بسم الله الرحمن الرحيم
مقارنة بين الجن والكائنات المجهرية:
مقارنتنا بين الجن والشياطين والكائنات المجهرية مبنية على علوم متعددة من بينها علم اللغة
والشرع والطب والنفس والصيدلة والبيولوجيا والجيولوجيا وعلوم الفضاء وطب النساء
وعلم الأغذية وعلم المحيطات وغيرها...
قد يقول قائل لماذا كل هذه التخصصات؟ ببساطة لأن الشيطان يشاركنا كل صغيرة وكبيرة
فهو مرتبط بكل أمورنا مهما صغرت...
عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان يحضر أحدكم عند
كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط
ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في
أي طعامه تكون البركة». (صحيح مسلم)
وكل النعم التي توجد في هذا الكون الفسيح سخرت للإنس والجن وسورة الرحمان خير دليل
على ذلك... "فبأي آلاء ربكما تكذبان"
وهذا ما سنتبثه بالدليل والحجة إن شاء الله خلال الحلقات القادمة:
جوهر الإشكال ـ في الواقع ـ في موضوع الجن، لا يرتبط بأدلة وجودها من عدمه، بل
يتركز في كيفية أشكالها وأحجامها، وطريقة تمظهراتها وتداخلها معنا في حياة واحدة. كما
أن النقاش الخفي ـ الذي يبدو لنا ـ يتعلق بالمصطلحات المستعملة للدلالة على هذه الكائنات
الحية... فالكائن موجود بالنص القرآني، وقد ثبت وجوده كما يظهر من قوله تعالى:
(وخلق الجان من مارج من نار) (الرحمان / 15) فالجان كائن من مخلوقات الرحمان وهو واحد
وإن تعددت الأسماء التي أعطيت له، فهناك من يطلق عليه اسم جن أو شيطان، وهناك من
يقول بأنه النفس وطبائعها، وهناك من يلقبه بالسحر أو الأرواح أو الأشباح أو الخيالات أو
رجال الغيب... وهناك من يسميه اسما مختلفا قد تكون الكائنات المجهرية كالجراثيم
والفيروسات منها ويدعي أنه اسم علمي لكائن مادي مجهري، فيجرده بذلك من محتواه الغيبي
ويقطع علاقته بالدين... لكن تظل هناك تقاطعات بين العديد من هذه الأسماء من الناحية
الدلالية، ومن حيث الفحوى والمفهوم، سواء كانت تنتمي إلى الحقل الديني أو العلمي أو
حتى حقل الشعوذة والسحر، فهي تدل على شيء واحد يتلخص في ظواهر غير عادية تحدث
للناس، وكل واحد يفسرها حسب خلفيته الفكرية والمعرفية.
حينما يأتي مريض، يقوم بأفعال وأقوال غير معتادة، قد يراه الفقيه مصابا بالوسوسة، ويراه
عالم النفس مصابا بالهلوسة، ويراه الطبيب مصابا بفيروس ما، وينظر إليه المشعوذ على أنه
مسحور أو ممسوس...
وحينما نترك طعاما بدون غطاء فيفسد، يقول البعض إنه يتحلل طبيعيا، ويقول البعض إن
الميكروبات أو الجراثيم تفسده، والبعض الآخر يقول بأن الجن والشياطين قد حضرته...
حينما نسمي الأشياء بغير أسمائها، أو حينما نطلق عدة أسماء متضاربة على شيء واحد، أو
حينما نفهمها بغير مدلولها الصحيح فإننا لا نزيد العلم، والعالم، إلا تعقيدا.
قلنا إن الجن موجود ويعيش معنا، ولا ينبغي لمؤمن أن ينكر ذلك، لأن إنكاره إنكار لمعطى
قرآني صريح، فالله سبحانه وتعالى أفرد لهم سورة كاملة من ثمانية وعشرين آية، وقرن بينهم
وبين الإنس في العديد من الآيات نذكر منها على سبيل العد لا الحصر: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي) (الذاريات / 56) و( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (الرحمان /33)...
فالجن والإنس مقترنان ومرتبطان ارتباطا مكينا بحيث لا تستقيم الحياة من دونهما، فهما كالليل
والنهار لا يكون الواحد منهما دون الآخر، وكل ما في الكون سخر لهما، كما أنهما
سيحشران معا ويتبادلان التهم: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنسِ
وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ
مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام/128) ،
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ)(فصلت /25) ...
... لكل شيء ما يقابله ويذكر به، فهو بالنسبة إليه شفع، كالذكر والأنثى، والسماء
والأرض، والليل والنهار، والإنس والجن الخ.
روى الطبري عن مجاهد قال في قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين) (الذاريات/
49)، قال: الكفر/الإيمان، الشقاء/السعادة، الهدى/الضلالة، الليل/النهار، السماء/الأرض،
ثم زاد الجن/الإنس، فالارتباط بينهما وثيق متين، بحيث لا يكون الواحد منهما دون الآخر:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي) (الذاريات / 56).
هذا الارتباط المتين بين عالم الجن وعالم الانس هو ما يستدعي منا استعمال جميع
التخصصات لفهم هذا الموضوع / اللغز
===
===
===
تحيتي