في عصرنا هذا يجب ان يعود معنى الهجرة الى منبعه النبوي
فليست الهجرة هجرا للوطن وقطيعة تاريخية او معرفية معه
بل هي هجرة موصولة بالماضي ، تعمل على تعميق الايمان فيه ،
وتبني قلاعا للايمان في المهجر الجديد
وتصل بين الماضي والمستقبل والحاضر انطلاقاة من درس الهجرة النبوية.
ان الحرية التي تريد ان تتمتع بها في مهجرك،
والثروة التي تريد ان تجمعها ،
وحتى الدعوة التي تريد ان تبلغها – ان كنت ممن اصطفاهم الله للدعوة والبلاغ –
كل هذه تدفعك الى التواصل مع الماضي من جانب،
وتدفعك الى بناء حدائق للايمان يفوح عطرها في وضعك الجديد وبلدك الجديد...من جانب آخر.
ان الهجرة النبوية الاسلامية ، هجرة يقصد بها كسر القيود التي تفرض على الايمان،
وفتح نوافذ أخرى في ارض جديدة
ولا تعني زحفا على البلاد على حساب اهلها
او لتحقيق ثروة ثم الخروج بها
او للاعتماد عليها لقهر اصحاب البلاد الاصليين
وجعلهم مجرد منفذين وادوات لمشروعات وطموحات المهاجرين اليهم
فالهجرة الاسلامية اليوم-الى أي بلد في العالم –
يجب ان تكون هجرة تسعى الى التواصل والتعارف والحب والتحاور
بحيث يشعر كل الناس ان الافراد المسلمين او المجموعات الاسلامية التي تعيش بينهم انها تمثل روحا جديدة
تبني ولا تهدم ، وتزرع الخير ،وتقاوم الشر
ولا تعرف التفرقة في ذلك بين المسلم وغير المسلم
والوطني والوافد
والابيض والاسود
وكل ذلك لن يتحقق الا اذا رأى الناس في المسلم المهاجر اليهم – من خلال اقواله وافعاله ، واسهاماته الخدمية ، وآفاقه المعرفية ، وعبوديته لله -
شخصية متميزة جادة تفعل ما تقول ، وتعيش معهم حياتهم اليومية ، وآمالهم ، وآلامهم ، يفيض منه الخير والنور ، تلقائيا وعفويا ، وكأنه بعض ذاته ، وكأنه مرآة قيمه ، وصدى أخلاقه ، وأثر منهجه في الحياة.
حتى يصل من حوله الى سر هذه الانسانية المتدفقة وهذه الرحمة التي تعم كل انسان بل والحيوان والنبات ايضا
وهذا السر انه حتما يرتشف من نبع الانبياء ويستمد وعيه الحضاري ومشروعه الانساني الرحيم من نبيه وامامه وامام كل المسلمين ، بل وامام الانسانية محمد صلى الله عليه وسلم
ان هذا المعنى للهجرة يجب ان يبقى فوق كل العصور ، لأنه اتصل بنبي الرحمة في كل العصور وكل الامكنة فأصبح بالتالي صالحا لأي مكان وزمان، صلاحية كل حقائق الاسلام الثابتة .
"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية........" متفق عليه
وهذا يعني ان الهجرة بعد مرحلة الهجرة الاولى قد اتخذت بعدا اصطلاحيا جديدا...
ففي البعد الاول كانت الهجرة مرتبطة بمكان هو المدينة ، ولكنها بعد ذلك اصبحت مطلقة من المكان ،
فهي الى أي مكان شريطة ان يكون " الجهاد والنية " هما الهدفين المغروسين في النفس
اللذين يضمنان سلامة الاعمال وارتفاعها على المنافع الاقتصادية او السياسية.
وعندما يستقر هذا المعنى في النفس نستطيع ان نطمئن الى ان المسلمين سينشئون في كل مكان يحلون فيه حديقة جديدة للايمان ، وتاريخا جديدا يبدأ كأشعة الشمس في الصباح ...
ثم ينساب عبر كل زمان منطلقا الى مساحة جديدة في الارض
فلعلّ الارض تتخلص من الغيوم السوداء المتلبدة ...
ولعل الله يُجري على ايدينا وأيدي المستخلفين من بعدنا...نهرا جديدا للإيمان ،
وتاريخا جديدا تتعانق فيه راية الدين مع العلم...
والحق مع القوة....
ويسود العدل الشامل كل مكان.....وما ذلك على الله بعزيز.....