استخدام لغة الجسد في الإقناع
ويقصد به حضور أعضاء الجسد في الحوار، وهي جزء أساس من مكملات الحوار، لا ينفك عنه، ومن المهم أن يدخل هذا في تحليل الخطاب الحواري، وهي ما تسمى في علم الاتصال المعاصر بتسميات عدة مثل: علم الاتصال غير اللفظي، واللغة الجسدية، والكلام الجسدي، والحركة الجسدية، والسلوك الحركي، والعلامات الحركية [1]. وتدور في مجملها حول تفسير وتأويل تعبيرات الجسد، بوصفها وسيلة مكملة للحوار المنطوق، فاللسان جزء من عدة أجزاء تظهر في السلوك الحواري [2].
وبالطبع فإن الاتصال باستخدام الجوارح أساس في الحوار الشفاهي، ذلك لأن الرسول (منشئ النص و الحوار) كان يتعمد أو لا يتعمد استخدام بعض جوارحه في حديثه، وإن تم تدوين فعل الجوارح كتابياً بعد ذلك، فهذا تم لأن حركة الجوارح جزء من الحوار ذاته. قد حرص مدونو الأحاديث الشريفة وأحداث السيرة النبوية على الوصف الدقيق لأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم الحركية والسلوكية، فبتنا أمام نصوص جمعت القول والسلوك الحركي، ويتعين على دارس النص النبوي أن يدخل في حسبانه سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم في حواراته ومواقفه.
لقد كان لدى المصطفى صلى الله عليه وسلم وعي كبير بما يسمى " محددات التعبير الجسدي " وهي تتناول تعبيرات الجسد في ضوء الظروف الاجتماعية وملابسات الموقف والعرف والعادة، مثل طريقة الإصغاء والنظر للمتكلم ونبرة الكلام خفوتا وارتفاعا، وأيضاً الحركات السلبية مثل الاستنكار بالنظرات والرفض باليد والإدانة بالانسحاب من المكان وغير ذلك [3]. فقد كان الرسول " إذا كره الشيء عرف في وجهه...، وكان طويل السكوت، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً" [4]. وكان " إذا خطب (لأمر جلل) احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه" [5] في إشارة إلى عظم الأمر، وأهمية القضية، خاصة إذا كان في أمر يخالف شرع الله تعالى.
وستتم دراسة هذا المنحى عبر ثلاثة محاور، تتصل بزمن الحوار: قبل وأثناء وبعد الحوار.
أ) ما قبل الحوار المنطوق:
وهي أول محددات الاتصال غير المنطوق، وتتصل بكيفية تكوين الرسالة والخطاب النبوي، وكيف كان المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حريصا على جذب الذات المتلقية، وتشويقها للنصح والإرشاد دون إرهاق أو عنت أو كثرة في القول. ونرى هذا في شهادة الصحابة - عليهم الرضوان - حول النهج النبوي الشريف في اختيار الوقت والموقف.
• من ذلك: ما يذكره ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتخوّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا[6]. فاختيار الوقت للموعظة عامل مهم في تقبلها، وأيضا مراعاة المكان والحالة النفسية للسامعين حاسم، فالنفس البشرية تنفر من تراكم المواعظ، وتعدد الدروس، كما أن كثرة الوعظ قد ينسي بعضه البعض. ويبدو أن هذا المحدد الاتصالي غير مباشر في تحليل الخطاب النبوي، أي تحليل ما يقال، ولكنه مؤثر في فهم طبيعة منشئ الرسالة الحوارية وهو الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهذا نقطة تتصل بما قبل المنطوق، لأنها توضح سلوك الرسول اللغوي، وكيف كان عليما ببواطن النفس البشرية وخبايا تقلباتها.
• وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت: كانت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَرَهم، أمرَهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فيغضب صلى الله عليه وسلم حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا [7].
في الحديث السابق إضافة معرفية جديدة، تتصل بالعمل المكلف به المؤمن، فإذا كان الرسول يتحرج من كثرة النصيحة، ويتخوّل الناس بها، فهو أيضا لا يأمرهم من الأفعال العملية العبادية بالكثير؛ تخفيفا عليهم. وحينما يعترضون مطالبين بالمزيد يغضب، ويبدو الغضب في قسماته، مؤكدا أنه أعلم وأتقى منهم وهو حريص عليهم. وظهور الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم دال على كراهيته الإثقال على الناس، ورغبته أن يقوموا بما يطيقون من عمل، فما قلّ وكفي خير مما كثر وألهى.
• عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قلتُ يا رسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت [هو المشقة والدلالة هنا كناية عن الإثم] ولا أجد ما ما أتزوج به النساء. فسكت [النبي] عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة جفّ القلم بما أنت لاقٍ، فاختص على ذلك أو ذر " [8].
والمقصود: لابد من نفاذ الأمر المقدر سواء اشتكى أبو هريرة أو لم يشتكِ. وهنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت ثلاث مرات، لعلّ أبا هريرة يدرك المغزى، فلما كرر السؤال، أوضح الرسول الموقف ببلاغة موجزة، مستعملاً الكناية "جف القلم"، في إشارة إلى أن الأمر حُسِم، فعليه أن يحتمل مشقة البعد عن النساء حتى تتحقق مشيئة الله تعالى وما قدره جل وعلا له.
