الإيمان بالقضاء والقدر عقيدة من العقائد الإسلامية، التي أسست على الإيمان بالله عز وجل، وبنيت على المعرفة الصحيحة لذاته تعالى وأسمائه الحسنى، وصفاته العظمى الواجبة له تعالى. فقد جاء فيما يجب الإيمان به أن الله تعالى متصف بالعلم والإرادة والقدرة، وأنه سبحانه فعال لما يريد.
وعلى هذا الأساس قامت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، فكان الإيمان بهما متمما للإيمان بالله تعالى وصفاته، وعنصرا من حقيقته المشرقة.
فعلم الله تعالى أحاط بكل شيء، وحسب علمه كتب كل شيء.
قال تعالى:
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)** (1)
وفي صفحات هذا الكتاب الغيبي الذي يعلم الله وحده حقيقته ومكانه خطت سطور القدر، وكتبت مصاير الأمور، ووضحت نهايتها من شقاوة وسعادة، ولكن أنى لنا علم بذلك؟
فالقدر معناه: إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه وإرادته.
وبعض العلماء عرف كلا منهما بتعريف الآخر، ولا ضرر .. فمرجع القضاء والقدر إذا إلى العلم والإرادة والقدرة كما سبق.
القضاء والقدر
منطقة الجبر
هناك أمور تحدث حسب مشيئة الله تعالى وقدرته، وتنفذ في الناس طوعا أو كرها سواء شعر بها الناس أم لم يشعروا.
فالعقول ومقدار ما يودع فيها من ذكاء أو غباء، والأمزجة وما يلابسها من هدوء أو عنف، والأجسام وما تكون عليه من طول أو قصر. ومن جمال أو قبح، والشخصيات وما تطبع عليه من امتداد أو انكماش، والزمان التي تولد فيه، والمكان الذي تحيا به، والبيئة التي تنشأ في ظلها، والوالدان اللذان تنحدر منهما، والحياة والموت، والسعة والضيق، كل ذلك ومثله لا يد للإنسان فيه، فالقدر هو الذي يوجد ذلك كله.
وغني عن البيان أن شيئا من هذا ليس محل مؤاخذة ولا محاسبة، لأن هذا من الأمور التي لا قبل لنا بها، ولا سبيل لنا إليها، وفي مثلها يساق قوله تعالى:
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)** (1)
والإيمان بهذا النوع من القدر واجب، والأدلة عليه متظاهرة من العقل والنقل، ويلحق به كل ما يصيب الإنسان في نفسه أو ماله أو ولده، من الأمراض والآفات، وجميع المصائب بعد أن يتخذ الإنسان نحوها ما يمكنه
من حيطة ويقوم بما يطلب منه من حذر في حدود أمر الله تعالى وشرعه، فإذا حدثت بعد ذلك مصيبة أيقن أن ما أصابه قضاء وقدر لا مفر منهما، وعليه أن يرضى بهما، ويسلم لله في حكمته، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وفي الحديث الحسن: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللع عليك" (1).
وذلك مأخوذ من قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17)** (2)
ومن هذه العقيدة التي تربى عليها السلف الصلح تنشأ الصفات الحميدة التي تليق بالمؤمن. مثل الشجاعة، والمرؤة، والتوكل، وإباء الضيم، ودفع المهانة والذل بكل قوة، كما تنشأ حالة الاطمئنان والاستقرار والراحة النفسية في قلب المؤمن مهما أحيط بالأخطار، لأنه يحيا في إطار قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)** (3)