عنترة بن شداد ، غني عن التعريف
واعتقد ان هذا غاية ما كان يتمناه عنترة ، أن يصبح غنيا عن التعريف
إن معاناة عنترة في حياته لم تكن بسبب حب عبلة
وانما كانت بسبب عبوديته ، أو أمه ( الأمة )
وكان بسبب رفض والده له وانكاره ، فلم يلحقه بنسبه رغم ان الأب كان من أشراف القوم
كانت العرب كثيرا ما تعيره بالسواد والذي يدل على العبودية :
لئن أك أسودا فالمسك لوني وما لسواد جلدي من دواء
ولكن تبعد الفحشاء عني كبعد الارض عن جو السماء
وما عاب الزمان عليّ لوني ولا حط السواد رفيع قدري
سموت الى العلا وعلوت حتى رأيت النجم تحتي وهو يجري
سوادي بياض حين تبدو شمائلي وفعلي على الانساب يزهو ويفخر
ألا فليعش جاري عزيزا وينثني عدوي ذليلا نادما يتحسر
ما زلت انصف خصمي وهو يظلمني حتى غدا من حسامي غير منتصف
وان يعيبوا سوادا قد كسيت به فالدر يستره ثوب من الصدف
الا يا عبل قد عاينت فعلي وبان لك الضلال من الرشاد
فإن ابصرت مثلي فاهجريني ولا يلحقك عار من سوادي
والا فاذكري طعني وضربي اذا ما لج قومك في بعادي
اتصف عنترة بسمو الاخلاق والشجاعة الخارقة في الحروب
وما كان هذا الا ليبني له اسما وحضورا بين قومه الذين لم يعطوه قدرا بسبب لونه الأسود
وما كان منه الا ان يثبت شخصيته بسيفه وقتاله
وفي هذا مثال قديم على كيف يصنع الانسان نفسه رغم أي شيء
وقد تمسك بحبه لعبلة التي كانت أجمل نساء قومها واشرفهن نسبا
ونجد ربطا كبيرا بين وصفه العفيف للحب والشوق وبين وصفه لأدائه في الحروب الحامية الوطيس
وكأنما يجدد تأكيده لأهميته واستحقاقه لعبلة على ضوء مهارته في الحروب
وبرغم ان مهارته وشجاعته وعظمته الشعرية لا شك فيها ، الاّ انه من المؤكد ان جزءا كبيرا من أشعاره يستند الى التضخيم وبعض الخيال
فهل كانت قصة حبه لعبلة مجرد خيال صدّقه ليقوي به وجوده في أذهان الناس الذين كانوا يعتبرونه بلا اهمية
ويقوي به حضوره الذي أنكره والده ؟
وضرب وطعن تحت ظل عجاجة كجنح الدجى من وقع ايدي السلاهب
تطير رؤوس القوم تحت ظلامها وتنقض فيها كالنجوم الثواقب
سلي يا عبل عنا يوم زرنا قبائل عامر وبني كلاب
وكم من فارس خليت ملقى خضيب الراحتين بلا خضاب
يحرك رجله رعبا وفيه سنان الرمح يلمع كالشهاب
قتلنا منهم مائتين حرا والفا في الشعاب وفي الهضاب
ثم ان عنترة كان ساذجا صريحا مباشرا في تعبيره عن مشاعره وشكواه من قومه
الا يا عبل قد زاد التصابي ولجّ اليوم قومك في عذابي
وظل هواك ينمو كل يوم كما ينمو مشيبي في شبابي
عتبت صروف دهري فيك حتى فني وابيك عمري في العتاب
ولاقيت العدا وحفظت قوما أضاعوني ولم يرعوا جنابي
وهنا تعبير صريح جدا انه يرغب ان ينال منها الاعجاب في فروسيته
دعني أجدّ الى العلياء في الطلب وابلغ الغاية القصوى من الرتب
لعل عبلة تضحي وهي راضية على سوادي وتمحو صورة الغضب
يا عبل قومي انظري فعلي ولا تسلي عني الكذوب الذي ينبيك بالكذب
وهنا فخر يبدو نوع من الخيال
لقد قالت عبيلة اذ رأتني ومفرق لمتي مثل الشعاع
الا لله درك من شجاع تذل لهوله اسد البقاع
فقلت لها سلي الابطال عني اذا ما فر مرتاع القراع
انا العبد الذي سعدي وجدي يفوق على السهى في الارتفاع
نوع أيضا من المازوشية واستعذاب الالم يظهر جليا في أبياته
عذابك يا ابنة السادات سهل وجور ابيك انصاف وعدل
فجوروا واطلبوا قتلي وظلمي وتعذيبي فإني لا أمل
ولا اسلو ولا اشفي الاعادي فساداتي لهم فخر وفضل
ليعود ويشكو ظلم قومه له
اذا فاض دمعي واستهل على خدي وجاذبني شوقي الى العلم السعدي
اذكّر قومي ظلمهم لي وبغيهم وقلة انصافي على القرب والبعد
بنيت لهم بالسيف مجدا مشيدا فلما تناهى مجدهم هدموا مجدي
يعيبون لوني بالسواد وانما فعالهم بالخبث اسود من جلدي
وقد حدث ان هرب مالك بابنته عبله من وجه عنترة
فقال واصفا فراقها
لحى الله الفراق ولا رعاه فكم قد شك قلبي بالنبال
أقاتل كل جبار عنيد ويقتلني الفراق بلا قتال
ثم يعود ويغضب ويدعي نسيانها
سلا القلب عما كان يهوى ويطلب واصبح لا يشكو ولا يتعتب
صحا بعد نوم وانتخى بعد ذلة وقلب الذي يهوى يتقلب
الى كم اداري من تريد مذلتي وابذل جهدي في رضاها وتغضب
ثم على ما يبدو ان العرب مختلفين في اسمه ( عنترة ) والذي يعني ضارب الذئاب الشجاع في الحروب
هل كان اسما ام لقبا يلقب به نفسه
يتضح جليا لي ان معاناة عنترة بن شداد كانت أساسا في عقدته الاجتماعية التي جاءت من طرف أمه والتي عمّقها انكار والده لوجوده فترة طويلة من حياته ، والتي رسّخها طريقة واسلوب قومه في التعامل معه
وما كان من مشاعر قد يكون يرجوها او يتخيلها نظرا للشدة والشظف وما عانى منه في نشأته
ونظرا لما كان يملكه من براعة في الشعر والتصوير والخيال
وان عقدته تلك كانت وراء جسارته وجرأته وشجاعته في الحروب
وما ينتج عن هذه العقدة من شعور بالاضطهاد والدونية احيانا ، وتعظيم حب الذات والافتخار بها طالما لم يهتم بذاته أحد
وكذا التقلب والتلون في المشاعر من حال الى حال تبعا لما توحيه الاحداث من انفعالات نفسية متحولة
هذا وتغلب على المحرومين من الرعاية الصحيحة من طرف الاب والام هذه المشاعر المتضاربة
وتجعلهم مشدودين الى حب وهمي ، يخلقون فيه ما لم يحصلوا عليه من مشاعر حب واهتمام
بحيث يبدو لهم ان الحياة كلها تدور حول هذا الفلك
أحببت ان أوضح هذه الأمور حتى نتخلص من قصة عنترة وعبلة ، اذ ربما حشونا دماغنا بأوهام لم تكن موجودة يوما على وجه الأرض
فالقصة قصة عنترة فقط ...بدون واو العطف