الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
إن من أهم قواعد الرقية الشرعية هو ( زرع الثقة في نفسية المرضى ) لا وتحت هذا العنوان فقد ذكرت كلاماً مطولاً في كتابي الموسوم ( القواعد المثلى لعلاج الصرع والسحر والعين بالرقى ) ما نصه :
ولا بد للمعالِج من أن يقف وقفة صادقة مع المرضى لزرع الثقة في نفوسهم ومواساتهم ويكون ذلك بالأمور التالية :
أ)- شحذ همة المريض وتقوية عزيمته وذلك بالدعاء له بالأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول : ( لا بأس طهور إن شاء الله ) 0
هذا وقد وقفت على حديث ضعيف بخصوص هذه المسألة إلا أن معناه صحيح ، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل ، فإن ذلك لا يرد شيئا 00 وهو يطيب نفس المريض ) ( أخرجه الترمذي في سننه - كتاب الطب ( 34 ) - برقم ( 2183 ) ، وابن ماجة في سننه – كتاب الجنائز ( 1 ) – برقم ( 1438 ) ، وقال الألباني حديث ضعيف جدا ، أنظر ضعيف الجامع 488 ، ضعيف الترمذي 367 ، ضعيف ابن ماجة 303 – السلسلة الضعيفة 182 – المشكاة 1572 – وقد ذكره ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " - برقم 1459 ) 0
قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( وفي سنده موسى بن إبراهيم التيمي ، وهو منكر الحديث ، ولكن معناه صحيح 0
التنفيس : التفريج ، ويكون بالدعاء بطول العمر أو بنحو : يشفيك الله تعالى ) ( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 277 ) 0
قلت : والحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أشار لذلك علماء الحديث ، إلا أن المعنى العام الذي يشير إليه صحيح ، فقد أكدت النصوص الحديثية على مدى الترابط والتراحم فيما بين المسلمين في أكثر من موضع ، ومثل ذلك التراحم يحتم على المسلم أن يقف مع أخيه المسلم وقفة صادقة في أي محنة أو مصيبة أو ابتلاء ، والمريض أحوج ما يكون في هذا الوقت بالذات لتعليمات وتوجيهات وإرشادات المعالِج ، وهذا بذاته فيه تقوية لعزيمته وشحذ لهمته والوقوف معه والأخذ بيده ، وكل ذلك يشعره بالطمأنينة والراحة والسكينة ، فتكون تلك الوقفة بمثابة تسلية له فيما أصيب به من عناء ومشقة وتعب ، ويكون لها أثر كبير على نفسيته فتساعد على دفع العلة أو تخفيفها ، وهذه غاية ما يسعى له المعالِج 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المريض عن شكواه ويدعو له ويصف له ما ينفعه في علته ، وكان يقول للمريض : " لا بأس عليك طهور إن شاء الله تعالى " " أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المرضى ( 14 ) – برقم ( 5662 ) – أنظر فتح الباري – 10 / 121 " ) ( فتح الحق المبين – ص 159 ) 0
قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( المعالجة النفسية مهمة للمريض 00 كالمعالجة الدوائية أو أكثر منها ، وغايتها تقوية ثقة المريض بنفسه 00 وبقدرته على التغلب على محنته بمعونة الله سبحانه وتعالى فتنضم قواه النفسية إلى قواه البدنية ، ويتغلب بمشيئة الله تعالى على مرضه ، فيكون شفاؤه أسرع إذا كان الله سبحانه وتعالى مقدرا له ذلك ) ( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 277 ) 0
ب)- إدخال السرور على قلب المريض وذلك بالبشاشة والكلمة الطيبة والطرفة الخفيفة التي يكون لها وقع وأثر طيب على نفسه 0
ج)- تذكيره بالأجر العظيم والثواب الجزيل الذي أعده الله سبحانه وتعالى له ، وكل ذلك يقوي من عزيمته ، كما ثبت من حديث أم العلاء - رضي الله عنها – حيث قالت : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة ، فقال : ( أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه 00 كما تذهب النار خبث الذهب والفضه ) ( صحيح الجامع 37 ) 0
