وهذا رد القاضي ابن العربي عليهم وهو ما ندين به لله :::
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ لَهُ مَكَان فِي السَّمَاء السَّابِعَة يَوْمًا مِنْ الْعَام فَقَوْل بَاطِل ; لِأَنَّهُ أُهْبِطَ مِنْهَا بِلَعْنَةٍ وَسَخَطٍ إِلَى الْأَرْض , فَكَيْف يَرْقَى إِلَى مَحَلّ الرِّضَا , وَيَجُول فِي مَقَامَات الْأَنْبِيَاء , وَيَخْتَرِق السَّمَوَات الْعُلَى , وَيَعْلُو إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى مَنَازِل الْأَنْبِيَاء , فَيَقِف مَوْقِف الْخَلِيل ؟ ! إِنَّ هَذَا لَخَطْبٌ مِنْ الْجَهَالَة عَظِيم . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ هَلْ قَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء فَبَاطِل قَطْعًا ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُكَلِّم الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُنْد إِبْلِيس الْمَلْعُون ; فَكَيْف يُكَلِّم مَنْ تَوَلَّى إِضْلَالَهُمْ ؟ ! وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه قَالَ قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى مَاله وَوَلَده فَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْقُدْرَة , وَلَكِنَّهُ بَعِيد فِي هَذِهِ الْقِصَّة . وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ نَفَخَ فِي جَسَده حِين سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَبْعَدُ , وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق ذَلِكَ كُلّه مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لِلشَّيْطَانِ فِيهِ كَسْب حَتَّى تَقَرَّ لَهُ - لَعْنَةُ اللَّه عَلَيْهِ - عَيْنٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَنْبِيَاء فِي أَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسهمْ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَلَوْ تَرَكْت ذِكْر اللَّه وَسَجَدْت أَنْتِ لِي لَعَافَيْته , فَاعْلَمُوا وَإِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لِأَحَدِكُمْ وَبِهِ أَلَمٌ وَقَالَ هَذَا الْكَلَام مَا جَازَ عِنْده أَنْ يَكُون إِلَهًا فِي الْأَرْض , وَأَنَّهُ يَسْجُد لَهُ , وَأَنَّهُ يُعَافِي مِنْ الْبَلَاء , فَكَيْف أَنْ تَسْتَرِيبَ زَوْجَة نَبِيّ ؟ ! وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَة سَوَادِيّ أَوْ فَدْمٍ بَرْبَرِيّ مَا سَاغَ ذَلِكَ عِنْدهَا . وَأَمَّا تَصْوِيره الْأَمْوَال وَالْأَهْل فِي وَادٍ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مَا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ إِبْلِيس بِحَالٍ , وَلَا هُوَ فِي طَرِيق السِّحْر فَيُقَال إِنَّهُ مِنْ جِنْسه . وَلَوْ تُصُوِّرَ لَعَلِمَتْ الْمَرْأَة أَنَّهُ سِحْر كَمَا نَعْلَمهُ نَحْنُ وَهِيَ فَوْقَنَا فِي الْمَعْرِفَة بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَان قَطُّ مِنْ السِّحْر وَحَدِيثه وَجَرْيه بَيْن النَّاس وَتَصْوِيره . قَالَ الْقَاضِي : وَاَلَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَرَّعُوا بِهِ إِلَى ذِكْر هَذَا قَوْله تَعَالَى : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ شَكَا مَسَّ الشَّيْطَان أَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ رَأْيهمْ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْسِير فِي هَذِهِ الْأَقْوَال . وَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمُوا وَالْأَفْعَال كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا . فِي إِيمَانهَا وَكُفْرهَا , طَاعَتهَا وَعِصْيَانهَا , خَالِقهَا هُوَ اللَّه لَا شَرِيك لَهُ فِي خَلْقه , وَلَا فِي خَلْق شَيْء غَيْرهَا , وَلَكِنَّ الشَّرّ لَا يُنْسَب إِلَيْهِ ذِكْرًا , وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا ; أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ , وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ . وَكَانَ مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ بِهِ قَوْلٌ مِنْ جُمْلَته : ( وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَمِنْهُ قَوْل إِبْرَاهِيم : " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ " [ الشُّعَرَاء : 80 ] وَقَالَ الْفَتَى لِلْكَلِيمِ : " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان " [ الْكَهْف : 63 ] وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرهُ , فَمَنْ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْل . وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون قَادِرًا عَلَى نَصْره , فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ فَيُلَام عَلَى أَنَّهُ عَصَى وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ , . أَوْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ مَنَعَ فَقِيرًا مِنْ الدُّخُول ; إِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ بَاطِل عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ دَاهَنَ عَلَى غَنَمِهِ الْمَلِك الْكَافِر فَلَا تَقُلْ دَاهَنَ وَلَكِنْ قُلْ دَارَى . وَدَفْع الْكَافِر وَالظَّالِم عَنْ النَّفْس أَوْ الْمَال بِالْمَالِ جَائِز ; نَعَمْ وَيَحْسُن الْكَلَام . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْقَاضِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوب فِي أَمْره إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّه عَنْهُ فِي كِتَابه فِي آيَتَيْنِ ; الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَالثَّانِيَة فِي : [ ص ] " أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " . وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِد إِلَّا قَوْله : ( بَيْنَا أَيُّوب يَغْتَسِل إِذْ خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَاد مِنْ ذَهَبٍ ... ) الْحَدِيث . وَإِذْ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآن وَلَا سُنَّة إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ , فَمَنْ الَّذِي يُوصِل السَّامِع إِلَى أَيُّوب خَبَره , أَمْ عَلَى أَيّ لِسَان سَمِعَهُ ؟ وَالْإِسْرَائِيلِيَّات مَرْفُوضَة عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى الْبَتَات ; فَأَعْرِضْ عَنْ سُطُورهَا بَصَرك , وَأَصْمِمْ عَنْ سَمَاعهَا أُذُنَيْك , فَإِنَّهَا لَا تُعْطِي فِكْرَك إِلَّا خَيَالًا , وَلَا تَزِيد فُؤَادَك إِلَّا خَبَالًا وَفِي الصَّحِيح وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ تَسْأَلُونَ أَهْل الْكِتَاب وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَار بِاَللَّهِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ , وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُب اللَّه وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُب ; فَقَالُوا : " هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا " [ الْبَقَرَة : 79 ] وَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مَسْأَلَتهمْ , فَلَا وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَلَى عُمَر قِرَاءَته التَّوْرَاة .