موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

تم غلق التسجيل والمشاركة في منتدى الرقية الشرعية وذلك لاعمال الصيانة والمنتدى حاليا للتصفح فقط

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر السيرة النبوية والأسوة المحمدية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 25-04-2023, 12:04 AM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي سيرة الصحابي : سلمة بن قيس الأشجعي ، لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .

الدرس 40/50 ، سيرة الصحابي : سلمة بن قيس الأشجعي ، لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي .
تفريغ : المهندس عبد العزيز كنج عثمان .
التدقيق اللغوي : الأستاذ غازي القدسي .
التنقيح النهائي : المهندس غسان السراقبي .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الأكارم ... مع الدرس الأربعين من دروس سير صحابة رسول الله صلى الله علية وسلم ، ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وصحابي اليوم سيدنا سلمةُ بن قيسٍ الأشجعي .
سيدنا الفاروق ، عمر رضي الله عنه ، الخليفة الراشد الذي قال عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ *
(رواه الترمذي وأحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ)
فهذا الصحابي الجليل عملاق الإسلام ، قضى ليلةً من الليالي سهران ، يعسُّ في أحياء المدينة ، يتجوَّل ، لينام الناس ملء جفونهم آمنين مطمئنين ، وكان خلال تطوافه بين الدور والأسواق يستعرض في ذهنه الأمجاد ، الأمجاد من صحابة رسول الله ، ليعقد لواحدٍ منهم الراية على الجيش الذاهب لفتح الأهواز .
الأهواز الآن تقع في غرب إيران ، هذه بلادٌ شاسعة ، لكنها جبلية وعرة المسالك ، أزمع سيدنا عمر رضوان الله تعالى عليه أن يفتح هذه البلاد ، وجهَّز الجيش ، وبقي عليه أن يختار له القائد .
ويا أيها الإخوة ... من أسباب نجاح أي قائدٍ حُسْنُ اختياره لقوَّاده ، ولأعوانه ، لأن البطانة إذا كانت صالحة صلح القائد ، ومن الأدعية المأثورة ، دعاءٌ بصلاح البطانة : اللَّهم هيّئ له بطانة خير ، تأمره بالخير وتدلُّه عليه .
فسيدنا عمر رضي الله عنه كان حريصاً حرصاً بالغاً ، على أن يختار قوَّاد الجيوش وولاة الأمصار من بين الأبطال الورعين ، الأكْفاء ، المستقيمين ، المخلصين .
وأنت أيها الإنسان ، لو عيَّنوك مدير مدرسة ، فبطولتك في حسن اختيار المعلمين ، إن أحسنتَ اختيارهم ، وكانوا مخلصين ، أكْفاء ، انطلقتْ هذه المدرسة ، وإنْ كنتَ مدير مستشفى ، فبطولتك في حسن اختيار الأطبَّاء ، إنهم إن تعاونوا معك ، وأخلصوا ، وكانوا أعفَّة ، نجح المستشفى وأفلح ، في أي مجال ، وفي أي عمل ، في أعمال الحروب ، في أعمال العلوم ، في أعمال التجارات ، في أي مجال ، لن تفلح إلا إذا كان حولك أعوانٌ يجمعون بين الكفاءة والإخلاص .
ومن عادة سيدنا عمر ، رضي الله عنه أنه إذا عيَّن والياً يكتب له هذا الكتاب ، يكتب له : ((خذ عهدك ، وانصرف إلى عملك ، واعلم أنك مصروفٌ رأس سنتك - سنة واحدة تجريبية - وأنك تصير إلى أربع خلال ، " أربع حالات " إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك ، وَسَلَّمَتكَ مِنْ مَعَرَّتِنَا أَمانَتُكْ ، وإن وجدناك خائناً قوياً ، اسْتَهَنَّا بقوَّتك ، وأوجعنا ظهرك ، وأحسنَّا أدبك ، وإن جمعتَ الجُرمين ، جمعنا عليك المضرَّتين ، وإن وجدناك أميناً قوياً ، زدناك في عملك ، ورفعنا لك ذكرك ، وأوطأنا لك عقبك .

استنبط هذا الخليفة الراشد ، هذين المقياسين ، الإخلاص ، والكفاءة ، بالتعبير الحديث ، أو الأمانة، والقوة ، بالتعبير القديم ، من قول الله عزَّ وجل :

( سورة القصص )
القوي ، ذو الكفاءة ، والأمين ، ذو الإخلاص ، قويٌ أمين ، مخلصٌ كفء .
