من أدلة وجوب تغطية وجه المرأة بحضرة الرجال الأجانب
من الكتاب العزيز :
قال سبحانه وتعالى :
** يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً **
قال ابن عباس - في تفسير الآية - : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتـهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينـاً واحدة .
وقال ابن سيرين سألت عَبيدة السَّلماني فقال بثوبه ، فغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
ولا يرد على هذا قول من قال إن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين ؛ فإن الآية واضحة في النص على نساء المؤمنين عامة ( وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ )
وإنما اختصت أمهات المؤمنين بحجب أشخاصهن .
قال سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )
ولا أريد الإطالة في هذه النقطة .
ومن الأدلة قوله سبحانه وتعالى : ( وَلْيَضْرِبْن بِخُمُرِهِنَّ َ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
قالت عائشة رضي الله عنها : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنـزل الله : ( وَلْيَضْرِبْنَ ِبِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) قالت : شققن مروطهن فاختمرن بها . رواه البخاري .
والخمار هو غطاء الوجه .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : خمروا الآنية . متفق عليه .
والتخمير بمعنى التغطية . أي غطّوا الآنية .
وخمار الوجه هو الغطاء الذي يُسدل عليه .
وكل هذا يدلُّ على أن غطاء الوجه كان معروفاً عندهم وليس بدعاً من القول أو ضرباً من العادات
ومن السنة النبوية :
قول عائشة رضي الله عنها : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحرِمات فإذا حاذونا سدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه .
وهذا عام في أمهات المؤمنين وغيرهن .
ومن ادّعى خصوصية أمهات المؤمنين بهذا الأمر فقد غلِط .
وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أفتت نساء المؤمنين بذلك .
فقد روى إسماعيل بن أبي خالد عن أمه قالت : كنا ندخل على أم المؤمنين يوم التروية فقلت لها : يا أم المؤمنين هنا امرأة تأبى أن تغطي وجهها . فرفعت عائشة خمارها من صدرها فغطت به وجهها . رواه ابن أبي خيثمة .
وكان عليه العمل عند غير أمهات المؤمنين .
كما روت ذلك فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها .
روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .
وهذا من أظهر الأدلة على وجوب الحجاب
إذ لو كانت تغطية وجه المرأة أمام المحارم من المستحَـبّات لما جاز للنساء ارتكاب محظور من محظورات الإحرام لأجل أمر مسنون .
فإحرام المرأة في وجهها .
فإذا لم تكن بحضرة رجال أجانب فإنه يحرم عليها تغطية وجهها ، فإذا كانت بحضرة رجال أجانب وجب عليها تغطية وجهها .
وهنا تعارَض واجب وأوجب
والواجب كشف الوجـه أثناء الإحـرام
والأوجب تغطية الوجه عن الرجال الأجانب .
فدلّ فعل أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين من بعد على أن تغطية الوجه ليست مختصة بأمهات المؤمنين .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المرأة عورة . رواه الترمذي وغيره .
فلا يُستثنى من هذا الدليل الصحيح شيء إلا بدليل صحيح ، ومن استثنى بغير دليل فقد تحكّم برأيه ، وخالف السُّنّة .
وأما الاستدلال على عدم وجوب تغطية وجه المرأة بنظر الخاطب فهذا من العجائب .
فإن العلماء يستدلون به على ستر الوجه وتغطيته . إذ لو كانت المرأة سافرة الوجه لما احتاج الخاطب أن ينظر إليها لأنه سيكون قد رآها وعرفها .
وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على ذلك بناء على ما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا جناح على أحدكم إذا أراد أن يخطب المرأة أن يغترها ، فينظر إليها ، فإن رضي نكح وإن سخط ترك . رواه عبد الرزاق .
وروى جابر رضي الله عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل . قال جابر : فخطبت امرأة من بني سليم فكنت أتخبأ لها في أصول النخل ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . رواه أبو داو والحاكم وقال : هذا حديث صحيح .