ب) ما يصاحب الحوار المنطوق:
ويتناول الإشارات الجسدية المعبرة، التي تقدّم موافقة أو نفيا أو إكمالاً للمنطوق في معناه، وتكون في عمومها مصاحبة له.
• فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج " قيل يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: هكذا - بيده فحرّفها - كأنه يريد القتل " [9].
إن حركة اليد هنا أغنت عن الإجابة، فهي تشير لفعل القتل، وهو أشد حالات الهرج والفتنة، فجاءت الحركة إجابة عن سؤال، دون ذكر اللفظ المقصود، وحملت في الوقت ذاته إدانة خفية للفتنة، التي قد تصل بالناس إلى القتل.
• وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال [يقصد السائل]: ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده، قال: ولا حرج. قال [السائل]: حلقتُ قبل أن أذبح، فأومأ بيده: ولا حرج [10].
وهنا نجد أن الإجابة عن السؤال الأول جاءت باليد والقول معا: الإيماء باليد بالموافقة، ثم نطق " ولا حرج "، بينما في السؤال الثاني اكتفى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيماء فقط. وهذا عائد إلى طبيعة الموقف ذاته، فالناس في حج، والكل متجمع حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد تغني الإشارة عن المقولة في هذا التزاحم، والإشارة تصل لجمهور أكبر، ذلك أن العين تدرك من بعيد ما لا تسمعه الأذن، وأيضا حرص منه صلى الله عليه وسلم على الإجابة عن كل استفسار.
وقد تأتي الحركة الجسدية تأكيداً وتوضيحاً للمعنى المقدم في القول.
• عن أبي موسى (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبّك أصابعه [11].
فالمعنى المقصود ذكر في المتن القولي وهو التأكيد على لُحمة الجماعة المؤمنة، ممثلة في اللبنة الأولى وهي المؤمن الفرد في علاقته مع أخيه المؤمن، واشتمل القول على تشبيه سهل، وهو تشبيه مستقى من النبع القرآني من قوله تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ? [12]. توقعات الابراج احمد شاهين 2018 توقعات عبد الرحمن العيس 2018 توقعات الابراج 2018 سعيد مناع توقعات سمير طنب 2018 توقعات 2018 للسعودية توقعات هالة عمر للابراج عام 2018 توقعات الابراج 2018 ابراهيم حزبون توقعات نوستراداموس 2018 توقعات منى احمد للابراج 2018 توقعات 2018 لليمن توقعات 2018 للعالم العربي توقعات الابراج مايك فغالي 2018 توقعات الابراج رجوى سعيد 2018 توقعات ليلى عبد اللطيف 2018 توقعات العرافة البلغارية 2018
والتشبيه بالصف ورد في السياق القرآني في معرض أن الله تعالى يحب المؤمنين المجاهدين في سبيله، فهم مثل البنيان المرصوص. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحضر التشبيه القرآني في ذاكرة السامع، موسعا دلالة التشبيه إلى فضاء أرحب وأشمل، وهو فضاء الحياة المدنية اليومية. ثم جاءت حركة الأصابع المشبَّكة، عقب الانتهاء من المنطوق، لتؤكد الدلالة، وتوضح أن البنيان إنما هو لبنات متفرقة جُمِعَت، مثل وحدة الكفين،ومن أصابع متفرقة التأمت.
• وعن سهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بعثت أنا والساعة كهاتين " ويشير بإصبعيه فيمدهما. وفي رواية أخرى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بعثت أنا والساعة كهاتين " وفي رواية ثالثة عن أبي هريرة رضي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت أنا والساعة كهاتين. يعني إصبعين " [13].
يشمل هذا الحديث الشريف رؤية ممتدة عبر الزمان، الماضي السحيق والحاضر والمستقبل القريب، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) علامة من علامات الساعة / يوم القيامة، هذا قياس بعمر الكون، الذي يمتد إلى ملايين السنين، فظهور النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن نهاية الكون باتت قريبة، في عرف التاريخ البشري، وقد أفاض الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى عن علامات الساعة، ولكنه في هذا الحديث يقف عند العلامة الكبرى، وهي بعثه بالقرآن الكريم، الذي حمل الرسالة الخاتمة الشاملة الهادية لكل البشر، فلم يبق أمام البشر إلا الإيمان به، فقد باتت النهاية قريبة، للجنس البشري على الأرض، ربما تكون آلافا من السنين، ولكنها في مجملها قريبة بشكل كبير قياسا بعمر الكون. جاءت حركة إصبعي الرسول صلى الله عليه وسلم في حالة المدّ والضم إفهاما واضحا للسامع بهذا المنظور الزمني المعقد، والذي تُتعَب العقول في إدراك أبعاده، ولكن بحسب الإنسان أن يدرك أنه مؤمن بالرسالة الخاتمة، رسالة التوحيد التي لا رسالة ولا رسول بعدها.