سيدنا عمر من أسباب نجاحه في الخلافة ، أنّه كان يختار ولاة الأمصار ، وقوَّاد الجيوش من القمم، فلذلك قال : ((أريدُّ رجلاً ، إن كان أميراً ، بدا وكأنه واحدٌ من أصحابه - أيْ فيه تواضع -وإن كان واحداً من أصحابه بدا وكأنه أمير)) .
لشدة حرصه ، وغيرته ، وحبّه ، يؤمِّر نفسه ، فإن عيِّن أميراً بدا وكأنه واحدٌ من الناس ، وإن كان واحداً من الناس بدا وكأنه أميرهم ، لرعايته ، وحرصه .
فالآن سيدنا عمر يريد أن يعيِّن قائداً لجيشٍ يذهب لفتح بلاد الأهواز ، ثم ما لبثَّ ، أن هتف قائلاً: ظفرتُ به ، نعم ظفرتُ به إن شاء الله .
كما قال أرخميدس : وجدتها ، وجدتها ، أن تجد الشخص المناسب ، الرجل المناسب ، للمكان المناسب، فهذه بطولة ، وأحياناً لا يقضي على الخلفاء والأمراء إلا بطانة السوء ، إلا الأعوان الذين يُسيئون ولا يحسنون ، يخونون ولا يخلصون ، يأخذون ولا يعطون ، يكونون حجاباً بين الناس ، وبين الأمير.
ولما طلع عليه الصباح ، دعا هذا الخليفة العظيم ، سيدنا سلمة بن قيسٍ الأشجعي ، وقال له : ((إني وليتك على الجيش المتوجه إلى الأهواز ، فَسِرْ بسم الله )) ...
وبعد ، دققوا في الوصايا التي تكتب بماء الذهب ، والتي أوصى بها عمرُ هذا القائدَ العظيم ، قال له : ((إني وليتك على الجيش المتوجه إلى الأهواز ، فسِرْ بسم الله ، وقاتلْ في سبيل الله مَن كفر بالله ، وإذا لقيتم عدوكم من المشركين فادعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا ، فإمّا أن يختاروا البقاء في ديارهم ، ولا يشتركوا معكم في حرب غيرهم ، فليس عليهم إلا الزكاة ، وليس لهم في الفيء نصيب ، وإمّا أن يختاروا أن يقاتلوا معكم، فلهم مثل الذي لكم ، وعليهم مثلُّ الذي عليكم)) .

كلام دقيق مركَّز .. ادعُوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا فخيِّروهم ، إمّا أن يقاتلوا معكم ، فلهم مثل ما لكم ، وعليهم مثل ما عليكم ، وإمّا أن يختاروا أن يبقوا في ديارهم ، فليس عليهم إلا الزكاة ، وليس لهم من الفيء والغنائم شيء .
((فإن أبوا الإسلام ، فادعوهم إلى إعطاء الجزية ، ودعوهم وشأنهم ، واحموهم من عدوهم ، ولا تكلِّفوهم فوق ما يطيقون ، فإن أبوا فقاتلوهم ، فإن اللهَ ناصرُكم عليهم .
وإذا تحصَّنوا بحصنٍ ، ثم طلبوا منكم أن ينزلوا على حكم الله ورسوله ، فلا تقبلوا منهم ذلك ، فإنكم لا تدرون ما حكم الله ورسوله ، وإذا طلبوا منكم أن ينزلوا على ذمة الله ورسوله ، فلا تعطوهم ذمة الله ورسوله ، وإنما أعطوهم ذممكم أنتم ، فإن ظفرتم في القتال ، فلا تسرفوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً)) .

هذا الدرس ينبغي أن يوضع بين أيدي الذين يحاربون المسلمين ، ويمثِّلون في صبيانهم ، ويغتصبون نساءهم ، ويذبحون رجالهم ، ولا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمة .
قال سلمة : سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين .
وصية ، دقيقة جداً ، توضِّح المنهج ، الدعوة إلى الإسلام ،(( إن أسلموا ، فلهم ما لكم ، وعليهم ما عليكم ، هم مخيَّرون ، إما أن يقاتلوا معكم ، وإما أن يبقوا في ديارهم ، إن بقوا فلا عليهم إلا الزكاة ، وإن قاتلوا فلهم الفيء ، إن أبوا أن يسلموا ، فادعوهم لدفع الجزية ، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ، واحموهم ، لا تكلفوهم أن يحاربوا معكم ، وإن أبوا فقاتلوهم ، وإن انتصرتم عليهم ، فلا تقتلوا وليداً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأةً ، ولا تعقروا نخلاً ، ولا تذبحوا شاةً)) ، هذا من وصايا الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم أجمعين .
فقال سلمة : سمعاً وطاعةً يا أمير المؤمنين ، فودَّعه عمر بحرارةٍ بالغة ، وشدَّ على يديه بقوة، ودعا له بضراعة ، لأنَّ عمر كان يقدِّر ضخامة المهمة التي ألقاها على عاتقه ، وعاتق جنوده .

ما هي الحرب ؟ الحرب أن تضع روحك على كفِّك ، فإما أن تعود غانماً ، وإما أن تموت شهيداً ، كلمة موت عند الجبناء شيء مخيف ، يقول لك : يقولون عني : ألف جبان ولا : "رحمه الله" ، ألف جبان هكذا الجبناء، لكن المؤمنين ، لهم شأنٌ آخر ، جادوا بأنفسهم ، ولله در القائل :
***
تجُود بالنفسِ إذْ أنتَ الضَّنينُ بها والجودُ بالنفسِ أقصَى غايةِ الجودِ
***
قال سيدنا عمر في نفسه : الأهواز منطقةٌ جبليةٌ وعرة المسالك ، حصينة المعاقل ، واقعةٌ بين البصرة وتخوم فارس ، يسكنها قومٌ أشداء أقوياء ، ولم يكن للمسلمين بُدٌّ من فتحها ، أو السيطرة عليها، ليحموا ظهورهم من هجمات الفرس على البصرة ، ويمنعوهم من اتخاذها ميداناً لجنودهم ، فتتعرض سلامة العراق ، وأمنه للخطر .
مضى الجيش ، وانطلق إلى الأهواز ، والذي لا يعرف بلاد الحجاز في الصيف ، لا يقدِّر قيمة الجهاد في هذه البلاد ، وانظُرْ في تعليمات الحجاج عند وجودهم في الديار المقدسة :
إياك أن تغادر مقرَّ سكنك إلى البيت الحرام في النهار ، لأن الإنسان قد يصاب بضربة شمسٍ قاتلة ، وهناك حجاجٌ كثيرون يصابون بضربة شمسٍ مع استعمال المظلة ، فكيف إذا انطلق جيش من المدينة ليتجه نحو الشمال ، في هذا الحر الشديد .
مضى سلمة بن قيس ، على رأس الجيش الغازي في سبيل الله ، غير أنهم ما كادوا يتوغَّلون قليلاً في أرض الأهواز حتى دخلوا في صراعٍ مرير مع طبيعتها القاسية ، فقد طفق الجيش يعاني من جبالها الوعرة ، وهو مُصْعِد ، ويكابد من مستنقعاتها الموبوءة ، وهو مسهل .
السهول كلُّها مستنقعات ، والجبال كلُّها وعرة ، ويصارع أفاعيها القاتلة ، وعقاربها السامة ، كلُّ جنديّ منهم يقظ دائماً .
لقد وجدوا أفاعي وعقارب ، وجبالاً وعرة ، وسهولاً فيها مستنقعاتٌ آسنة ، وفيها حشرات ، وأوبئة وأمراض ، وأرضًا لا يعرفونها ، وعدوًّا يخشون بأسه ، وهم خرجوا من الصحراء ، من أرضٍ حارةٍ ، إلى أرضٍ باردة ، هؤلاء هم الصحابة ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ*
(متفق عليه)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ *
( مسند الإمام أحمد : رقم " 19641 " )
أي دعوني وأصحابي .
لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ *
(متفق عليه)
المؤمن الكامل ، لا يستطيع ، أن يتكلَّم كلمةً واحدةً في حق الصحابة ، من أنا ؟ متى كان الجنديُّ يقيِّم رؤساء الأركان ؟ متى كان الممرضُ يقيم الأطباء الكبار ؟ متى كان البائعُ المتجول يقَيِّم رؤساء غرف التجارة ؟ متى ؟ !! ومَن نحن حتى نقيِّمهم ؟ ومن نحن حتى نوازن بينهم ، وبين غيرهم ؟ ومن نحن حتى نتقصى أخطاءهم ؟ .
اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ *
( مسند الإمام أحمد : رقم " 19641 " )
لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ *
(متفق عليه)
كان الصحابة عندما يحاصِرون مدينةً محصنةً لها سور مرتفع ، يرجو أحدُهم إخوانه أن يرفعوه إلى قمة الحصن ، ويلقي بنفسه إلى داخله ، ومَن بداخله ؟ أعداءٌ ألدَّاء ، معهم السيوف ، والرماح ، ينتظرونه ، كي ينهشوا لحمه بسيوفهم ، ويقع هذا الصحابي خلف السور ، ويضربه الكفار ، ستةً وثمانين طعنةً في جسمه ، ويفتح باب الحصن ، ويستشهد ، ماذا فعلتم أنتم ؟ فنحن وأنا معكم ماذا نفعل؟ لا نفعل شيئاً ، يقولون هذه الأيام : لا نرى مراوح في المسجد ، لا يُطاق الدرس بلا مروح ، وفي الشتاء يشكون البرد ، ولا تشتغل المدفئات ، والمواصلات صعبة ، هذا درس فقط، ونزلت كلُّ هذه الشكاوى ؟‍ مرة المواصلات ، مرة المراوح ، ومرة التدفئة ، ماذا نفعل نحن ؟ لا يتحمل الإنسان شيئًا من المشقة .
لذلك هؤلاء الصحابة ، رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ، يكفيهم شرفاً أن الله عزَّ وجل ، اختارهم لصحبة نبيه ، اختارهم لصحبة سيِّد الخلق ، وحبيب الحق ، وشُرِّفوا بأنهم رأوا النبي عليه الصلاة والسلام ، وآمنوا به ، وعاونوه ، وفدوه بأرواحهم .
لكن روح سلمة بن قيس المؤمنة الشفافة كانت ترفرف بأجنحتها فوق جنده .
يا أيها الإخوة ، الإيمان يفعل المعجزات ، واللهِ أيها الإخوة ، مهما اشتدت المحن ، ومهما ضاقت الأمور وتعسَّرتْ ، ومهما اكفهرَّت الليالي ، واشتدَّت الخطب ، إيمان المؤمن ، أقوى من كلِّ شيء .
فقد كان هذا الصحابي الجليل ، والقائد العظيم ، يتخوَّل أصحابه بالموعظة ، التي تهزُّ نفوسهم هزاً، ويملأ لياليهم بأرج القرآن ، فإذا هم مغمورون بضيائه ، سابحون في لألائه ، ناسون ما مسَّهم من عناءٍ ونصب .
من يقدر منا الآن أنْ يركب فرسًا ، ويمشي في هذه الليالي ، من دمشق إلى المدينة وحيداً ؟ من يستطيع ذلك ؟ هكذا كان الصحابة .
النبي عليه الصلاة والسلام ، يرسل الصحابي الجليل رسولاً إلى كسرى وحده ، الآن تجد الوفد ثلاثين شخصًا ، معهم مهمات ، طائرات ، قاعات شرف ، فنادق خمس نجوم ، أجنحة ، سيارات مع سائقيها ، مع مترجمين ، الآن هذه المهمة متعة ‍، فيها كلّ شيء ، الإكرام شديد ، والتعويضات باهظة، وأذون السفر بغير حدود ، واستقبال ، وولائم ، يقول لك : غداء عمل ، أي عمل هذا ؟ فلذلك :
لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ *
(متفق عليه)
امْتَثَل سلمة بن قيس لأمر خليفة المسلمين ، فما إن التقى بأهل الأهواز حتى عرض عليهم الدخول في دين الله ، فأعرضوا ونفروا ، فعرض عليهم الإسلام فأعرضوا ، ودعاهم إلى إعطاء الجزية فأبوا واستكبروا ، فلم يبق أمام المسلمين غير ركوب الأسنة ، فركبوها مجاهدين في سبيل الله ، راغبين بما عنده من حسن الثواب ، ودارت المعاركُ حاميةَ الوطيس ، مستطيرة الشرر ، وأبدى فيها الفريقان مِن ضروب البسالة ما لم تشهد له الحروب نظيراً ، إلا في القليل النادر .
مركز الثقل في القصة ليس في أثناء المعارك ، ولكن بعد المعركة..
