ومما قالوه أيضا :- إن حل السحر بالسحر قد تدعو إليه الضرورة ، ونقول :- إن بعض العلماء من أتباع المذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة ، كما قال فقهاء مذهب الإمام أحمد في بعض كتبهم ( ويجوز حل سحر بمثله ضرورة) وهذا القول ليس بصواب ، بل هو غلط ؛ لأن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضا عنها ، ومعروف أن الضروريات الخمس التي جاءت بها الشرائع أولها : حفظ الدين ، وغيره أدنى منه مرتبة - ولا شك - فلا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى ، وضرورة الحفاظ على النفس وإن كانت من الضروريات الخمس ، لكنها دون حفظ الدين مرتبة ؛ ولهذا لا يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى ، أو أن يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من الضروريات الخمس ، والأنفس لا يجوز حفظها بالشرك ، ولأن يموت المرء وهو على التوحيد خير له من أن يعافى وقد أشرك بالله - جل وعلا- لأن السحر لا يكون إلا بشرك ، والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر ، فقد رضي قوله وعمله ، ورضي أن يعمل به ذاك ، ورضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته ، وهذا غير جائز ، فتحصل من هذا أن السحر نشرا ووقوعا لا يكون إلا بالشرك الأكبر بالله - جل وعلا- وعليه فلا يجوز أن يحل لا من جهة الضرورة ، ولا من جهة غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله ، بل يحل وينشر بالرقى الشرعية بل إن المتقرر أن الضرورة لا تتحقق إلا إن انسد الباب في وجه العبد الانسداد الكامل فلم يجد بدا ولا مساغا من تعاطي هذا الأمر ، وأنت خبير في أن حل السحر له بابه المفتوح شرعا ، وذلك يكون باستخراج السحر وإبطاله ، أو بالرقى الشرعية وبكثرة الدعاء ، أو بالحجامة في موضع الألم فلا تدعو الحاجة أصلا إلى الذهاب إلى الطرق المحرمة ، فضلا عن دعوى الضرورة ، فالطرق الشرعية بابها مفتوح ، لكنها تحتاج إلى طول نفس وصبر وحسن ظن بالله تعالى وكمال توكل عليه فالله تعالى لم يحوجنا في أمور علاجنا إلى طرق الأبواب المحرمة ، بل قد فتح لنا من أبواب العلاج النافع ، والدواء الشافي ما فيه الغنية الكاملة عن التقحم فيما يعود على العبد ضرره في العاجل والآجل ، فدعوى الضرورة إلى الذهاب للساحر دعوى فجة ، لا يسندها دليل النقل ولا دليل الواقع ، ولله الحمد ، مع أن ابن تيمية وغيره من علماء التحقيق قد قرروا أن الأمور العلاجية لا تدخل في باب الضرورات ، مهما كان علاجها نافعا ، والله أعلم .
ومما قالوه أيضا :- أن بعض العلماء قد أجاز الذهاب إلى السحرة لحل السحر ، وأقول :- إن المتقرر أن كلام العالم لابد وأن يوزن بموافقته للكتاب والسنة ، أي إن كلام العالم لا يكون كلاما مقبولا إلا إن كان موافقا لدليل الوحي ، وأما إن كان معارضا للدليل ومخالفا له فإنه لا قبول له فالحق يعرف بموافقة الدليل لا بموافقة قول العالم الفلاني ، والمتقرر أن كلاً يؤخذ من قوله ويترك إلا قول الشارع ، والمتقرر أن كلام أهل العلم إنما يستدل له ، ولا يستدل به ، فضلا عن وقوع الخلط في فهم كلام العالم أصلا ، أو التقول على العالم ما لم يقله ، والمقصود أن إفتاء بعض أهل العلم بجواز حل السحر بالسحر ليس بحجة على الشرع ، بل الشرع هو الحجة على كل أحد، وهذه من أضعف الحجج لأنها معارضة بمثلها ، لأننا سنقول :- وهناك كم هائل من العلماء حرموا حل السحر بالسحر ، لكن تبقى لنا الأدلة الدالة على حرمة هذه المسألة سليمة من أي اعتراض .
