ذكر نماذج من عذاب النار
أعاذنا الله والمسلمين منها
الحمد لله مستحق الحمد وأهله المجازي خلقه جزاء دائراً بين عدله وفضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعي هديه وسلم تسليماً.
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( ) اتقوا ذلك بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا اتقوا النار فإنها دار البوار والبؤس ودار الشقاء والعذاب الشديد، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم قال الله تعالى لإبليس قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ( ) دار فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم، ولئن سألتم عن مكانها فإنها في أسفل السافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين، طعام أهلها الزقوم وهو شجر خبيث مر المطعم كريه المنظر لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ( ) .
وفي الحديث عن النبي قال: «اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم» رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
هذا طعامهم إذا جاعوا فإذا أكلوا منها التهبت أكبادهم عطشاً وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ( ) وهو الرصاص المذاب يشوي وجوههم حتى تتساقط لحومها فإذا شربوه على كره وضرورة قطع أمعاءهم ومزق جلودهم، هذا شرابهم كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه يضطر شاربه إلى شربه اضطراراً يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ( ) أما لباسهم فلباس الشر والعار: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ( ) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ( ) فلا يقيهم هذا اللباس حرّ جهنم وإنما يزيدها اشتعالا وحرارة ولا يستطيعون أن يقوا به وهج النار وحرها عن وجوهم يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ( ) عباد الله اتقوا النار فإن حرها شديد قد ضوعفت على نار الدنيا كلها بتسع وستين جزءاً يصلاها المجرمون فتنضج جلودهم قال الله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا( ).
يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ( ) عذابهم فيها دائم لا يفتر عنهم وهم فيها مبلسون، يتكرر عليهم فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يجابون، يقولون لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ( ) فتقول الملائكة لهم قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ( ) فلن يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله تعالى فكان الجزاء من جنس العمل قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ( ) فيقول الله لهم على وجه الإهانة والإذلال: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ( ) فحينئذ ييأسون من كل خير ويعلمون أنهم فيها خالدون فيزدادون بؤساً إلى بؤسهم وحسرة إلى حسرتهم. كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ( ) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا( ).
عباد الله اتقوا النار فإن قعرها بعيد وأخذها شديد قال أبو هريرة : كنا عند النبي فسمعنا وجبة أي صوت شيء وقع فقال النبي : «أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً -أي سنة- فالآن حين انتهى إلى قعرها» رواه مسلم إذا رأت أهلها مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا( ) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ( ) أي تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها فهي دار حانقة غاضبة على أهلها وهم في جوفها فما ظنك أن تفعل بهم؟
عباد الله اتقوا النار احذروا أن تكونوا من أهلها ولقد بين الله لكم صفات أهل النار وصفات أهل الجنة جملة وتفصيلاً لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى( ).
اللهم إنا نسألك النجاة من النار والفوز بدار القرار( ) وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
*****
وصف جنات النعيم التي وعد المتقون: والطريق
الموصل إليها( )
قال الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*( )، وقال قال الله تعالى: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»( ) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ) قال ابن القيم رحمه الله: وكيف يُقْدَرُ قَدْرُ دار غرسها الله بيده، وجعلها مقرًّا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه.. ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.
فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران.. وان سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر( ) وإن سألت عن حصبائها فهي اللؤلؤ والجوهر.. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب.. وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل.. وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.. وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون.. وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور، وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.. وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها.. وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها، وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام.. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام.. وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار.. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار.. وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق مفروشة في أعلى الرتب.. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لا من فروج ولا خلال.. وإن سألت عن أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر.. وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر، «طوله ستون ذراعاً بعرض سبعة أذرع» كما ورد في الحديث( ) وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما خطاب رب العالمين.. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب أنشأها الله بما شاء تسير بهم حيث شاءوا من الجنان.. وإن سألت عن حليهم وأساورتهم فأساور الذهب واللؤلؤ وعلى الرءوس ملابس التيجان.. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.. وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، ثم ذكر أوصاف الحور العين، ثم ذكر زيارة أهل الجنة لربهم العزيز الحميد، ورؤية وجهه الكريم، كما ترى الشمس والقمر، وسلامه عليهم وتنعمهم برؤيته وفوزهم برضاه الذي هو أكبر من نعيم الجنة وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( ) (الطريق الموصل إلى الجنة).
لما ذكر الوصاف التي ذكرها الله ورسوله فيمن يستحق الجنة: قال: وهذا في القرآن كثير مداره على ثلاث قواعد إيمان وتقوى وعمل صالح خالص لله تعالى على موافقة السنة فأهل هذه الأصول هم أهل هذه البشرى دون من عداهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه.. وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون.. وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقة الرب في محابه ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرًا وباطناً برسول الله .. وأما الأعمال التي هي تفاصيل هذا الأصل فهي بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله.. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وبين هاتين الشعبتين سائر الشعب التي مرجعها تصديق الرسول في كل ما أخبر به وطاعته في جميع ما أمر به وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
*****