قبل سنة..
دخلت وصديقي لمسجد الحَيّ عنده، بيته قريبٌ منه جدًا، سَكَنَ إليه حديثًا، كانت هذه الصلاة الثانية له فيه، وعند الإقامة لَم يَكُن هناك إمامٌ يتقدَّمُنا بعد، نحن في قرية، وليس هناك إمامٌ ثابت، كنا بالصف الأول ننتظر، صديقي هو الشاب الوحيد الذي يرتدي ثوبًا "دشداش" فتَوَسَّم الناس فيه خيرًا فقَدَّموه.
صديقي يحفظ قصار السُّوَر، يمتلك صوتًا ملائكيًا لكنّه مغمور، لا يعرفه سوايَ وأهل بيته، التزامه عاديّ، يُحاول بين سقوطٍ ونهوض، بينَ شَدٍّ و رَخاء، يعيش مثلنا؛ في ظِلّ السّتر وألطافه
حينَ وَقَف عَرَفتُ أنّه يرتجف، أعرف صوته جيدًا، تردُّدات صوته غريبة، أعادَ سورة الفَلَق في الركعة الأولى
والثانية، لَم يستطع الخروج منها.. لكنّه في الثانية ثَبَتَ واستقَرّ، حين انتهت الصّلاة خَرَج مُسرعًا فلَحقتُ به! كان يبكي!!
أبلغني -وهو يركض- أنّه شَعَر لأوّل مرةٍ في حياته معنى -الثِّقَل- وكيف كانت أكتافه ثقيلة جدًا وأنَّ قَدَماه لَم يُقَدِّماه، أنّ الله اختاره بعد أن أحَسَّ من الله جفاء، أحَسَّ البُعدَ فابتعد.
بعد مُدّة علمتُ أنّ الناس انتدبوه إمامًا، ثبّتوه وثبتوا عليه، وحين جلست معه أخبرني عن نيّته في أن لا يقرأ في صلاةٍ جهرية إلا من محفوظ صدره، لأن قصار السور تكررت كثيرًا، كان شغوفًا يحمل دفتره و يصنع جدوله كطفلٍ بدء من اليوم دراسته.
قَسّم جداولًا، ألزَم نفسه، هزَمَ هواه، وكان مُحِبًا مَحبوبًا و وَجَد في المكان نفسه، كان يخبرني أنّ الآيات هذّبَت قلبه وقَرَّبَت دربه، وأوضَحَت له المسار
اليوم 6 - 8 - 2020 يختم صديقي القرآن حفظًا وهو يقرأ في صلاة العشاء، إمامًا بذات المسجد، أمام الذين قرأ فيهم يومًا سورة الفلق وكان يرتجف..سبحان الله 💚
ساقَهُ الله لقريةٍ نائية، قطَعَ آلاف الأمتار، انتقل من مكانٍ لآخر، كهجرةٍ و ولادة.. غاب الإمام يومها، ثم سَمِعَه الناس، أوصل الله صوته كنداء سيدنا إبراهيم في الحج، تكررت صلاته إمامًا، أجمَعوا عليه، غرس الله فيه شغف الحفظ، زرع في قلبه المعنى، وآتاه الفكرة و أعطاه الهمّة ثم أوصَلَه= ما ودَّعَك ربُّك.
• بُشريات عظيمة في ليلة الجمعة، ورسالة لمن أراد سَيرَ المرحلة، والله لا يخذل من صَدَق، والسّير على قدر الهدف
[مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا]
منقول