ومما قالوه :- إن حل السحر بالسحر فيه مصلحة للمسحور، فنقول :- بئس الكلام هذا ، فإن هذه المصلحة تعارضها مفاسد كثيرة ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن هذا رأي في مقابلة النص ، والمتقرر أنه لا رأي ولا اجتهاد مع النص ، ولأنه اعتبار لما ألغاه الشرع ، والمتقرر أن اعتبار ما ألغاه باطل ، كإلغاء ما اعتبره تماما ، ولأنه قياس في مقابلة النص ، والمتقرر أن القياس في مقابلة النص باطل . وهذا خلاصة ما قالوه في هذه المسألة ، وأنت ترى أنه ليس فيه كبير شيء, فلا أدري في الحقيقة كيف قيل هذا في الأمة ، ولكنه قيل ، وعلى كل حال ، فالقول الصحيح ، بل الحق الذي لا مرية فيه هو حرمة حل السحر بالسحر كما بينته لك بالأدلة ، والله يتولانا وإياك .
(فصــل)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وَأَمَّا مُعَالَجَةُ الْمَصْرُوعِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : فَإِنْ كَانَتْ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مِمَّا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَمِمَّا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا الرَّجُلُ دَاعِيًا اللَّهَ ذَاكِرًا لَهُ وَمُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْقَى بِهَا الْمَصْرُوعُ وَيُعَوَّذَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ** أَنَّهُ أَذِنَ فِي الرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا ** وَقَالَ ** مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ** وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلِمَاتٌ مُحَرَّمَةٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْمَعْنَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهَا وَلَا يُعَزِّمَ وَلَا يُقْسِمَ وَإِنْ كَانَ الْجِنِّيُّ قَدْ يَنْصَرِفُ عَنْ الْمَصْرُوعِ بِهَا فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَالسِّيمَا وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَإِنَّ السَّاحِرَ السيماوي وَإِنْ كَانَ يَنَالُ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ كَمَا يَنَالُ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْكَاذِبُ بِكَذِبِهِ وَبِالْخِيَانَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْمُشْرِكُ بِشِرْكِهِ وَكُفْرِهِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ نَالُوا بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهَا تَعْقُبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلُوهُ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَمَنْفَعَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَضَرَّةِ , وَإِنْ كَرِهَتْهُ النُّفُوسُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْآيَةَ . فَأَمَرَ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِتَحْصُلَ لَهُ الْعَافِيَةُ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حُصُولِ الْعَافِيَةِ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى أَلَمِ شُرْبِ الدَّوَاءِ . وَكَذَلِكَ التَّاجِرُ الَّذِي يَتَغَرَّبُ عَنْ وَطَنِهِ وَيَسْهَرُ وَيَخَافُ وَيَتَحَمَّلُ هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ مَصْلَحَةُ الرِّبْحِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَكَارِهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ** حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ** وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ السَّاحِرِ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وَقَالَ تَعَالَى وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّاحِرَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ , وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ آمَنُوا وَاتَّقَوْا بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَكَانَ مَا يَأْتِيهِمْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ بِالسِّحْرِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ وَقَالَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَقَالَ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الْآيَتَيْنِ . وَقَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ , أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَالْأَحَادِيثُ فِيمَا يُثِيبُ اللَّهُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ ضَرَرٍ بِمَا شَاءَ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ بِمَا شَاءَ بَلْ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ وَلَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ فَإِنْ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَالدُّعَاءِ وَالْخَلْوَةِ وَالسَّهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ , فَمَنْ كَذَّبَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالسِّحْرِ وَمَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ - كَدُعَاءِ الْكَوَاكِبِ وَتَخْرِيجِ الْقُوَى الْفَعَّالَةِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُوَى الْمُنْفَعِلَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ الشَّيَاطِينِ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ فَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَيُسَمُّونَهَا رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ - وَأَنْكَرُوا دُخُولَ الْجِنِّ فِي أَبْدَانِ الْإِنْسِ وَحُضُورَهَا بِمَا يَسْتَحْضِرُونَ بِهِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فَقَدْ كَذَّبَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمًا وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ بِمَا رَآهُ مُؤَثِّرًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِنَ ذَلِكَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَفْعَلُ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إمَّا مِنْ الْكُفْرِ وَإِمَّا مِنْ الْفُسُوقِ وَإِمَّا الْعِصْيَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَتْرُكَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَمِمَّا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّعَوُّذِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ ** مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ , وَلَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ ** وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ ** أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ ** وَلَمَّا جَاءَتْهُ الشَّيَاطِينُ بِلَهَبٍ مِنْ نَارٍ أَمَرَ بِهَذَا التَّعَوُّذِ ** أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ ** فَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَبْدُ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا نَامَ وَإِذَا خَافَ شَيْئًا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا فِيهِ بَلَاغٌ , فَمَنْ سَلَكَ مِثْلَ هَذِهِ السَّبِيلِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَمَنْ دَخَلَ فِي سَبِيلِ أَهْلِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الدَّاخِلَةِ فِي الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَبِذَلِكَ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ ذَمَّهُ مِنْ مُبَدِّلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى إلَى قَوْلِهِ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ) .
