الفصل الثاني : آيات الله في خلق الانسان
تدرجاً من الفصل الأول يوجه الشيخ كلامه للبشر مؤمنين وكافرين قائلاً أن الله أظهر لنا أدلة وجوده بالعقل أى بشهادة الربوبية كما سبق وبين من أمثلة فى الخلق وثبات القوانين واختلال الأسباب أو نتائج الأسباب وكذب أى ادعاء - بالدليل العقلى والعلمى - غير أن الكون بدأ من عدم و ثبت إمتناع التسلسل فى العلل وتمامها عقلاً فأثبت الله بشهادة ربوبيته أنه خالق هذا الكون ومدبره ..
أدلة وجود الله فى طبيعة النفس البشرية :
مقياس الخير والشر :
وضعه الله بعطاء الربوبية فى كل نفس بشرية كيف؟!
فألهمها فجورها وتقواها
من ذلك انسجام النفس مع ما أحله الله واستنكارها ونفورها مما حرّم - ولو كانت كافرة - ويظهر ذلك جلياً فى علاقة الرجل بالمرأة فلو كانت بصورة محرمة ينفر منها الشخص مهما كان فجره أو يصل به الأمر إلى شىء أخطر وهو - احتقار الذات وقيمة النفس - فلا يشعر بأى قلق أثناء الحرام مثله مثل أى حيوان وهذا أخطر ممن يتسبب لهم الزنا أو العادة السرية أمراض نفسية واكتئاب وغيره ومن عظمة الله ولو أن فاعل المعاصى غير مقتنع حتى بأنه على ذنب تنزل به عقوبة المعاصى تأكيداً على أن الله ماحرّم إلا شراً ومن ذلك كما ذكرنا الأمراض ، تحقير الذات ، الفشل ، السفاهة ، والعجز ، والبلاهة وضياع الكرامة وعزة النفس والتفاؤل والراحة وغيره مما هو مشاهد وثابت .
وضرب الشيخ مثلاً لرجل طلب من آخر أن يختلى بابنته فترفض طبيعته البشرية التى فطره الله عليها أو يحدث أى مما سبق والعكس إن كان بينهما زواج يشعر براحة ولا يشعر بنفور أبدا الفرق ليس فى ورقة الزواج بل فى انسجام النفس البشرية مع الحلال واستنكارها للحرام ولاحظنا أن الآثار النفسية دليل نفور النفس ولو بغير شعور صاحبها !
ومثل ذلك : السرقة والإنفعال الداخلى الرهيب للسارق وخوفه ومثله المرتشى نفور واستكار نفسى للحرام بالفطرة..
وهكذا تنسجم النفس مع كل مقاييس الخير وتنفر من كل مقاييس الشر والحرام ; وكيف هذا للمؤمن والكافر على حد سواء ؟ الجواب فى قول الله تعالى : واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين
سبحان الله
عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين :
عين اليقين كأن أقول أنى أرى الصفحة التى أكتب فيها الآن أو أرى الشمس .
علم اليقين كأن أؤمن بما يقوله الشخص الثقة فلان - وفيه الإيمان بغيب أخبرنا به نبى - وفيه الإيمان بوجود غيب بسبب آثاره .
حق اليقين كأن أقول أنى أكتب الآن .
المقصود أن الإيمان والتصديق لا يلزمه الرؤية حتماً .
الروح :
غيب لا يعرف أحد شكله , مكانه , ماهيته ولا ينكرها أحد وأكبر العلماء الماديين يؤمنون بها يقيناً وأنه لا جسد ميت به روح .
كيف آمن هؤلاء معنا بالروح > بآثار الروح من حياة وحركة ونفخها فى وقت بذاته دون غيره فى الجنين ، إلخ ، وبالأدلة العقلية على وجود الروح (1)
وإن كانت آثار الروح والأدلة العقلية على وجودها تجعلنا نؤمن بها كغيب فبالمثل نؤمن بالله بدون أن نراه ولكن نرى أدلة وجوده وآثار قدرته ، وكماله.
قدرات الانسان :
يظهر عجز الإنسان وقدرة الله فى هذا الجسد الفانى ,
فالقلب فى جسد الإنسان ولكن الله وحده من يجعله يعمل ويقلل نبضاته وقت النوم أو يجعله يتوقف ولا يملك الإنسان من أمره شيئا وكذا المعدة بما فيها من تفاعلات والدم وتصدى كراته البيضاء للميكروبات وغير ذلك من عمليات لا يملك الإنسان ترتيبها ولا التخلى عنها ولا التحكم فيها ! بل كلها مسخرة لعملها وإلا سيجلس كل منّا مستيقظاً لترتيب عمل قلبه وكرات دمه ومعدته ولو غفل لأصبحت كارثة وخيالاً سيهلك العقل إن انشغل بكل تلك العمليات فسبحان من جعلها مقهورة وسيرها !