وروى ابن ماجه عن محمد بن سلمة قال : خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها ، فقيل له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها .
وقد نقل الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق .
وأما الاستدلال بآية النور في الأمر بغض الأبصار فليس فيه مستند لمن قال بعدم وجوب تغطية الوجه .
إذ المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان . كما قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
فإذا كانت كذلك وجب غض البصر عن المرأة ولو كانت متحجبة ، إذ قد يظهر منها شيء أو قد ينظر الرجل إلى جسم المرأة فيُفتن بها .
وإذا كانت الأذن تعشق صوت المرأة كما قال بشار بن برد :
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة = والأذن تعشق قبل العين أحيانا !
فإذا كان هذا في الأذن فالنظر إلى جسم المرأة أشد في الفتنة ، وعندها يجب غض البصر .
بل ألم تسمع إلى تغزل بعض الشعراء بجسم المرأة ، وبخصرها وغير ذلك .
ويؤمر المسلم بغض البصر لما يكون من الجواري ونساء العجم .
قال الإمام البخاري رحمه الله :
قـال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نسـاء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن . قال : اصرف بصرك عنهن ، يقول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ )
قال قتادة : عمّا لا يحل لهم .
( خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ) من النظر إلى ما نهى عنه ، وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تِحض من النساء ، لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه ، وإن كانت صغيرة ، وكَرِه عطاء النظر إلى الجواري التي يُبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري . انتهى ما علقه الإمام البخاري رحمه الله .
من أجل ذلك وجب غض البصر .
========================
ولم أرَ لمن قال بجواز كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب سوى حديث أسماء في جواز كشف الوجه واليدين : إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا .
فهذا حديث ضعيف له أكثر من سبع علل . كما بينه العدوي في رسالة الحجاب .
وحديث الخثعمية في الحج . وليس صريحا في الدلالة على ذلك ، إذ رواه أبو يعلى عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء فجعل يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها . قال : فجعلت ألتفت إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه .
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
ولا يُعارضه قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة . فإن الأب يُطلق على الجد أيضا .
ويُحتمل أنها كانت وضيئة ، أي يُعرف ذلك ولو من وراء حجابها .
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي الفجر ، فيشهدُ معه نساءٌ من المؤمنات متلفعاتٌ بِمُرُوطِهنّ ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ، ما يَعرفُهُنّ أحدٌ من الغَلَسِ . رواه البخاري ومسلم .
وليس في الحديث ما يدلّ على جواز كشف الوجه ، إذ يُرد المتشابه إلى المحكم .
وقد تظافرت أدلة الوحيين على وجوب تغطية المرأة لوجهها .
وأما الأحاديث التي قد يُفهم منها كشف الوجه كهذا الحديث فليست صريحة في الدلالة .
وغاية ما في هذا الحديث نفي المعرفة ، وهو محتمل لوجوه :
إما نفي معرفة أعيانهن من قِبل النساء أنفسهن .
أو أنه قبل نزول الحجاب ، كما قاله الباجي ، فيما نقله عنه ابن الملقّن .
ثم إن مِن عادة النساء في ذلك الزمن أنهن ينصرفن قبل الرجال
قالت أم سلمة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم . قالت : نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال . رواه البخاري .
بمعنى أنهن لو كشفن وجوههن مع الغلس وانصرافهن قبل الرجال لم يكن فيه من حرج ، كما أنه ليس فيه مستمسك للقول بجواز كشف المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب .
==========
فهذه أختي الفاضلة أدلة الكتاب والسنة متضافـرة في وجوب ستر وتغطية وجه المرأة .
بل وأقوال سلف هذه الأمة .
وأي فتنة أعظم من مجمع المحاسن ، وجـه المـرأة .
سائلا الله جل جلاله أن يجعل الحق هدفنا والجنة غايتنا .
.................
بقلم فضيلة الشيخ / عبد الرحمن السحيم -حفظه الله-
والفتوى كاملة على هذا الرابط