وسئلت اللجنة الدائمة في المملكة عن رجل تزوج امرأة وهي في غاية المودة وصادق المحبة وبعد مدة أبغضته بغضة شديدة بلا سبب، وقد قيل: إن هذا من فعل السحرة، وجاءه بعض الناس وأمره أن يذهب إلى شخص أرضي يعمل هذا العمل لكي يتغلب على ما مكروا فيه، وقال: إن هذا يعتبر دفاعا ولحفظ زوجته، ومع الضرورة تباح المحذورات وتوقف الرجل؛ لأنه يعتقد ذلك كفرا، فهل للرجل أن يدافع بالسحر لفك السحر إذا ابتلي به أم يسلم الأمر ويصبر، وهل يعد الدفاع رد كيد للاعتداء أم يعد كفرا؟ فأجابوا بقولهم ( لا يجوز لك أن تذهب إلى ساحر من أجل أن يحل السحر الذي تجده في نفسك بسحر مثله؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له " رواه الطبراني عن عمران بن حصين قال المناوي : إسناده جيد، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن النشرة " هي من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد والنشرة: هي حل السحر عن المسحور بالسحر. ويوجد من الأدعية والأدوية المشروعة ما فيه كفاية ) وقالت اللجنة الدائمة ( تعاطي السحر حرام، بل كفر أكبر فلا يجوز أن يستعمل السحر لإبطال السحر، ولكن يعالج المبتلى بالسحر بالرقى والأدعية الشرعية الواردة في القرآن والثابتة في السنة ) وقالوا أيضا ( فك السحر بالسحر لا يجوز، وإتيان الكهان أو إحضارهم عند المسحور لفك ما به من سحر لا يجوز، وتعليق الحجب والتمائم لذلك لا يجوز، ولو ترتب على ما ذكر فك السحر أحيانا، ولكن يرقى المسحور بتلاوة القرآن عليه كسورة ( الفاتحة ) و ( آية الكرسي ) و ( قل هو الله أحد ) و ( المعوذتين ) ونحوها من سور القرآن وآياته، وكذلك يرقى بالأدعية والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله :- اللهم رب الناس، أزل الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ، ومثل قوله :- بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ويكرر ذلك (ثلاث مرات) لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونوصيك بالرجوع إلى كتاب [الأذكار] للنووي ، وكتاب [الكلم الطيب] لابن تيمية وكتاب [الوابل الصيب] لابن قيم الجوزية وباب ما جاء بالنشرة في [كتاب التوحيد] و [فتح المجيد] وقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر ثم شفاه الله من ذلك ) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( والمقصود : أن السحرة شرهم عظيم , ولهذا يجب أن يقتلوا ، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة ، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية وجب عليه قتلهم , صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم ومن أصيب بالسحر ليس له إن يتداوى بالسحر ، فإن الشر لا يزال بالشر ، والكفر لا يزال بالكفر وإنما يزال الشر بالخير , ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال "هي من عمل الشيطان" والنشرة المذكورة في الحديث : هي حل السحر عن المسحور بالسحر ، أما إن كان بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرقية الطيبة فهذا لا بأس به ، وأما بالسحر فلا يجوز كما تقدم , لأن السحر عبادة للشياطين ، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين ، وبعد خدمته للشياطين وتقربه إليهم بما يريدون ، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر ، لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية ، بالأدوية المباحة ، كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء ، وليس من اللازم أن يشفى , لأنه ما كل مريض يشفى ، فقد يعالج المريض فيشفى إذا كان الأجل مؤخرا ، وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض ، ولو عرض على أحذق الأطباء وأعلم الأطباء لأنه متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج, لقول الله تعالى وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضر الأجل وقدر الله للعبد الشفاء كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء ، وقد لا يكتب له الشفاء . ابتلاء وامتحانا ، وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا ، منها : أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل " وقال عليه الصلاة والسلام " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " ومن العلاج الشرعي : أن يعالج السحر بالقراءة فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن : وهي الفاتحة ، تكرر عليه ، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور ، وأنه متى قال للشيء : كن فإنه يكون ، فإذا صدرت القراءة عن إيمان ، وعن تقوى ، وعن إخلاص ، وكرر ذلك القارئ فقد يزول السحر ويشفى صاحبه بإذن الله ، وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لدغ شيخهم ، يعني : أميرهم ، وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه ، فقالوا لبعض الصحابة : هل فيكم من راق؟ قالوا : نعم . فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة ، فقام كأنما نشط من عقال في الحال ، وعافاه الله من شر لدغة الحية , والنبي عليه الصلاة والسلام قال : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقد رقى ورقي عليه الصلاة والسلام ، فالرقية فيها خير كثير ، وفيها نفع عظيم فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة ، وبآية الكرسي ، وبقل هو الله أحد ، والمعوذتين ، أو بغيرها من الآيات ، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعض المرضى : اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ، يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر ، ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ثلاث مرات فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يشرع أن يرقى بها اللديغ والمسحور والمريض ، ولا بأس أن يرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة ، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعا , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان؛ لأنه سبحانه هو القادر على كل شيء ، وله الحكمة البالغة في كل شيء ، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره ، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل وقد لا يشفى المريض , لأنه قد تم أجله وقدر موته بهذا المرض , ومما يستعمل في الرقية آيات السحر تقرأ في الماء ، وهي آيات السحر في الأعراف ، وهي قوله تعالى وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وفي يونس وهي قوله تعالى وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ إلى قوله جل وعلا وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ وكذلك آيات طه قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى إلى قوله سبحانه وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى وهذه الآيات مما ينفع الله بها في رقية السحر ، وإن قرأ القارئ هذه الآيات في الماء وقرأ معها سورة الفاتحة ، وآية الكرسي ، وبقل هو الله أحد والمعوذتين في ماء ثم صبه على من يظن أنه مسحور ، أو محبوس عن زوجته فإنه يشفى بإذن الله, إن وضع في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان مناسبا ، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في (فتح المجيد) عن بعض أهل العلم في باب (ما جاء في النشرة) ويستحب أن يكرر قراءة السور الثلاث ، وهي : (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات, والمقصود : أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يعالج به هذا البلاء وهو السحر ، ويعالج به أيضا من حبر عن زوجته ، وقد جرب ذلك كثيرا فنفع الله به ، وقد يعالج بالفاتحة وحدها فيشفى ، وقد يعالج بقل هو الله أحد والمعوذتين وحدها ويشفى , ومن المهم جدا أن يكون المعالج والمعالج عندهما إيمان صادق ، وعندهما ثقة بالله ، وعلم بأنه سبحانه مصرف الأمور وأنه متى شاء شيئا كان ، وإذا لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى ، فالأمر بيده جل وعلا ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه يزول المرض بإذن الله وبسرعة ، وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية . نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه ، إنه سميع قريب ) وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم حل السحر عن المسحور "النشرة"؟ فأجاب قائلًا ( حل السحر عن المسحور " النشرة " الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: