قال الفيلسوف هنري برجسون في كتابه الضحك: المضحك هو شيئا حيا قبل كل شيء فلا مضحك إلا فيما هو إنساني؛ وإذا ضحكنا من حيوان فلأننا لقينا عنده وضع إنسانيا، وقديما انتبه الفلاسفة القدماء إلي هذه الحقيقة البسيطة فعرف كثير منهم الإنسان بأنه حيوان يضحك -بفتح الياء- وكان في وسعهم أن يعرفوه أن حيوان يضحك -بضم الياء-. وقال: لا يمكن للمضحك أن يحدث هزته إلا إذا سقط علي صفحة نفس هادئة تمام الهدوء منبسطة كل الانبساط؛ فاللامبالاة هي وسط المضحك الطبيعي وألد أعدائه الإنفعال. وقال: نحن لا نتذوق الضحك في حالة شعورنا بالعزلة؛ فضحكنا هو أبدا ضحك جماعة.
فإذا ما عرفنا هذا قلنا وبالله التوفيق: أن الضحك صفة أو عرض محمول في النفس؛ فالضحك مخلوق محدث أمره كأمر سائر أمر أفعال العباد مخلوقة قد خلقها الله تعالي خالق كل الأشياء.
والضحك والمضحك والضاحك خلق من خلق الله تعالي قد أكد الله تعالي علي هذا في كتابه الكريم عندما قال: وأنه هو أضحك وأبكي. النجم43. فالموقف المضحك ذاته قد يحدث أو يمر أمام اثنين من الناس؛ فيفرح أحدهم ويضحك؛ ولا يتأثر له الآخر أي تأثر؛ فالأول قد شاء الله أن يضحكه فأضحكه؛ والآخر لم يشأ الله تعالي أن يضحكه فلم يضحك؛ ذلك أن الضحك والبكاء عند الإنسان مرتبط بالفرح والغم؛ فالفرح علامته الضحك والغم علامته البكاء؛ لا يمكن لإنسان أن يضحك إذا كان مهموما مغموما لذا من شاء الله تعالي أن يضحكه أفرحه؛ ومن شاء أن يبكيه أحزنه وأغمه..
وكما قلنا كل إنسان يضحك حتي الطفل الرضيع يفعل حتي الروح تضحك نعم إن الروح وهي خارج الجسد تضحك..
الروح تضحك
ودليله قوله صلي الله عليه وسلم: فرج سقف بيتي وأنا بمكة؛ فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلي السماء الدنيا؛ فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح.
قال: من هذا؟
قال: هذا جبريل..
قال: هل معك أحد؟
قال: نعم معي محمد.
قال: فأرسل إليه.
قال: نعم. ففتح فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة -جمع غفير- وعن يساره أسودة؛ فإذا نظر قبل يمينه ضحك؛ وإذا نظر قبل شماله بكي.
فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح.
قلت: يا جبريل من هذا؟!
قال: هذا آدم؛ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه؛ فأهل اليمين أهل الجنة؛ والأسودة التي عن شماله أهل النار؛ فإذا نظر قبل يمينه ضحك؛ وإذا نظر قبل شماله بكي. (خرجه السيوطي عن أبي ذر وصححه الألباني)
فالذي رآه الرسول في السماء الأولي كان روح آدم عليهما الصلاة والسلام؛ فجسد آدم مدفون في التراب بلا شك؛ فصح أن الذي عن يمينه فيضحك؛ وينظر عن شماله فيبكي هو روح آدم؛ والله تعالي أعلي وأعلم..
فكل الناس يضحكون مهما كان فكرهم أو جنسهم أو مستوي ذكائهم فالضحك صفة إنسانية. ولكن قد تختلف دوافع الضحك من إنسان إلي آخر؛ ومن موقف إلي آخر لذا تعالي ما يضحك الصالحين والأنبياء؛ ونري ما يضحك المجرمين والمغرورين من بني آدم
من كتاب الضحك في الإسلام. بقلم: إسماعيل مرسي أحمد