الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
تكلم ابن القيم - رحمه الله - في كتابه القيم ( بدائع الفوائد ) عن عشرة أسباب يعتصم بها العبد من الشيطان ويستدفع بها شره ويحترز بها منه ، والمحافظة على اتباع ذلك من قبل المريض وغيره فيه عصمة وتحصين له ودفع لوسوسته وعبثه ، وأوجز تلك الأسباب بالآتي :
1)- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم0 قال تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( سورة فصلت – الآية 36 ) وفي صحيح البخاري عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال : ( كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) ( متفق عليه ) 0
2)- قراءة هاتين السورتين - يعني المعوذتين - فإن لهما تأثيرا عجيبا في الاستعاذة بالله من شره ودفعه والتحصن منه 0 ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا عقبة ، ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ) ( صحيح الجامع 7949 ) ، وقد كان ( يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة ) ( صحيح الجامع 1159 ) ، وقال – عليه الصلاة والسلام - : ( إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا حين يمسي وثلاثا حين يصبح كفته من كل شيء ) ( صحيح الجامع 4406 ) 0
3)- قراءة آية الكرسي ففي الصحيح من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : ( وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتى آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك شيطان ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الوكالة ( 10 ) – برقم 2311 – وكتاب بدء الخلق ( 11 ) – برقم 3275 - وكتاب فضائل القرآن ( 10 ) – برقم 5010 ) 0
4)- قراءة سورة البقرة ففي الصحيح من حديث سهل عن عبدالله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان ) ( صحيح الجامع 7227 ) 0
5)- خاتمة سورة البقرة فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى الأنصاري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) ( متفق عليه ) وفي الترمذي عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – عن النبي e قال : ( إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة فلا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ) ( صحيح الجامع 1799 ) 0
6)- أول سورة حم المؤمن إلى قوله ( إليه المصير ) مع آية الكرسي ففي الترمذي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكه عن زراره بن مصعب عن أبي سلمة عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ حم المؤمن إلى ( إليه المصير ) وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح ) ( ضعيف الجامع 5769 ) وعبد الرحمن المليكي وإن كان قد تكلم فيه من قبل حفظه فالحديث له شواهد في قراءة آية الكرسي وهو محتمل على غرابته 0
7)- لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة ففي الصحيحين من حديث مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنه ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك ) ( متفق عليه ) فهذا حرز عظيم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله عليه 0
8)- وهو من أنفع الحروز من الشيطان كثرة ذكر الله عز وجل 0 ففي الترمذي من حديث الحارث الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وإنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم فقال يحيى أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ وقعدوا على الشرف فقال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأمركم أن تعملوا بهن أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال : هذه داري وهذا عملي فأعمل وأد الي فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت 0 وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك 0 وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم 0 وأمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن 0 السمع والطاعة 0 والجهاد 0 والهجرة 0 والجماعة فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع 0 ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من حثاء جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ) ( صحيح الجامع 1724 ) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح 0 وقال البخاري الحارث الأشعري له صحبة وله غير هذا الحديث فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله وهذا بعينه هو الذي دلت عليه سورة قل أعوذ برب الناس فإنه وصف الشيطان فيها بأنه الخناس والخناس الذي إذا ذكر العبد الله انخنس وتجمع وانقبض وإذا غفل عن ذكر الله التقم القلب وألقى إليه الوساوس التي هي مبادئ الشر كله فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل 0
9)- الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به منه ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما ثبت في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( 000 ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض0 ) ( ضعيف الترمذي 385 ) وفي أثر آخر : ( إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء 000 ) ( ضعيف الجامع 1510 ) فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة فإنها نار والوضوء يطفئها والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه 0
قلت : ومع ضعف الحديث آنف الذكر إلا أن معناه صحيح ، فإن للوضوء فائدة عظيمة في دفع غضب ابن آدم ، وقد أشار لذلك المفهوم العلامة الجهبذ ابن القيم - رحمه الله تعالى – حيث يقول : ( وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه ) ، وهذا الواقع الذي عايشته ورأيت تأثيره العظيم ونفعه بإذن الله تعالى 0
10)- إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة ) ( بدائع الفوائد – باختصار – 2 / 267 ، 271 ) 0
سائلاً المولى هز وجل أن ينفعنا بتلك الوصايا ، وأن يقينا شياطين الإنس والجن إنه سميع مجيب الدعاء 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0