موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر العقيدة والتوحيد

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 28-09-2024, 02:51 PM   #1
معلومات العضو
عبدالله الأحد

افتراضي التوسل المشروع والممنوع

التوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة


إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].



أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وأحسن الهَدْي هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



معنى الوسيلة لغةً وشرعًا:

الوسيلة لغة: القُربة والطاعة، وما يتوصل به إلى الشيء ويُتقرَّب به إليه.

يقال: وسَّل فلانٌ إلى الله تعالى توسيلًا: عمِل عملًا تقرب به إليه، ويقال: وسَلَ فلانٌ إلى الله تعالى بالعمل يَسِلُ وَسْلًا وتوسُّلًا وتوسيلًا: رغِب وتقرَّب إليه؛ أي: عمل عملًا تقرب به إليه[1].

قال الراغب الأصفهاني: "الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة؛ لتضمُّنها معنى الرغبة، قال تعالى: ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاةُ سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسِلُ: الراغب إلى الله تعالى"[2]، ومعنى قوله تعالى: ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]؛ أي: تقرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه[3].



1- التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالإيمان به وبوَحْيه، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم واتِّباعه:

قال تعالى عن المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 53].

وأيضًا: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193].

وقولهم كذلك: ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109].



ومن أمثلة التوسل بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر:

قوله تعالى عن الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 8، 9].

وعن فَضَالَةَ بنِ عُبَيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم مَن آمن بك وشهِد أني رسولك، فحبِّب إليه لقاءك، وسهِّل عليه قضاءك، وأقلِلْ له من الدنيا، ومَن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا))[4].

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفِرْ لي ما قدَّمتُ وأخَّرتُ، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنتَ))[5].



2- التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته:

لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180].

وفيما يتعلَّق بالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، يقول ابن القيم رحمه الله عن فاتحة الكتاب:

"ولَمَّا كان سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم أجلَّ المطالب، ونَيْلُه أشرفَ المواهب، علَّم الله عباده كيفية سؤاله، وأمَرهم أن يقدِّموا بين يديه حمدَه والثناءَ عليه وتمجيده، ثم ذِكْر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتانِ وسيلتان إلى مطلوبهم؛ توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُرَدُّ معهما دعاء".



ويؤيد الوسيلتين المذكورتين ما جاء في حديثَي الاسم الأعظم، اللذينِ رواهما ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد والترمذي:

أحدهما: حديث عبدالله بن بُريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو ويقول:...، وساق الحديث، ثم قال: "ففيه توسُّل إلى الله بتوحيده، وشهادة الداعي به بالوحدانية، وثبوت صفاته المدلول عليها باسم الصمد، وهو كما قال ابن عباس: العالم الذي كمُل علمُه، القادرُ الذي كمُلَت قدرته، وفي رواية عنه: هو السيد الذي كمل سُؤْدده، وقال سعيد بن جبير: هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله، وبنفي التشبيه والتمثيل، بقوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، وهذه عقيدة أهل السنة، والتوسل بالإيمان بذلك والشهادة به هو اسم الله الأعظم.



الثاني: حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو...، وساق الحديث، ثم قال: وفيه توسُّل بأسمائه وصفاته.



وقد جمعَتْ فاتحة الكتاب الوسيلتين؛ وهما: التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب، وأنجع الرغائب، وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة.



ونظير هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به إذا قام يُصلِّي مِن الليل، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تهجَّد من الليل قال: ((اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومَن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلت، وإليك أَنَبْتُ، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدَّمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنتَ))، فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه، وبعبوديته له، ثم سأله المغفرة"؛ اهـ[6].



(3) التوسل إلى الله تعالى بالعملِ الصالح الذي قام به الداعي:

عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خرج ثلاثة نفرٍ يمشون فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطَّت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عملٍ عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوانِ شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي به أبويَّ فيشربان، ثم أسقي الصِّبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرِهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغَون عند رِجْلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُجْ عنا فُرْجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم، وقال الآخر: اللهم إن كنتَ تعلمُ أني كنتُ أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيتُ فيها حتى جمعتُها، فلما قعدت بين رجلَيْها، قالت: اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُجْ عنا فُرْجة، قال: ففرج عنهم الثلثين، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفَرَقٍ من ذُرَةٍ فأعطيتُه، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدتُ إلى ذلك الفَرَقِ فزرعته، حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبدالله، أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها، فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلتُ: ما أستهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُجْ عنا، فكُشِفَ عنهم))[7].



