كيف تميز الراقي من الساحر
مما ينبغي بيانه ونحن نتحدث عن هؤلاء السحرة أنهم قد يدسون أنفسهم في وسط الرقاة ويسمون أنفسهم رقاة أو عشابين، خاصة في الوسط الذي انتشر فيه التوحيد أو ساءت فيه سمعة السحرة والكهنة جدا ، لذلك كان من المفيد أن نذكر بعض الخصال المميزة لهؤلاء السحرة والمشعوذين والصفات الكاشفة لهم. فمن تلك العلامات:
1-إذا دخلت عليه فسألك عن اسم أمك فاعلم أنه ساحر أو كاهن يستعين بالجن.
2-إذا أمرك ألا تذكر الله ولا تقل بسم الله عند علاجه لك فاعلم أنه ساحر، وهذا واضح.
3-إذا أخبرك بأمر غيبي كأن يخبرك عن مكان مسكنك أو عن اسمك مثلاً أو اسم أبيك.
4-من علامتهم كتابة الحجب المتضمنة للطلاسم أو الحروف المقطعة والكلام غير المفهوم أو المربعات، وربما زعم أحدهم لمن رآه أميا أن المكتوب فيها قرآن، ولأجل هذا نهى العلماء عن كتابة التمائم مطلقا ولو كان فيها قرآن لأن ذلك يفتح الباب لهؤلاء المشعوذين.
5-التمتمة بكلام غير مفهوم وربما موه عليك فقرأ بعض الآيات بصوت عال ثم يخفض صوته في الباقي.
6-أن يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.
7-أو يأمره أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة (الحجبة).
8- وأحياناً يطلب الساحر من المريض ألا يمس ماءً لفترة من الزمن معينة أسبوعا أو أربعين يوماً.
9-أن يأخذ أثراً من المريض كقطعة من لباسه.
10-أن يطلب ذبح حيوان بصفات معينة وربما أمر بتلطيخ مواضع من البدن بالدم، وقد يأمر بذبح ذبيحة يسميها فدية أو عقيقة.
11-إعطاء المريض أشياء يدفنها في الأرض أو يخفيها في المنزل.
12-استعمال التخييل وهو الكشف عن مكان السحر وواضعه بتغميض العينين (وهو في حقيقته استعانة بالجن).
13-أن يستعمل أشياء غير معقولة المعنى كتخطي بعض الخيوط وتكسير القصب والنوم عليه.
14-ظهور علامات الفسق عليه كترك الصلاة والخلوة بالنساء ولمسهن وغير ذلك مما يظهر بعده عن دين الله تعالى وعدم استقامته على شريعته.
أسباب انتشار السحر
من الأشياء التي لابد أن نتعرض لها أسباب انتشار السحر بين الناس ، ولماذا يلجأ الناس إليه ، هناك أسباب كثيرة نذكر منها ما تيسر منها ومعرفة هذه الأسباب جزء من العلاج الذي سنذكره في الأخير :
1-حب الشر والرغبة في إيذاء الآخرين والسيطرة عليهم ، وفي سبيل ذلك يتحالفون مع الشيطان، وهذا لا تخلو منه أمة من الأمم.
2-داء الحسد الذي يدفع إلى أذى الآخرين والسعي إلى سلب النعم التي حباهم بها الله تعالى. والحسد إذا استولى على قلب إنسان أعماه فربما أوصله إلى الكفر بالله تعالى كما حدث لإبليس مع آدم ولليهود مع النبي صلى الله عليه و سلم .
3-الفراغ الروحي والقلق والحيرة والهموم التي سكنت في أعماق القلوب والعقد النفسية ، إذ من أجل كل ذلك أو بعضه يذهب كثير من الناس إلى المشعوذين والكهان لمطالعة الحظ والأمور المستقبلة .
4-الجهل بعقيدة التوحيد ، فلو علم الناس حقيقة العبادة وأنواعها وشروط لا إله إلا الله ونواقضها وأن من الأعمال ما هو ناقض لها مبطل للإسلام وأن من هذه الأعمال السحر والكهانة لما تساهلوا فيه ، وكذلك الجهل بعقيدة القضاء والقدر، لأن حال من يعتمد على السحرة ويلجأ إليهم يوحي بأنه يعتقد فيهم القدرة على تغيير قدر الله تعالى ومعارضته، ومن صحت عقيدته في القضاء والقدر علم أن ما قدر الله أن يكون كان وما قدر أن لا يكون لم يكن ولو اجتمع عليه الإنس والجن أجمعون .
5-التوسع في باب الرقية وعدم الانضباط بالضوابط الشرعية . فيبدأ الراقي باستعمال الأمور المختلف فيها ، وبعض الطرق التي تدر عليه الربح السريع كالرقية الجماعية ، ثم بعض الصور المندرجة في معاني الشرك الأصغر لعدم فهم معناها ، ثم يستعين بمن يزعمهم من الجن المسلمين ، ثم يتدرج به الأمر إلى أن يمضي عقد السحر مع الشيطان، ومن كان غرضه من الرقية الربح وتحصيل الدنيا فما أسهل أن يقع في شراك الشياطين .
6-من أسباب انتشاره امتزاجه بالطب عند كثير من القدماء كالهنود ، فكثير من كتب الطب القديمة (طب الأعشاب أو الطب التقليدي) تحتوى على مادة سحرية ، وكذلك أطباء اليونان وفلاسفته كانوا يؤمنون بالسحر ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ينتقد فلاسفة اليونان ويحط من شأنهم:" وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة، أو لم تكن أئمتكم اليونان كأرسطو وأمثاله مشركين يعبدون الأوثان ويشركون بالرحمن ويقربون أنواع القرابين لذرية الشيطان ؟ أو ليس من أعظم علومهم السحر الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطانا من الشياطين ويصوم ويصلي ويقرب له القرابين حتى ينال بذلك عرضا من الدنيا فساده أعظم من صلاحه وإثمه أكبر من نفعه ؟ ".
فمن اعتمد على هذه الكتب الطبية ربما وجد فيها وصفات سحرية وطلاسم ، ومروج كتاب السحر لا يكتب في الغالب على غلافه أن موضوعه السحر ، إلا إذا كان في بلد يستباح فيه السحر ويدس ويدرس علنا كالسنغال، بل يكتب عليه عناوين مضللة توحى بأن موضوعه الطب والرقية ومن أشهر كتب السحر كتاب الرحمة في الطب والحكمة، وكتاب شمس المعارف الكبرى .
7-في سياق الحديث عن الطب القديم نتحدث عن سبب آخر جديد يسمى البرمجة العصبية ، إن الديانة البوذية تخترق هذه الأيام بلاد المسلمين وبقوة عبر وسائل الإعلام المختلفة لكن باسم البرمجة العصبية، التي مزج فيها أهلها شيئا من علم النفس وشيئا من السحر والشعوذة وربما زينوا بعض أفكارهم بأحاديث نبوية أو آيات قرآنية .
من أنواع السحر: السحر بهمة الساحر (مثل تأثير العين) بحيث تكون له قدرة على التحكم في نفوس الآخرين والسيطرة عليهم، قال ابن عابدين في تعريف السحر: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية . ومن ذلك ما يسمى بالتنويم المغناطيسي الذي يسميه أهل البرمجة العصبية الإيحاء .
يصل الساحر إلى هذه القوة أو الملكة برياضات شاقة للنفس من صوم وخلوة وغيرها من أعمال وطقوس اليوغا، وهذا ما يسميه أهل البرمجة باستعمال العقل الباطن ، وكثير من مسائله الأولية مستمدة من علم النفس لأجل ذلك اشتبه على الناس.
ويدل على حقيقة أهل البرمجة العصبية أن من أعظم المصادر التي يعتمدون عليها كتب البوذية ، وقد اغتر بهم أناس كثيرون ، ولذلك صدرت فتاوى وبحوث كثيرة تكشف خطر هذه الدعوى.
8-من أسباب انتشار السحر الطرق الصوفية التي يكثر فيها الدجل والارتزاق باسم الدين ، وإذا سألت من هم السحرة في بعض المناطق لوجدت أن الساحر والكاهن هو ذاك الدرويش الذي ينوب عن شيخ الطريقة أو أحد خلفائه على الضريح الذي يعبد من دون الله تعالى. فالذي يستقبل القرابين وتقام عنده الزردات ويجمع الزكاة (والزيارات) هو من يتولى كتابة الحجب والتكهن لأصحابه ومريديه. وإذا كان هؤلاء يدعون إلى الشرك بالله تعالى فما الذي يمنعهم من ممارسة السحر ، إن كثيرا منهم همهم جمع المال على حساب التوحيد والسحر من أهم وسائل جمعه فلماذا يتركونه ويتنزهون عنه.
