عالم الجن والشياطين عالم مجهول بالنسبة لنا ولكن ورد الخبر السمعي القطعي بوجودهم ، فكان الايمان بهم من لوازم الإيمان بالغيب .. فكان لا بد في هذه الدورة من القاء الضوء على هذا العالم خصوصا أن من هذا الباب بالذات قد زلت فيه أقلام كثيرة ، وابتعدت عن هدي الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السابقين المعتبرين وسلف الأمة
التعريف بهذا العالم:
الجن عالم مستقل وهو غير عالمنا وعالم الملائكة .. فالاختلاف في الأصل .. الا أن بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك ..
فالملائكة مخلوقات نورانية خلقت من نور
والجن مخلوقات نارية خلقت من نار
والانس مخلوق من تراب أو طين
فعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خلقتْ الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم )
سبب تسميتهم بالجن :
وسمو جنّاً لاجتنانهم ، أي : استتارهم عن العيون
قال تعالى: ( إنَّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )
وقد خلق الجان قبل الانسان وهذا من قوله تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مَّسنون والجآن خلقناه من قبل من نار السموم )
أسماء الجن في لغة العرب وأصنافهم
قال ابن عبد البر : ( الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب :
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا : جنّي
2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ، قالوا : عامر ، والجمع : عمّار
3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا : أرواح
4- فإن خبث وتعرض ، قالوا : شيطان
5- فإن زاد على ذلك ، فهو مارد
6- فإن زاد على ذلك وقوي أمره ، قالوا : عفريت ، والجمع : عفاريت )
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ ( الجن ثلاثة أصناف : فصنف يطير في الهواء ، وصنف حيّات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون )
صفة خلقهم:
نحن لا نعرف من خلقتهم وصورهم وحواسهم إلا ما عرفنا الله منها ، فنعلم أن لهم قلوبا وأعين وآذان
قال تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل )
وكذلك للشيطان صوتا ، قال تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك )
كما أنهم يأكلون ويشربون
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( وإنّه أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم : أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعماً )
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تستنجوا بالروث ، ولا بالعظام ، فإنّه زاد إخوانكم من الجن )
عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أكل فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله )
والأدلة في هذا الباب كثيرة
تزاوج الجن وتكاثرهم
الذي يظهر أن الجن يقع منهم النكاح
قال تعالى : ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان )
والطمث في لغة العرب : الجماع
كما أن للشيطان ذرية نص عليها القرآن الكريم بقوله تعالى ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو )
أعمار الجن وموتهم
قال تعالى : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام )
أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها ، إلا ما أخبرنا الله عن إبليس اللعين ، أنه سيبقى حيا إلى أن تقوم الساعة :
( قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنَّك من المنظرين )
أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم
ومما يدّل على أنهم يموتون أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى ( الشجرة التي كانت تعبدها العرب ) ، وأن صحابياً قتل الجني الذي تمثل بأفعى
مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ، ويكثر تجمعهم في الخراب والفلوات ، ومواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر
وكما يقول ابن تيمية يأوي إلى كثير من هذه الأماكن ، التي هي مأوى الشياطين : الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين . وقد جاءت الأحاديث ناهية عن الصلاة في الحمام ؛ لأجل ما فيها من نجاسة ، ولأنها مأوى الشياطين ، وفي المقبرة ؛ لأنها ذريعة إلى الشرك
ويكثر تجمعهم في الأماكن التي يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق
فقد أوصى سلمان أصحابه قائلاً : ( لا تكونن ، إن استطعت ، أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشياطين ، وبها ينصب رايته )
والشياطين تبيت في البيوت التي يسكنها الناس ، وتطردها التسمية ، وذكر الله ، وقراءة القرآن ،
خاصة سورة البقرة ، وآية الكرسي منها ،
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تنتشر ، وتكثر بحلول الظلام ، ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة
والشياطين تهرب من الأذان ، وفي رمضان تصَفد الشياطين
والشياطين تحب الجلوس بين الظل والشمس ؛ ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس بينهما في الحديث الصحيح
دواب الجن ومراكبهم
للجن دواب علفها بعر دواب الانس فقد جاء في صحيح مسلم أن الجن سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم الزاد
فقال : ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم )
فأخبر أن لهم دوابّ ، وأن علف دوابهم بعر دواب الإنس
وأخبرنا ربنا أن للشيطان خيلاً يجلب بها على أعدائه من بني آدم قال تعالى : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك )