....ووعدتكم... فأخلفتكم.....!
سلوى عبدالمعبود محمد قدرة
إنَّ عَلاقة الشيطان بالإنسان تظل فى ظلال سميكة من الغموض والإبهام.. يقذف بالبَشَر إلى مهاوي الخرافات والأكاذيب، حتى يأتى القرآنُ الكريم فيزيلُ كلَّ ذلك ويكشف أمام البشر حقيقةَ الصراع.... الصراع الذى بدأ مع خلق آدم... وسيستمر معه فى رحلته المؤقته على هذه الأرض...!
وهذا المشهد يقفز بنا إلى نهاية الصراع؛ يختزل كلَّ الأزمنة على اتساعها، وكل الأمكنة على رحابتها... يضعُنا مباشرة أمام يوم القيامة....!
يقول تعالى: **وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ** [إبراهيم: 22]..
أى حين أقبل البشر على ربهم يتلقون الجزاء... وحين أصبح مجالُ العمل والعودة إلى رضا الله تعالى مغلقًا غير متاح...!
ماذا يقول هذا الشيطان للبشر؟... ولماذا هو بالذات؟.. وهو العدو اللدود الذى لا يكف الخالقُ العظيمُ عن تحذير البشر من اتباعه وتصديقه...؟
ذلك لأن الله تعالى يعلم أن هناك فئةً من البشر تظل مخلِصةً للشيطان كلَّ الإخلاص... متبعة إياه بكل انقياد واستسلام... يأمر هو... وهى تطيع... إنه وليها من دون الله... والعياذ بالله.. وهذه الفئة من البشر هى التى ستنتظر من الشيطان أن يتقدم إليها يوم القيامة ينقذها من عقاب الله... إنهم ينتظرونه أن يتكلم... أن يؤكد أنه عند وعده بالنصرة والإنقاذ..
وها هو ذا يتكلم.... وها هم أولاء يصمتون...
لقد اختلف الشيطان عما عهدوه.... وها هو ذا يتحدث... لا ليطمئنهم بل ليعترف باعتراف خطير..
**إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ**...!
وإنهم لتصيبهم الدهشةُ.. ثم يتسلل إلى نفوسهم الفزع.. ويكاد يقتلهم الخوفُ من مصير لم يستعدوا له.. بل سخروا منه كثيرًا.... وقضوا أعمارهم يحاربون المؤمنين به..
ما هذا الذى أوصلهم الشيطانُ إليه...؟
أى خديعة تعرضوا لها؟
خديعة قضوا عمرهم يتنفسونها... وها هو ذا الشيطان نفسه يعترف بها..؟
ها هو ذا يقرر أن وعد الله هو وحده الحق...! وأنه وعَدَهم وهو ينوي أن يخلفهم!!
أى حسرة تملأ قلوبهم الآن وهم يرون أن مصيرًا مفزعًا ينتظرهم...!
إنها حسرة لا تذهب، مع ما حققوه فى دنياهم من انتصارات عظيمة وكبيرة
استهواهم بالمال... فبلغوا من الثراء مبلغًا عظيمًا...!
غرهم بالشهوات... فغرقوا فيها حتى لا يفيقون من آثارها...!
استدرجهم بالعلم... فطغوا وبغوا.. وأفسدوا فى الأرض....!
أضلهم بالقوة حتى أهلكوا الحرث والنسل.....!
وإنه لا يتركهم يتجرعون المرارة... والألم والحسرة... بل يسارع إليهم فيواجههم بحقيقتهم...
فإن الله لم يسلم قيادَهم إليه... ثم سيحاسبهم... حاشا لله.
وإنه تعالى لم يعطه من النفوذ والسيطرة ما يسلبهم الإرادة أو العزيمة أو حق الابتعاد عنه....
**وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ**
وحين ينفي الشيطانُ امتلاكَه لسلطان السيطرة النافذة.. فإنه فى الحقيقة يؤكد حريتهم الكاملة وإرادتهم التى منحهم الله إياها...
وإذن... فليس هو المسئول عن مصيرهم....!
إنهم هم الذين أرادوا هذا الطريق الذى ساروه...!
وهم الذين اختاروا هذه الحياة التى فرحوا بها...!
وإذن ما أثرُ الشيطان فى مصيرهم الآن؟.. لماذا يتقدمهم إلى جهنم...؟
وإذا كانوا قد اختاروا... فلم يتبعونه الآن؟
نعم كان للشيطان أثر..... وهو يعترف به.. ولا ينكره...! وإذا أراد فهو لا يستطيع... إنه يوم الصدق وإعطاء الحقوق....!
وها هو ذا يحدد ما عمله...!
**إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي**...!
وإذن فهو لم يجبرهم على الضلال...!
ولم يدفعهم رغمًا عنهم إلى الفساد...!
ولم يقذف بهم على حين غفلة إلى مهاوي الرذيلة والفحشاء....!
لقد اكتفى فقط بالدعوة إليها.... وهم تسارعوا إليه فرحين مستبشرين.. سعداء بما ينالون من لذة سريعة عارضة...!
وإذن لا يحق لهم أن يحملوه نتيجة اختياراتهم...!
ولذا هو يعود إليهم بصفعة قوية جديدة... تزيد مرارتهم علقمًا من نوع خاص...!
**فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ**
إن لوم النفس يزيد من آلامهم... يضاعف من حسرتهم على المصير المرعب الذى سيكون من نصيبهم...!
وحتى لا يومض فى نفوسهم أمل بأن الشيطان قد ينقذهم... ها هو ذا يصفعهم من جديد بما يغلق عليهم كل منافذ النجاة...!
**مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ**
وإنه ليعلن أمامهم الآن حاجته لمن يصرخه...!
أين إذن قوته التى اغتروا بها؟
أين إذن وُعوده التى عاشوا بها ولها؟
أين كل أسلحته الفتاكة.. القوية التى أفزعهم بآثارها؟
وينتهى المشهد الجلل بتقرير يؤكد الحقيقة التى يهرب منها أصحابُ الباطل والفساد...
أن الشيطان يكفر بأتباعه... يتنصل منهم... يسلمهم إلى ماينتظرهم من مصير تشيب لهوله الولدان دون أن يشفق عليهم...
**إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ**
فأنا لم أطلب منكم طاعتى..... وعصيان الله...!
ولم آمركم بتنكب الحق..... واتباع الضلال...!
فأنتم إذن ظلمتم أنفسكم... فاستعدوا إذن لجزاء الظالمين....!
وهذ الجزاء له وقع خاص؛ لأن الذى يعترف به هو الشيطان...!
ويعترف به لأتباعه....!
ويعترف به لهم وهم فى يوم تشخص فيه الأبصار... وترتعب القلوب...!
**إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ** [إبراهيم: 22].
.................................................. ..........................................
منقول
أخوكم / المشفق