د)- أن يغرس المعالِج في نفسية المريض الصبر والاحتساب 0
هـ)- أن يزرع في نفسه التعلق بالله سبحانه وتعالى وحده دون سائر الخلق 0
يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : ( ومن صفات الراقي أن يكون معلقا للمرقي بالله جل وعلا ، فلا يعلق المريض بالذي يرقيه ويضع الراقي من نفسه وحاله من العظمة ويحدث بأنه شفى فلان وعافى فلان فيعظم نفسه ) ( مجلة الدعوة – صفحة 22 – العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ ) 0
و)- قرب المعالِج من المريض خاصة في تلك اللحظات ، ومن هنا كان الواجب يحتم عليه أن يُذكّره بالله وبمراجعة النفس بأسلوب طيب محبب إلى النفس 0
ز)- تذكير المريض بالله سبحانه وتعالى وأن الشفاء بيده وحده 0
قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( على الراقي أن يبث في وجدان المريض أن الله يبسط رحمته لمن التجأ إليه واستعان به وطلب العون منه ، وأن المرض قد يكون كفارة ، وقد يرفع الله به المريض درجات عنده ، وأن الاستغاثة بالله دليل على عمق الإيمان برحمته 0 وقد جاء في شرح صحيح البخاري : أن الرقى بالمعوذات – وهي قل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس – وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب ال****** ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى 0 والراقي بمثابة الطبيب 00 إذا دخل على المريض يجب أن يبشره بالشفاء وأن يغرس في نفسه الأمل وأن يزيل عنه شبح اليأس والقنوط 0 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً 00 يمسح عليه ويدعو له قائلا : " أذهب الباس0 رب الناس0 واشف أنت الشافي 0 لا شفاء إلا شفاؤك 0 شفاء لا يغادر سقما " " متفق عليه " ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء – ص 36 – 37 ) 0
قال الشيخ عبدالله السدحان تحت عنوان " تنظيم حياة المريض " : ( ما أجمل أن يعيد الراقي تنظيم حياة المريض وأن يرسل نظرة نافذة إلى حياته حتى يتعرف على عيوبها وآفاتها، ويرسم البرنامج العلاجي الإصلاحي لها ، ويربطه بخالقه معيدا كل شيء إلى وضعه الصحيح 0 إن حياة هذا المريض تستحق مثل هذا الجهد المثمر ، فتعاهد شؤونه بين الحين والحين ، وتعيده إلى توازنه كلما عصفت به الأزمات حتى لا يصبح نهبا لصنوف الشهوات وضروب المغريات، وهذه الجرعة تحيي الأمل في النفوس اليائسة، وتنهض العزيمة إلى التوبة الصادقة ، وهي توبة يفرح لها المولى – عز وجل- لانتصار الإنسان على نفسه وشيطانه ) ( قواعد الرقية الشرعية - ص 16 - 17 ) 0
يقول الأستاذ ماهر كوسا : ( أن يكون له أسلوب جيد- يعني المعالج - في الموعظة الحسنة بما يرضي الله تعالى ، وأن يبدأ بمعالجة روح المريض ويقويه على هذا البلاء موضحاً له أنه أقوى من الجن إذا لجأ إلى الله معلماً إياه أذكار الصباح والمساء حاثاً له على الصلاة وبالذات مع جماعة المسلمين ناصحاً بحجاب المرأة حسب أمر الله ) ( فيض القرآن في علاج المسحور – ص 38 ) 0
وبالجملة فلا بد من مراعاة المعالج للجانب النفسي الخاص بالمرضى وتوخي الرفق والأناة في التعامل معهم بشكل عام ، وكذلك مراعاة مشاعرهم والدقة في اختيار الكلمات ووزنها من الناحية الشرعية والخلقية ، والمفترض أن يكون المعالج بشوشاً صادقاً في تعامله وفي حركاته وسكناته 0