ثم ما لبثت أن انجلت المعارك ، عن نصرٍ مؤزَّر ، للمؤمنين المجاهدين ، لإعلاء كلمة الله ، وهزيمةٍ منكرةٍ للمشركين أعداء الله ، ولما وضعت الحرب أوزارها ، هذه المرحلة في القصة اسمُها البداية .
والآن دخلّنا في العقدة :
ولما وضعت الحرب أوزارها ، بادر سلمة بن قيس إلى قسمة الغنائم بين جنوده ، ومن بين هذه الغنائم حِليةٌ نفيسةٌ جداً ، فهذا الصحابي ، هذا القائد المخلص ، المحب ، المؤمن ، الورع ، لما رأى هذه الحلية النفيسة ، أحبَّ أن يُتْحِف بها أمير المؤمنين ، وأن يقدِّمها هدية من الجنود جميعاً لأمير المؤمنين ، فما دامت هذه الحلية من حق الجنود ، فلا بدَّ أن يستأذنهم ، فقال للجنود :
إن هذه الحلية ، لو قسِّمت بينكم ، لما فعلتْ معكم شيئاً ، فهل تطيبُ أنفسكم إذا بعثنا بها إلى أمير المؤمنين ؟ تسمحون لنا ؟ .
ماذا فعل هذا الصحابي ؟ هل ارتكب جريمة ، لقد قدَّم للخليفة هديةً من حقه ، ما دامت من حقِّ الجنود جميعاً ، وقد استأذنهم ، فقالوا مِن دون تردد جميعا : نعم .
فجعل الحليَةَ في سفطٍ ، ما هو السَّفط(1) ؟ صندوق ، عندك صفت راحة ، السَّفط صندوق ، فجعل الحلية في سَفطٍ ، وندب رجلاً من قومه ، من بني أشجع ، وقال له : امضِ إلى المدينة ، مِن أين ؟ من الأهواز إلى المدينة ، اذهبْ وحدك ، امضِ إلى المدينة أنت وغلامك ، وبشِّر أمير المؤمنين بالفتح ، وأطرِفْهُ بهذه الحلية .
اذهبْ إلى المدينة ، أنت وغلامك ، وبشر أمير المؤمنين بالفتح ، وقدِّم له هذه الهدية .
فكان للرجل مع عمر بن الخطاب خبرٌ فيه عبرٌ وعظات ، قال الأشجعي : - وهذه قصة يرويها هو :مضيتُ أنا وغلامي إلى البصرة ، فاشترينا راحلتين ، مما أعطانا سلمة بن قيس ، وأوقرناهما زاداً، ثمَّ يمَّمنا وجوهنا شطر المدينة ، فلما بلغناها - الكتابة سهلة ، بين (فلما بلغناها) ، بين ( يمَّمنا وجهينا شطر المدينة) ، بين التوجه وبين الوصول أعتقد أنّ ثمة مسيرة شهر ، ثلاثين يومًا ، بلياليهنّ.
نشدتُ أمير المؤمنين ، أي طلبته ، بحثت عنه ، فوجدته واقفاً يغدِّي المسلمين ، طبعاً فقراء المسلمين ، وهو متكّئ على عصاه كما يصنع الراعي ، وكان يدور على القِصاع ، وهو يقول لغلامه "يرفأ" : يا يرفأ زِدْ هؤلاء لحماً ، يا يرفأ زد هؤلاء خبزاً ، يا يرفأ زد هؤلاء مرقةً ، بنفسه .
سيدنا الصديق رضي الله عنه ، كانت له جارة عجوز عندها شاة ، فكان يحلبها لها ، فلما صار خليفةً ، حزنتْ لأن هذه الخدمات لن تستمر ، لقد أصبح خليفة ، وفي اليوم التالي طرق باب الجارة ، وقالت لابنتها : يا بنيَّتي افتحي الباب ، فلما فتحت الباب ، قالت : مَن الطارق يا بنيتي ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أمّاه ، وهو خليفة المسلمين .
فسيدنا عمر كان يدور بنفسه على القِصاع - جمع قصعة - ويقول لغلامه يرفأ : يا يرفأ ِزدْ هؤلاء لحماً ، زد هؤلاء خبزاً ، زد هؤلاء مرقةً ، فلما أقبلتُ عليه ، قال : اجلس ، فجلست في أدنى الناس ، وقدَّم لي الطعام ، فأكلّتُ لحمًا ، وسيد الطعام اللحمُ .

