الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن من الأمور العظيمة -التي نسيها كثيرٌ من الناس المنبهرين بالعلاج الحسي- التعبد بالعلاج والرقية بالقرآن الكريم.
وإليكم بعض الأدلة التي تدل على أن الرقية بالقرآن الكريم عبادة، وأنها تقرب الإنسان لمولاه، وتدنيه من خالقه سبحانه، علاوة على كونه مفيداً ونافعاً وشافياً.
الرُّقْيَةُ جمعه الرُّقى، يقال:رَقَي يَرقِي، ورقِيت أُرْقِيه إذا قرأت عليه، واسترقى طلب الرقية، وهي المعروفة بالقراءة على المريض والنفث عليه، ومن معانيها العَوْذَة يُتعوذ بها، وتسمى العزائم.
ويمكن أن يعرف الرقية الشرعية بأنها: قراءة شيء من القرآن أو الأدعية الصحيحة على المريض بقصد طلب الشفاء له.
ومما يدل على جواز الرقية بالقرآن:
1-حديث عائشة-رضي الله عنها-أن رسول الله-r-دخل عليها، وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال:((عالجيها بكتاب الله))، قال العلامة الألباني-رحمه الله-في الحديث مشروعية الرقية بكتاب الله-تعالى-ونحوه مما ثبت عن النبي-r-من الرقى..، وأما غير ذلك من الرقى فلا تشرع، لاسيما ما كان منها مكتوبا بالحروف المقطعة، والرموز المغلقة، التي ليس لها معنى سليم ظاهر).
ويحتمل أن يكون المعنى كما قال أبو حاتم رحمه الله أراد: عالجيها بما يبيحه كتاب الله، لأن القوم كانوا يرقون في الجاهلية بأشياء فيها شرك، فزجرهم بهذه اللفظة عن الرقى إلا بما يبيحه كتاب الله دون ما يكون شركا).
وهذا أبين لأنه موافق لقوله-r-:((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)).
2-حديث عائشة-رضي الله عنها-:((أن النبي-r-كان ينفث على نفسه-في المرض الذي مات فيه-بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيده نفسه لبركتها)).
3-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه(أن ناسا من أصحاب النبي-r- أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك، إذ لدغ سيد أولئك. فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا؛ فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي-r-، فسألوه، فضحك، وقال:((وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي بسهم)).
ويستفاد من الحديث: أن الرقية وإن كان فيها جهة تعبد وهي ثبوت وسيلة استعماله وهي القراءة، إلا أن فيها جهة التداوي ألا ترى أنه اشترط الأجر في الرقية بالقرآن، ، ولا يجوز اشتراط الأجر بالقراءة المجردة، وإنما جاز أخذ الأجرة على القراءة للرقية، لكونها من أمور المعاملات، المتعلقة بأحوال الناس وعاداتهم، ولهذا قال الإمام البخاري-رحمه الله- باب: الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب)، وفي صحيح مسلم باب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار).
4-حديث جابر-t-قال:((نهى رسول الله-r-عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله-r-فقالوا: يا رسول الله! إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)).
قال الشيخ حافظ حكمي-رحمه الله-:
ثـم الرقى من حمة أوعيـن *** فـإن تكن من خالص الوحيين
فذاك من هدي النبي وشرعته *** وذاك لا اخـتلاف في سنيته
قال-رحمه الله-في شرح هذه الأبيات فإن تكن أي: الرقى، من خالص الوحيين، الكتاب والسنة..، من الوحي الخالص، بأن لا يدخل فيه غيره من شعوذة المشعوذين، ولا يكون بغير اللغة العربية، بل يتلو الآيات على وجهها، والأحاديث كما رويت، وعلى ما تُلقيت عن النبي-r-بلا همز، ولا رمز،..فالرقى من الكتاب والسنة هو من هدي النبي-r-الذي كان عليه هو وأصحابه، والتابعون بإحسان،..و-(هذا االقدر من الرقية)-لا اختلاف في سنيتها، بين أهل العلم، إذ قد ثبت ذلك من فعل النبي-r-وقوله، وتقريره، فرقاه جبريل-u-، ورقى هو-r-أصحابَه، وأمر بها، وأقر عليها).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
[للتوسع: القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم دراسة عقدية].