يقول الأستاذ سعيد العظيم : ( لا بد من الرفق مع الناس عامة ومع المرضى بصفة خاصة ؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ، وربنا رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره ، والرحمة بذوي العاهات ، والشفقة بالمرضى مطلوبة ومشروعة ؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن 0 " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وإذا كان في كل ذي كبد رطبة أجر ، وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها : لا هي أطعمتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وعلى العكس ، دخلت بغي الجنة في كلب سقته ؛ فشكر الله لها صنيعها ، وإذا كان الكافر يرحم بالرحمة العامة ؛ فيطعم من جوع ويسقى من عطش ويداوي من مرض – طالما أنه ليس محارباً – فكيف بالمسلم إذا مرض 0
لا شك أنه ينبغي عيادته واللطف به والشفقة عليه وقضاء حاجته والسعي في إراحته ، وهذا كله متأكد مع أصحاب الأمراض النفسية العصبية ، وقد لوحظ أن الناس بينما قد يتمثلون هذه الأوامر مع المريض طريح الفراش ، إلا أنهم على العكس والنقيض ، سرعان ما تضيق صدورهم بالمريض النفسي والعصبي، ويستهزءون ويستخفون به ، ويعنفونه وقد يضربونه ، ويهملونه ويحبسونه 000 إلى غير ذلك من التصرفات التي من شأنها أن تُمرض الصحيح ، وأن تزيد حالة المرض حدة ، وقد يكون الدافع لهذه التصرفات هو الجهل بحالة الشخص وطبيعة مرضه وخصوصاً وهو يراه عاملاً متزناً في جوانب أخر كما في حالات الوسوسة وانفصام الشخصية مثلاً 0
وقد يكون الدافع هو الجهل بسوء عاقبة هذا التصرف والسلوك ، وأننا بذلك ندخل المريض في دوامة لا تنتهي ، ونجري عليه أحكاماً ليس هو من أهلها ، ونخاطبه مخاطبة من يعقل وقد لا يكون كذلك 0
إن المريض النفسي العصبي لا يقل في احتياجه الشفقة والرفق والرحمة عن مرضى الانفلونزا والروماتيزم والسرطان 000 فاتقوا الله في عباد الله ، ولا تفرح في بلوى أخيك فيعافيه الله ويبتليك ، والرفق به سواء كنت قريباً أو صديقاً أو طبيباً معالجاً : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ " " سورة البقرة – الآية 281 " ) ( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 120 – 121 ) 0
وأختم هذا الموضوع بكلام جميل للأستاذ " محمد بن محمد عبد الهادي لافي " تحت عنوان ( الرقية وأثرها النفسي والعقائدي على المريض ) حيث يقول :
( إن الإسلام جاء ليحرر العقول من الضلال والخرافات والأوهام فحرَّم السحر والكهانة واللجوء إلى أصحابها ، وحرم الرقى التي لا تتلائم مع روح الشريعة 0 وكما أمر بالتداوي بالأدوية الحسية 0 والأخذ بالأسباب العلمية 0 فإنه رغَّب بمشاركتها بالأدوية المعنوية والروحية من أدعية ورقى بكلام الله العزيز وبأسمائه الحسنى 0
وفيها يتذكر المريض خالقه ، وتبقى عقيدة التوحيد خالصة لله تعالى 0 وتظل نفس المريض هادئة مطمئنة لتوكله والتجائه إلى الله 0 فيقوى صبره ورضاه بقدر الله ، وتختفي الأعراض النفسية 0 وقد تستخدم الرقية في معالجة ألم أو مرض جسدي ولو تعذر هذا الشفاء فهي تطمئن المريض لأن المخاوف الناتجة عن الألم تسبب زيادة في التشنجات المسببة للألم ، وقد تؤدي إلى اضطراب نفسي ، فالإسلام أباح الرقية المتلائمة مع الشرع الحنيف ولم يهمل الأدوية المادية 0 ولا شك بأن الأدوية الروحية ( الإلهية ) لها أهميتها لدعم الأدوية المادية ) ( عالج نفسك بنفسك – ص 17 ) 0
سائلاً المولى عز وجل أن يحفظ المسلمين من شياطين الإنس والجن ، وأن يوفقنا للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إنه سميع مجيب الدعاء 0 وتقبلوا تحيات :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0