9-ومنها ميل النفوس إلى الدنيا ومحبة الربح العاجل والحصول على ملذاتها ولو كان على حساب التوحيد والعقيدة ، وهذا ما يفسر لك ارتباط قصص السحر وأخباره بالملوك، فالملوك لشدة حرصهم على ما هم فيه من نعيم يخشون من الناس ويخشون على ملكهم فيتخذ كل واحد منهم وزيرا من السحرة يستشيره ويستعين به. وفي كثير من البلاد الأوروبية أغنى الناس هم السحرة ، ذلك أن أهل الثراء إذا ما أصيب أحدهم ولجأ إلى كاهن أو ساحر فإنه يقدم له كل ما يطلبه منه ولو كان نصف ماله وثروته التي تعد بالملايير .
10-ومن أسباب انتشار السحر غياب القوانين الزاجرة والعقوبات القاسية في حق من يمارس السحر والكهانة، في الزمن الماضي لما كانت العقوبات في أوروبا قاسية كان الناس يخافون ممن ممارسته ، أما في زمن الحضارة فالإحصائيات تدل على أن أوروبا تعيش الآن في قمة الانحطاط أو أدنى دركات السفول، والبلد الذي تنشر فيه الشعوذة والخلاعة والمخدرات وجميع أنواع الجرائم بنسب رهيبة لا يمكن أن نزعم أنه في قمة الحضارة وإن كان ثمة الحضارة فهي على وشك الزوال، لأن الحضارة لا تقوم على المال والرفاهية وإنما تقوم على الأخلاق أو ما يسمونه بالقيم والمبادئ .في ألمانيا حسب إحصائية أجريت في الثمانينيات يوجد (80 ألف ساحر) و25 % من الألمان يؤمنون بالسحر، ويذهبون إلى السحرة. وفي فرنسا إحصائيات أجريت عام 1982 تدل على أن 18 % منهم يؤمنون بالسحر ، وكان يوجد بها (30 ألف ساحر ) كل هذا لعدم وجود قوانين صارمة تعاقب عليه ، وبعض الناس يقول إن القانون الفرنسي يمنع من السحر ويعاقب عليه، لكنهم أدرجوه ضمن جريمة النصب والاحتيال، من يسحر الناس في منزلة من يبتز الأموال ويختلسها ، ومع ذلك فالقانون لا يطبق لأن أول من يذهب إلى هؤلاء السحرة هم من يسهر على تطبيق القانون. هم أيضا لا يحاربون المخدرات بجدية لأن أول من يتناولها ويتجر فيها هو من يسهر على تطبيق القانون. في فرنسا تقول إحدى الجرائد لم تعد الشرطة هي من يقلق هؤلاء السحرة ولكن مصلحة الضرائب.
11-ومن أسباب انتشاره في هذا الزمان وسائل الإعلام التي تشهر به أو تهون من أمره وفي بعض البلاد هناك قنوات خاصة بالسحر والكهانة، والجرائد الخليعة في الجزائر تنشر من حين إلى آخر وصفات سحرية ، ومن الإعلاميين من يقوم بالدعاية للسحرة باسم الرقية حينا وباسم الغرائب والعجائب حينا آخر ، ومن وسائل الدعاية الصريحة ما نجده في بعض الجرائد اليومية من كهانة تحت عنوان حظك مع الأبراج l”horoscope، وبعضهم يزعم أنه كذب وافتراء وليس من عمل الكهان ، وذلك لا يشفع لهم ، لأنهم وإن كذبوا فالكاهن كذلك يكذب . وهذه الكهانة ضرب من ضروب السحر لقول الرسول e:" من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر" رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ومن أساليب التهوين من السحر الأفلام التي تظهر أهله في مظهر يسلي ويضحك أو في صورة من يستعمل سحره في إنقاذ الناس وفعل الخير ، وخاصة في الرسوم المتحركة ، فإن ذلك يجعل صورة الساحر محببة لدى الصغار ومرغوبا فيها. في حين أن الواجب علينا أن نربي الناشئة على بغض السحرة وعلى أنهم أناس شريرون كفار أنجاس يعبدون الشيطان ، خاسرون في الدنيا وفي الآخرة