فالصائم الحقيقي هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش والغيبة والنميمة وقول الزور وبطنه عن الأكل والشرب وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه نافعا صالحا، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمّها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن من الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، وقد ورد في الحديث عن النبي : ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري، وفي الحديث الآخر: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش)) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
فالصوم الحقيقي إذن: هو صوم الجوارح من الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب، فكما أن الطعام والشراب يقطعه فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم، قال جابر بن عبد الله : (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء).
لهذا كان لابد للصائم من آداب تجب مراعاتها والعمل بها في الصوم والإفطار وإلا لم يكن له من حظ صومه إلا الجوع والعطش.
فمنها غض البصر عما حرم الله من النظر المحرم إلى العورات وإلى النساء سواء كان ذلك في مجلة أو تلفاز أو فيديو لا يجوز للمسلم أن ينظر إلى هذه الصور قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ، ومنها صون السمع عن الإصغاء إلى كل محرم كالغناء والموسيقى لأن الإنسان مسؤول عن سمعه كما هو مسؤول عن بصره فقائل القبيح والمستمع إليه شريكان في الإثم، ومنها حفظ اللسان عن النطق بالفحش والبهتان وقول الزور والخصومة والسب والشتم وأن يلزم الصمت إذا شتمه أحد ليس عجزا عن الأخذ بالثأر ولكن بتبين حاله أنه صائم إشارة إلى أنه لن يقابل من شتمه بالمثل قال : ((الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم)) وغير ذلك من الآداب.