4- التوسل بدعاء الرجل الصالح أو المرأة الصالحة "الحاضر الحي":

قال تعالى عن أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم بعد ما فعلوه بيوسف عليه السلام: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 97، 98]

وعن أُسَيرِ بن جابر رضي الله عنه، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن، سألهم: أفيكم أُوَيس بنُ عامر؟ حتى أتى على أُوَيس، فقال: أنت أُوَيس بن عامر؟ قال: نَعَم، قال: مِن مراد، ثم مِن قَرَنٍ؟ قال: نعم، قال: فكان بك برصٌ، فبرأتَ منه، إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أُوَيس بن عامر مع أمدادِ أهل اليمن، من مرادٍ، ثم من قَرَنٍ، كان به برص، فبرأ منه، إلا موضع درهم، له والدةٌ، هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه؛ فإن استطعتَ أن يستغفر لك، فافعَلْ))، فاستغفِرْ لي، فاستغفَر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غَبْراءِ الناس أحب إليَّ، قال: فلما كان من العام المقبل، حجَّ رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، قال: تركته رث البيت، قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أُوَيس بن عامر مع أمدادِ أهل اليمن، من مرادٍ، ثم من قَرَنٍ، كان به برص، فبرأ منه، إلا موضع درهم، له والدةٌ، هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه؛ فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعَلْ))، فأتى أُويسًا، فقال: استغفِرْ لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفِرْ لي، قال: استغفِرْ لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح، فاستغفِرْ لي، قال: لقيتَ عمر؟ قال: نعم، فاستغفَر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه[8].



وأيضًا طلبُ أم الدرداء من زوج ابنتها في حال سفره للحج بأن يدعو لها ولزوجها بخير؛ ففي صحيح مسلم عن صفوان - وهو ابن عبدالله بن صفوان - وكانت تحته الدرداء، قال: قدمتُ الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزلِه، فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادعُ الله لنا بخير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه مَلَك موكَّل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملَك الموكل به: آمين، ولك بمثل))[9].



وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قيل له: إن إخوانك أَتَوْكَ من البصرة - وهو يومئذٍ بالزاوية - لتدعوَ الله لهم، قال: اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، فاستزادوه فقال مثلها، فقال: إن أوتيتم هذا، فقد أوتيتم خير الدنيا والآخرة[10].



• حكم التوسل بالأموات من الأنبياء عليهم السلام والصالحين، وسؤال الله تعالى بجاهِ النبي صلى الله عليه وسلم أو القَسَم عليه بأحد مخلوقاته:

سئل فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ما حكم التوسل بسيد الأنبياء، وهل هناك أدلة على تحريمه؟

فأجاب رحمه الله فقال: التوسُّل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيلٌ، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والإخلاص لله في العبادة، فهذا هو الإسلام، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلَّف، وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة، أما التوسل بدعائه، والاستغاثة به، وطلبه النصر على الأعداء، والشفاء للمرضى، فهذا هو الشِّرك الأكبر، وهو دين أبي جهل وأشباهِه من عبدة الأوثان، وهكذا فعلُ ذلك مع غيره من الأنبياء، أو الأولياء، أو الجن، أو الملائكة، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأصنام.



وهناك نوعٌ ثالث يسمى التوسل، وهو التوسل بجاهه أو بحقه أو بذاته، مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا ألله بنبيك، أو جاه نبيك، أو حق نبيك، أو جاه الأنبياء، أو حق الأنبياء، أو حق الأولياء، أو جاه الأولياء والصالحين، وأمثال ذلك، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك، ولا يجوز فعله، ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية؛ لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهَّر.



وأما توسل الأعمى به في حياته صلى الله عليه وسلم، (فهو توسل به) ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه، وليس توسلًا بالذات أو الجاه والحق، كما يُعلم ذلك من سياق الحديث[11]، وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث، وقد بسط الكلام في ذلك شيخُ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة، ومنها كتابه المسمى "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة"، وهو كتاب مفيد جدير بالاطلاع عليه والاستفادة منه، وهذا الحكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأحياء، كأن تقول لأخيك أو أبيك أو مَن تظن فيه الخير: ادعُ الله لي أن يشفيَني من مَرَضِي، أو يرد عليَّ بصري، أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك، بإجماع أهل العلم، والله ولي التوفيق[12].



وأقول: وهذا ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: "اللهم إنَّا كنا نتوسَّل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا"، قال: فيُسقون[13].



5- التوسل إلى الله بحال الداعي:

قال تعالى عن نبيِّه زكريا عليه السلام: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 3 - 7].



يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾؛ أي: وَهَى وضعُف، وإذا ضعُف العظم الذي هو عماد البدن، ضعُف غيرُه، ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾؛ لأن الشيب دليل الضعف والكِبَر، ورسولُ الموت ورائده ونذيره، فتوسَّل إلى الله تعالى بضعفه وعجزه، وهذا مِن أحب الوسائل إلى الله؛ لأنه يدل على التبرِّي من الحَوْل والقوة، وتعلُّق القلب بحول الله وقوته[14].



• وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].

يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: ﴿ فَقَالَ ﴾ في تلك الحالة، مسترزقًا ربه: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]؛ أي: إني مفتقرٌ للخير الذي تسوقه إليَّ وتُيسِّره لي، وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يَزَلْ في هذه الحالة داعيًا ربَّه متملقًا[15].



• وتوسل نبي الله يوسف عله السلام بالافتقار إلى الله؛ ليصرفَ عنه كيد امرأة العزيز: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف: 33، 34].

يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: "وهذا يدل على أن النسوة جعلنَ يُشِرْنَ على يوسف في مطاوعةِ سيِّدتِه، وجعلن يَكِدْنَه في ذلك، فاستحبَّ السجن والعذاب الدنيويَّ على لذَّةٍ حاضرة توجب العذاب الشديد، ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾؛ أي: أَمِلْ إليهن؛ فإني ضعيفٌ عاجز إن لم تدفَعْ عني السوء"[16].



وتوسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه يوم بدر وغيره، وسيأتي بيانه معنا.



6- التوسل إلى الله تعالى بسابق إحسانه:

قال تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام: ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 1 - 7].



يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: "﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾؛ أي: لم تكن يا رب تردُّني خائبًا ولا محرومًا من الإجابة، بل لم تزل بي حفيًّا، ولدعائي مجيبًا، ولم تزل ألطافك تتوالى عليَّ، وإحسانك واصلًا إليَّ، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن سابقًا، أن يتمم إحسانه لاحقًا"[17].



وقوله تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].



يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: "لَمَّا أتمَّ الله ليوسفَ ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينَه بأبويه وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرًّا بنعمة الله شاكرًا لها، داعيًا بالثبات على الإسلام: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾؛ وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها، ووزيرًا كبيرًا للملك، ﴿ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾؛ أي: مِن تأويل أحاديث الكتب المنزَّلة، وتأويل الرؤيا، وغير ذلك من العلم، ﴿ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ﴾؛ أي: أَدِمْ عليَّ الإسلام وثبِّتْني عليه حتى تتوفاني عليه، ولم يكن هذا دعاءً باستعجال الموت، ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ من الأنبياء الأبرار، والأصفياء الأخيار"[18].



ومن هذا أيضًا قوله تعالى عن أُولي الألباب الراسخين في العلم: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].



يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله في "ظلال القرآن": "ومِن ثَمَّ يتَّجِه المؤمنون إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾، وينادون رحمة الله التي أدركتهم مرة بالهدى بعد الضلال، ووهبَتْهم هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء: ﴿ وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾، وهم بوحي إيمانهم يعرِفون أنهم لا يقدِرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته، وأنهم لا يملكون قلوبَهم؛ فهي في يد الله، فيتَّجِهون إليه بالدعاء أن يمدَّهم بالعون والنجاة".



ومن أراد المزيد من البيان في مسألة "التوسل" وبيان حالات التوسل المشروع وَفْق الكتاب والسنة كما بيَّنا بحمد الله تعالى، والتوسل البدعي والشركي - أعاذنا الله بفضله علينا منه - فليُراجِع هذه المسألة في كتاب "التوسل"؛ للإمام العلامة الألباني والعلامة ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.


[1] انظر: النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير (5/ 185)، والقاموس المحيط (ص: 1379)، والمصباح المنير (ص: 660).

[2] "مفردات غريب ألفاظ القرآن"؛ (ص871).

[3] "تفسير ابن كثير "(2/ 53)، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية، والتوسل أنواعه وأحكامه؛ للشيخ الألباني.

[4] صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه (208)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، والطبراني في "الكبير (808)، وانظر: "صحيح الجامع" (1311)، و"الصحيحة" (1338).

[5] البخاري (1120)، ومسلم (2717)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (2812)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[6] "مدارج السالكين"؛ للإمام ابن القيم رحمه الله، (1/ 20 - 21)، ط/ دار التقوى - مصر.

[7] البخاري (2215)، ومسلم (2743)، وابن حبان في "صحيحه" (897).

[8] مسلم (2542).

[9] مسلم (2733).

[10] صحيح الإسناد: رواه ابن أبي شيبة (6/ 77)، والبخاري في الأدب المفرد (633)، وقال الألباني: صحيح الإسناد.

[11] الحديث هو: عن عثمان بن حنيف، أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ادعُ الله أن يعافيَني، قال: ((إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخَّرت ذاك فهو خير))، فقال: ادعُه، فأمره أن يتوضَّأ فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجَّه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجَّهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم شفعه فيَّ)).

[12] "فتاوى علماء البلد الحرام"؛ إعداد: د/ خالد بن عبدالرحمن الجريسي، الطبعة الأولى (ص29 -30).

[13] البخاري (1010).

[14] "تفسير الكريم الرحمن"؛ للإمام السعدي (1/ 489) ط/ أولي النهى، الأولى.

[15] "تفسير الكريم الرحمن"؛ للإمام السعدي (1/ 614).

[16] "تفسير الكريم الرحمن"؛ للإمام السعدي (1/ 397).

[17] "تفسير الكريم الرحمن"؛ للإمام السعدي (1/ 489).

[18] "تفسير الكريم الرحمن"؛ للإمام السعدي (1/ 406).



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/1119...#ixzz8n89xqaI0

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 01:20 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com