قراءة الرقية على الغائب بلا استماع
وصفتها أن ينوي رقية شخص لا يراه ولا يستمع إليه, فيقرأ عليه الرقية بنية الشفاء.
وهذه الرقية فيها تفصيل, ومناط اعتمادها هو القصد, فإن كانت قراءة الآيات والأذكار القصد منها الدعاء, كقول: (أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك) أو قول ( أُعيذك بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر) أو غير ذلك مما ورد من دعاء أو ذكر مشروع في الرقية, فكانت دعاء بلفظ الرقية, فلا شك أن هذا العمل مشروع وجائز, وله أن يدعو ما بما شاء من ألفاظ الرقية.
أما قراءة الآيات والأذكار بقصد الرقية, فلم أجد فيما بحثت من عمل بها من الصحابة والتابعين والسلف الصالح, وإن كانت لا تخالف الضوابط الاجتهادية وخالية من الشرك, إلا أنها على الصحيح لا تجوز, ويجب تركها إلى الدعاء.
"فقد جرت السنة وعمل السلف في الرقية سواء بالقرآن أو غيره من الرقى الشرعية على مباشرة الراقي القراءة بنفسه على المرقي, لما في ذلك من معانٍ تقوم فيهما لابد من اعتبارها: من التوكل على الله، وحسن الظن به، والعلم بأنه سبحانه الضار النافع، والتماس الخير والبركة والشفاء بالأسباب الشرعية، وحصول الانتفاع بما يتلى من القرآن، والأدعية، فينتفع البدن، ويزداد إيمان القلب، ويخنس الشيطان بالذكر والقرآن، ويزول المرض، بإذن الله, ولم تأت السنة، ولا كان من عمل المتقدمين برقية شخص غير موجود، بل بعيداً عن الراقي, والرقية نوع من العلاج، ولا ينتفع المريض بالعلاج إلا إذا تعاطاه، فكذلك الرقية، ولا يمكن تصور ذلك إلا بمباشرة الراقي القراءة على المريض.[1]
فهذا العمل على الصحيح منهي عنه سداً للذريعة[2],"كما أفتى العلماء بعدم جوازها[3] سداً للذريعة, والتلاعب بسنة رسول الله r وابتداع شيء لم يشرع[4], أو يتطور الأمرإلى أن تكون الرقية مجرد عادة تقال, فأين صدق اليقين والإخلاص وطلب الشفاء والتضرعإلى الله, أضف إلى ذلك عدم سماع المريض للرقية, وعدم وضع اليد على موضع الألم, وعدم وجود النفث عند من اشترط النفث في الرقية".[5]
وكما أن هذا الأمر منهي عنه سداً للذريعة فإنه يباح للمصلحة الراجحة, فقواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية أن ما حُرِّم سداً للذريعة فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
فقاعدة سد الذرائع تتعلق بالوسيلة الجائزة في ذاتها, إذا أدى الأخذ بها إلى ممنوع شرعاً.
وأما فتح الذرائع فهو طلب الوسيلة الجائزة إذا كانت طريقاً إلى مصلحة راجحة.
فمتعلق قاعدة الذرائع سداً وفتحاً هو الأفعال الجائزة في ذاتها, لكنها قد تؤدي إلى مصلحة راجحة فتطلب مباشرتها, وقد تؤدي إلى مفسدة راجحة فينهى عن مباشرتها.[6]
والخلاصة: أنه متى كانت المصلحة راجحة[7] في رقية الغائب؛ جاز الأخذ بها وفتح الذريعة, ومتى كان ما ذكر العلماء من مفسدة مترتبة[8] على الرقية على الغائب راجحاً؛ وجب منعها سداً للذريعة.
[2] الذريعة: هي الموصل إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة, أو الشيء المشروع المشتمل على مصلحة.
وسد الذرائع: منع الفعل الجائز إذا كان مفضياً إلى محظور. ** قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية (ص366)**.
[3] سئلت اللجنة الدائمة للبحوث فأجابت: (الرقية لابد أن تكون على المريض مباشرة ولا تكون بواسطة مكبر الصوت ولا بواسطة الهاتف لأن هذا يخالف ما فعلة رسول الله وأصحابه رضوان الله عليهم وأتباعهم بإحسان في الرقية وقد قال r (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). **فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم(20361) تاريخ 17/4/1419هـ{.
[4] كما يرى بعض أهل العلم أنها تفتح باب الاستعانة بالجن الصالحين, وهذا باب واسع غير منضبط ويقف على تحريمه جمهور العلماء, ومن استعان بالله ليس في حاجة للاستعانة بغيره, قال تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [ الجن : 6 ].
[5] الأحكام الفقهية للرقية الشرعية (ص417).
[6] قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية (ص366) بتصرف يسير.
[7] كمريض في معزل عن أهله ويخشون هلاكه.
[8] كأن يتطور الأمر ليصبح تشريع لما لم يشرع, أو أن يؤدي إلى التلاعب فيما شُرع, أو يؤدي إلى فتح باب الاستعانة بالجن الصالحين, وغير ذلك مما نهى عنه العلماء من باب سد الذريعة الموصلة إليه.