من أحكام زيارة القبور في الإسلام
الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
هذه نصيحة لكل مسلم يرجو من الله تعالى سعادة الدنيا والآخرة كتبها ناصح لإخوانه المسلمين سائلاً الله أن ينفع بها.
اعلم أخي المسلم شرح الله صدري وصدرك للإسلام أن زيارة قبور المسلمين وفي مقدمتها قبر نبينا صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وقبور الأئمة والأولياء تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول:
الزيارة الشرعية التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها بقوله: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة)) رواه مسلم، وعَلَّم أصحابه إذا زاروها أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من القوم المؤمنين والمسلمين يغفر الله لنا ولكم اللهم اغفر لهم وارحمهم ولا تفتنا بعدهم، أنتم سلفنا وإنا إن شاء الله بكم لاحقون))، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبي ثم ينصرف. وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون، فتبين أن القصد من الزيارة الشرعية ثلاث أمور:
1- تذكر الموت والدار الآخرة ليقوي المسلم إيمانه واستعداده للقاء ربه سبحانه.
2- الدعاء للميت لأنه ينتفع بدعاء الحي ولو كان الميت أفضل من الزائر كالولي، ولذا شُرعت الصلاة على الميت والدعاء له فيها، لذا صلى الصحابة رضي الله عنهم على النبي صلى الله عليه وسلم وصلوا عليه الصلاة الإبراهيمية التي علمها لهم وسألوا الله أن يجزيه عنهم وعن الإسلام والمسلمين أفضل ما جزى به نبي عن أمته، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)).
3- حصول الأجر للزائر من الله عز وجل بزيارته الشرعية التي دعا فيها لإخوانه المسلمين وحصل له بها إن شاء الله تقوية إيمانه واستعداده لما بعد الموت.
النوع الثاني:
الزيارة البدعية المحرمة التي يأثم فاعلها ولا يؤجر لأنه لم يزر الزيارة الشرعية التي أمر بها رسول الله عليه وسلم وفعلها آل بيته وجميع أصحابه رضي الله عنهم، وإنما زار لكي يدعو لنفسه عند القبور جهلاً منه وظناً خاطئاً أن الدعاء عندها مستجاب، أو زار لكي يتبرك بالقبور أو بصاحب القبر، أو من أجل أن يأخذ من ترابه ليتعالج به، فهذا كله ضلال وإحداث في دين الله تعالى ما ليس منه قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) والمراد بها: البدعة في الدين وهي أن يأتي الإنسان بعبادة قولية أو فعلية من عند نفسه أو تقليداً لغيره ولو كان مخلصاً لله تعالى، لأنه لابد مع الإخلاص إصابة سنة رسول الله لكي ينتفع العبد بشهادته أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تصح عبادة إلا بدليل من القرآن أو من صحيح السنة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيره: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) معنى أمرنا: ديننا. أما أمور الدنيا من الصناعة والزراعة ونحوها فقد قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أدرى بأمور دنياكم)).
النوع الثالث:
الزيارة الشركية المحضة التي حكم الله سبحانه وتعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم على فاعلها رجلاً أم امرأة بالكفر والخلود في النار إذا ماتت ولم يتب إلى الله تعالى ويخلص عبادته له سبحانه ولم يشرك به شيئاً، وهي الزيارة التي يقصد بها الزائر: الاستغاثة بصاحب القبر وطلب المدد منه وتفريج الكربة أو شفاء المريض أو الرزق أو الولد أو رد الغائب، أو ذبح له أو نذر له أو اعتقد فيه أنه ينفع ويضر أو أنه يعلم الغيب أو يدبر الكون وصار يطوف بقبره تعظيماً له كما يطوف الحاج بالكعبة، كل من فعل هذه الشركيات أو شيئاً منها فهو مشرك كافر ولو نطق بالشهادتين وصلى وصام وحج لأن (لا إله إلا الله) لا تنفع قائلها إلا إذا عرف معناها وعمل به بإخلاص العبودية والعبادة لله وحده وفي مقدمة العبادات ما تقدم ذكره.