•---------------------------------•
(1) السَّفَطُ: الذي يُعَبَّى فيه الطِّيبُ وما أَشبهه من أَدَوات
ِ
فلما فرغ الناس من طعامهم ، قال : يا يرفأ ارفع قِصاعك ، ثم مضى فتبعته ، مضى ، فلما دخل داره استأذنتُ عليه بالدخول ، فأذن لي ، فإذا هو جالسٌ على رقعةٍ من شعر ، أي جلد شعر ، نصفه قد قُطِع ، ونصفه ما زال موجودًا ، متكئٌ على وسادتين من جلدٍ محشوَّتينِ ليفاً ، فطرح إلي إحداهما ، فجلست عليها .
انظُرْ إلى التواضع في تكريم الضيف .
وإذا خلْفه سترٌ ، فالتفتَ نحو الستر ، وقال : يا أم كلثوم ، ائتنا بغدائنا ، بطعام ، يريد أن يتغدى سيدنا عمر ، فقلت في نفسي : ما عسى أن يكون طعام أمير المؤمنين الذي خصَّ به نفسه ؟ الآن الأكل مِن الدرجة الأولى ، الأكل الفاخر النفيس ، المقبِّلات ، الحساء ، الفتَّات ، أنواع اللحوم، أنواع الخضار، المقبِّلات .
قال : فناولته خبزةً بزيتٍ ، عليها ملحٌ لم يدق ، ملح خشن ، فالتفتَ إليَّ ، وقال : كُلْ ، فامتثلت ، وأكلت قليلاً ، وأكل هو ، قال : فما رأيت أحداً أحسن منه أكلاً ، ثم قال : اسقونا ، فجاءوه بقدحٍ فيه شرابٌ من سويق الشعير ، نقيع الشعير ، فقال : أعطوا الرجل أولاً ، فأعطوني ، فأخذت القدح ، فشربت منه قليلاً ، ثم أخذه وشرب ، حتى روي ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا ، وسقانا فأروانا .
عند ذلك ، التفت إليه ، وقلت : يا أمير المؤمنين ، جئتك برسالةٍ من عاملك سلمة ... قال : مِن أين ؟ قلت : من عند سلمة بن قيس ، قال : مرحباً بسلمة بن قيس ، ومرحباً برسوله ، حدِّثني عن جيش المسلمين ، فقلت : كما تحب يا أمير المؤمنين ، السلامة والظَّفَرُ على عدوهم ، وعدو الله ، وبشَّرته بالنصر ، وأخبرته خبر الجيش جملةً وتفصيلاً ، هذه هي المهمة الأولى .
فقال : الحمد لله أعطى فتفضَّل ، وأنعم فأجزى ، ثم قال : هل مررت بالبصرة ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : كيف المسلمون ؟ طمئني عنهم ؟.
قلت : بخيرٍ من الله ، قال : كيف الأسعار ؟
السؤال الأول ، بعد كيف حال المؤمنين ؟ كيف الأسعار ؟ من شدة رحمته ، من شدة حرصه ، قلبٌ رحيم .
قلت : بخير ، أسعارهم أرخص أسعار ، قال : وكيف اللحم ؟ قلت : اللحم شجرة العرب ، واللحم كثيرٌ وفير ، فالتفت إلى الصفت الذي معي ، وقال : ما هذا الذي بيديك ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، لما نصرنا الله على عدونا ، جمعنا الغنائم ، فرأى سلمة فيها حليةً ، فقال للجند ..
عودة إلى موضوع الطعام ، فمرة سيدنا عمر ، حرم نفسه اللحم أشهرًا ، في عام المجاعة ، فقرقر بطنُه ، فخاطبه قائلاً : قرقر أيها البطن ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تذوق اللحم ، حتى يشبع منه صبية المسلمين .
ومرة قُدِّم له لحمٌ نفيس ، فقال : بئس الخليفة أنا ، إذا أكلت أطيبها ، وأكل الناس كراديسها(1) .
ومرةً ، جاءته هديةٌ من أذربيجان ، طعامٌ نفيس ، فلما وضعها في فمه ، سأل الرسول : أيأكل عندكم عامة المسلمين هذا الطعام ؟ قال : لا، هذا طعام الخاصة ، فوبَّخ الوالي ، وقال: حرامٌ على بطن عمر ، أن يذوق طعاماً لا يطعمه فقراء المسلمين ، ثم أمر بالهدية أن تعطى لفقراء المسلمين .
