالياً

 

 
آخـر مواضيعي

 

افتراضي

وانا انصح الاخت ان تاتي بشرح لحالتها وبأذن الله ستجد الحل و.
الله هو الموفق

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 04:34 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com