والأدلة على ذلك كثيرة في القرآن والسنة منها قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] أي ليوحدوني بالعبادة، وقوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] وقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163] وقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] وقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65] ويبين الله سبحانه وتعالى أن الأموات ولو كانوا أنبياء أو أولياء لا يسمعون نداء من يستغيثون بهم ولوا سمعوا ما استجابوا وأنهم يوم القيامة أعداء لهم فيقول سبحانه: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13-14] أما الذين يجيزون ذلك ويقولون إن هذه الأمور توسل إلى الله تعالى بالصالحين وليس بشرك فهم طواغيت وعلماء سوء ومنهم سدنة القبور الذين زينوا للجهال عبادة القبور التي يشرفون عليها ويكذبون عليهم بالمرائي والتجليات الإلهية المزورة لكي ينهبوا منهم الأموال كما فعل أصحاب الكنائس في أوروبا في القرون الوسطى حتى قضت عليهم الثورة الفرنسية، ومن الأدلة على حبوط عبادات عباد القبور وأمثالهم من غلاة الصوفية الذين يعتقدون في مشائخ طرقهم تلك الاعتقادات الشركية وأن نطق هؤلاء بالشهادتين وصلاتهم وصومهم وحجهم لا ينتفعون به عند الله قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88] وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 65، 66].
ولتعلم المسلمة أن الله سبحانه وتعالى حرم عليها زيارة القبور واتِّباع الجنائز لما يحصل لها من الجزع ولما يحصل من افتتان الرجال بها وافتتانها بهم والدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه الترمذي وصححه ابن حبان، ورأى صلى الله عليه وسلم نساءً مع جنازة فقال: (ارجعن وازورات غير مأجورات فإنكم تفتن الحي وتؤذين الميت) وحرم الله سبحانه في القرآن والسنة اختلاط المرأة بالرجال وخلوتها بغير المحرم لها ولو كان أخا الزوج، وحرم مصافحتها له وحرم عليها التبرج في الزينة أمام الرجال وإخراجها مفاتنها أمامهم وجاء الوعيد بلعنها وحرمانها من الجنة، فاحذري يا أمة الله عذاب الله وغضبه وتقربي إليه بطاعته ففي الحديث: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت بعلها وحفظت فرجها فلتدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاءت) فاحذري يا أمة الله أن تغتري بخداع شياطين الإنس والجن فتهلكي مع الهالكين واستعدي للقاء الله تعالى بتوبة نصوح فإن الله يقبل التائبين.
وعسى أن يستيقظ عباد القبور وغلاة الصوفية من غفلتهم وينقذوا أنفسهم من النار بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، نذكرهم أن الذي أحدث هذا الشرك الأكبر بين الأمة الإسلامية هم رؤساء الدولة الفاطمية التي قامت في مصر والمغرب في القرن الثالث والرابع وأول الخامس الهجري برئاسة بني القداح ومنهم العبيديون الذين ادعى زعماؤهم الأولوهية وعقيدة الحلول التي بعثها سيدهم الزنديق اليهودي المنافق عبدالله بن سبأ في عهد الخليفتين عثمان وعلي رضي الله عنهما وسعى في تفريق المسلمين بدعوى التشيع لآل البيت وادعى الأولوهية للإمام علي وتبعه ورثته الزنادقة بنوا القداح وهم يهود جاؤا من اليمن وتسموا بالفاطميين زوراً تغطية لمخططهم الجهنمي لهدم الإسلام فأحدثوا الأضرحة وبنوا المساجد على القبور ودعوا الجهال إلى عبادة الأولياء باسم التوسل بهم إلى الله وأحدثوا بدعة عيد المولد التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرها من البدع، ولكن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فأسقط دولتهم فتفرقت فلولهم في الشام واليمن وإيران وغيرها ولا يزالون يظهرون الإسلام وحقيقتهم الكفر المحض.
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يدمر أعداء الدين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
منقول من موقع الألوكة