قال : ما هذا الذي بيديك ؟ ما هذا الصفت ؟ قلت : لما نصرنا الله على عدونا ، جمعنا الغنائم ، فرأى سلمة فيها حليةً ، فقال للجند : إن هذه لو قسِّمت عليكم لما بلغت منكم شيئاً ، فهل تطيب نفوسكم، إذا بعثت بها لأمير المؤمنين ؟ فقالوا : نعم ، ثم دفعت إليه بالسفط .
استأذناهم ، وأذنوا ، ووافقوا .
فلما فتحه ، ونظر إلى الفصوص التي فيه ، من بين أحمر وأصفر وأخضر ، وثب من مجلسه ، وجعل يده في خاصرته ، وألقى بالسفط على الأرض ، فانتثر ما فيه ، ذات اليمين ، وذات الشمال ، فظنَّ النساء ، أنني أريد قتله .
لما وقف ، وضع يده على خاصرته ، وعلا صوته ، واضطرب ، ظنَّ النساء أنني أريد أن أقتله ، ثم التفت إليَّ ، وقال : اجمَعْه ، فجعلت أجمع ما انتثر من الصفت ، ثم قال : قم غير محمودٍ لا أنت ولا صاحبك، قلت : ائذن لي بمركبٍ يحملني أنا وغلامي إلى الأهواز ، فقد أخذ غلامك راحلتي ، قال: يا يرفأ ، أعطني راحلتين من إبل الصدقة ، له ولغلامه ، ثم قال لي : إذا قضيت حاجتك منهما ، ووجدتَ مَن هو أحوج لهما منك فادفعهما إليه ، يعني الراحلتين .
قلت : أفعل هذا يا أمير المؤمنين ، نعم أفعل إن شاء الله ، ثم التفت إليَّ ، وقال : أمَا واللهِ ، لئنْ تفرَّق الجند قبل أن يقسم فيه هذا الحلي ، لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة .
فمضيتُ من توِّي حتى أتيت سلمة ، وقلت له : ما بارك الله لي فيما خصصتني به ، اقسم هذا الحلي في الجند قبل أن تحلَّ بي وبك داهية ، وأخبرته الخبر ، فما غادر مجلسه إلا بعد أن قسمه فيهم.
طبعاً سيدنا عمر ، لولا أن يكون بهذا الورع ، وهذه الشدة ، وذلك الحزم ، لما أكرمه الله ذلك الإكرام ، قال عليه الصلاة والسلام :
__________________
(1) قال في لسان العرب [مادة كردس] : الكَرادِيس رُؤُوس العِظام، واحدُها كُرْدوس ، وكل عظمين التقيا في مَفْصِل فهو كُرْدُوس نحو المَنْكِبَين والرُّكْبَتين والوَرِكَين ، وقال في الموضع نفسه : الكَرادِيس رُؤُوس العِظام .
" الإيمان عفَّةٌ عن المطامع ، عفَّةٌ عن المحارم " .
أيها الإخوة ... لا تنسوا أنّ ركعتين من ورع ، خيرٌ من ألف ركعةٍ من مخلِّط ، والإيمان عفةٌ عن المطامع عفةُ عن المحارم ، والإنسان لا يرقى عند الله بعلمه ، بل يرقى باستقامته ، ولا يرقى بعباداته، بل يرقى بورعه ، وهؤلاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا من الورع والخوف مِنَ الله في مكانٍ عليّ ، ولولا أنهم كانوا كذلك لما قدَّر الله على أيديهم النصر .
فإذا أردتم أن ترقوا عند الله عزَّ وجل ، وأن تستحقوا نصر الله وتأييده ، وأن يكون الدين مسعداً لكم ، وأن يجري الخير على أيديكم ، فعليكم بالورع والعفة ، فهما أساس هذا الدين .
الدين له مظاهر ، وله جوهر، جوهر الدين الاستقامة والعمل الصالح ، والاستقامة والعمل الصالح، لا يمكن أن يُبْنَيَا إلا على معرفة الله عزَّ وجل ، ترون ، الرحمة ، والعدل ، والورع ، والبذل، والتضحية ، والشجاعة ، التي لا حدود لها ، بسبب أن أصحاب النبي عليهم رضوان الله ، اتصلوا بالله اتصالاً وثيقاً .

والحمد لله رب العالمين
الكتاب: سيرة خمسين صحابي
المؤلف: الدكتور محمد راتب النابسلي
المصدر: الشاملة الذهبية

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 12:53 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com