حتى الأعضاء التى يتحكم الإنسان فى حركتها فخضوعها له بمشيئة وقدرة الله ولذا نرى من له عين ولا يبصر وله أذن ولا يسمع ومن يتزوج ولا ينجب وهكذا ليثبت لنا الله أن إختيارنا خاضعا للقدرة الإلهية وإلا لعلمنا حقيقة مايجرى فى جسدنا من انقباض لعضلات وانبساط لأخرى إذا قررنا القيام مثلاً من موضعنا !
لذا فمن يقول أنا حر فى جسدى غير صادق ويفترى على الله أو غير فاهم , وثبت عقلاً ، وشرعاً ، وعلماً وعملاً أنه مقهور فى جسده .
سبحان من أضحك وأبكى :
هبة الله لجميع البشر بجميع ألوانهم وأجناسهم واحدة للجميع وتظهر إن كانت مصطنعة وبالتالى نسمع نكات يضحك عليها الأمريكى حتى الموت ولا نتأثر بها نحن !
، ولا يستطيع أى منّا أن يُضحك نفسه أو يبكيها بشعور صادق بلا تكلف أى ليس لنا إرادة فى الضحك والبكاء وهذا تحدى إلهى ودليل قدرة .
وبذلك يظهر جلياً عجز الإنسان الذى يقول أنا سيد نفسى فأين تلك السيادة والسيطرة على أعضاء جسده فقل لقلبك توقف فهل يسمعك ؟ قل للمرض لن أمرض فهل ستفلح ؟ فحاول الضحك بشعور صادق وبنفس الإنفعال الطبيعى فهل ستضحك بدون سبب يضحكك بإرادة إلهية ؟
كل هذا بيد الله وحده الذى إن شاء نزع الملك ممن شاء فى يوم فيصبح السيد ذليلا ويرفع الله من يشاء .
أفعال الإنسان :
يقول الإنسان أنا سأفعل كذا وكذا ورأينا أنه لا يملك جسده هذا فربما يصيبه فى لحظة ما يمنعه عن المشى أو الكلام ، ورأينا أنه لا يملك الأرض ولا الزمان فقد يحدث أمر ما فى المكان الذى يتوجه إيه يمنعه من الدخول وقد يموت قبل أن يفعل فهو لا يملك الزمان لذا فهو لا يفعل إلا أن يشاء الله خالق القدرة والإرادة ، والمكان ، والزمان ، والفاعل ، والمفعول به وكل شىء .
لذا فنحن لا نملك عناصر الفعل وسبحان من جعلنا مخيرين وغير مجبرين وبالتالى نتحمل نتائج إستخدامنا لتلك العناصر .
الإعجاز القرآنى فى النفس البشرية :
تجد دليلاً ملموسا جلياً فى إنسجام النفس البشرية المؤمنة مع القرآن الكريم أيا كانت الدرجة العلمية والعمرية والجنس واللون ، وهو الكتاب الوحيد الذى يُحفظ بدون فهم حتى , ولكن هل يحدث ذلك فى أى علم مثلاً يدخل شخص ما محاضرة عن علوم الفيزياء وهو لم يقرأ أبداً فى الفيزياء هل سيحدث إنسجام نفسى مع المحاضرة كطالب هذا العلم ؟ ! بالطبع لا وهل يستطيع حفظ كتاب فيها لا يفهمه ! بالطبع لا وهل بهذا العدد بين المؤمنين وأبنائهم حتى فى الطفولة المبكرة ؟
وبالقرآن عرفنا التمييز فالله منحنا تمييز أشخاص بعينهم من بين ملايين البشر فهذا يعرف ابنه من مليون طفل ويوم القيامة يأتى الإنسان إلى ربه فرداً ولا يختلط هذا بذاك ولكن هل نملك هذا التمييز للكائنات لا لم ؟ لأننا لم نُمنح تلك الهبة فتجد أصحاب المراعى يميزون شاه عن أخرى بلون أو رقم !
العدل بين الأبناء :
وضعه الله بالفطرة فى قلب الوالدين فيهتم كل منهما بالطفل الأصغر أكثر من الأكبر الذى أخذ قسطا من الرعاية سابقة فيمنح هذا الأخير عطفه ورعايته ليشعر بأنه عدل بين أبنائه ..
البصمة :
بصمة الصوت ، بصمة الإصبع ، بصمة فك الأسنان ،و بصمة الرائحة , لكل منّا بصمة مميزة تميزه عن الآخر ومنها ما يعلمه حتى الحيوان كبصمة الرائحة ويعجز عنه الإنسان تماماً كما رأينا علم بعض الحيوانات بقرب وقوع زلزال أو سيل !
ختام الفصل الثانى قوله تعالى
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
فآيات الله جلية فى نفس البشرية كلها آيات تصرخ بوجود خالق لتلك النفس البشرية ومدبرا لأمرها وبها يظهر آيات على وجوده تلفت الأذهان والقلوب إليه .يُتبع إن شاء الله .
هامش
__
الأدلة العقلية على وجود الروح
الرابط بأكمله هنا
ــــ