،،،،،،
بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ( حنونة ) ، إن كانت تلك رؤيا فلا بد من عرضها على مؤول للرؤى ، لأن الأمر قد لا يكون له علاقة بالأهل من أساسه ، ولذلك أقدم لك بعض المباحث وهي على النحو التالي :
المبحث الأول : مقدمة عن موضوع الرؤى والمنامات :
يلاحظ الناظر في العصر الذي نعيش فيه بأن الناس اليوم قد تولّعوا تولّعًا شديدًا بالحديث عن الغيبيات ، وتاقت نفوس ضعيفة إلى مكاشفتها ، ما بين مؤمنٍ بالخرافة وراض بالكهانة ، وآخرين سادرين في السجع والتخمين ، يقذفون بالغيب في كل حينٍ ، والناجون من هذا وذاك تطلعت نفوسهم إلى أمرٍ آخر ، واشرأبت نفوسهم إليه ، ألا وهي تلك المنامات التي يرونها ، وقُل في بعضهم : يتراءونها ، مما أصبحت اليوم هي حديث الناس وسؤالهم .
وتكالبت همم كثير من الناس عليها ، وتعلقت النفوس بهذه الرؤى والمنامات ، وأصبحت شغل الناس الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع ، بل أصبحت سوقًا رائجة لها زبائن كثر في القنوات الفضائية ، فأجلبت الفضائيات بخيلها في ذلك ، وعقدت مجالس للرؤى والمنامات لما رأت تهافت الناس السريع لذلك .
وأصبحت ترى اليوم إن كان السائل عن الأمور الشرعية واحدًا فالسائل عن الرؤى والمنامات عشرة ، ورأيت مهمومين مغمومين يكلمك أحدهم أنه لم ينم ليالي عددًا ، بسبب رؤيا مقلِقة رآها ، وقد يكون عبّرها له جاهل بسوء ، وأصبحتَ ترى فرحين سعداء ، لكأنهم يترقبون بيوتهم تنقلب بساتين وقصورًا ، أو وسائدهم تنقلب ذهبًا ، بسبب رؤيا رأوها .
من أجل ذلك كلَّه كان لزامًا أن يسلّط الضوء على المنهج الشرعي والهدي النبوي تجاه الرؤى والأحلام .
قال تعالى في كتابه الكريم :
( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
( سورة يونس - الآية 62 - 64 )
قال عددٌ من الصحابة والتابعين عند هذه الآية : ( "لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له ) 0
وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله :
( لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات ، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه )
والرؤيا هي التي قال عنها الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه :
( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة )
( متفق عليه )
ولذلك فإن للرؤيا منزلة عظيمة ومكانة رفيعة في الإسلام ، ولا ينكرها إلا جاهل ، وتعجّب كثيرون من حقيقتها ، وكيف تقع للإنسان ، وخاض علماء النفس وأصحاب الفلسفة في ذلك كثيرًا ، لكن أجاب عن حقيقتها أحد علماء الأمة وهو المازري - رحمه الله - إذ قال في حقيقتها :
( والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان ، وهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمًا على أمور يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها ) 0
المبحث الثاني : أنواع الرؤى :
والرؤى كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما جاء في رواية ابن ماجه في سننه وصححه الألباني أن رسول الله قال :
( إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة )
يقول الإمام البغوي - رحمه الله - : ( في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها ) 0
* أنواع الرؤى :
* النوع الأول : هي الرؤيا السيئة التي من الشيطان :
وهناك آداب شرعية تجاهها ، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: كنتُ أرى الرؤيا فأمرض منها، حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال : سمعت رسول الله يقول :
( الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره )
( متفق عليه )
قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل ، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها 0
وقد جاء أعرابي إلى النبي كما ثبت في صحيح مسلم فقال : يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أثره !! فقال رسول الله للأعرابي :
( لا تحدّث الناس بتلعُّب الشيطان بك في منامك )
والسنة تجاه مثل تلك الرؤى السيئة التحلي بآداب معينة : أن يتعوّذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات ، وأن يتعوذ بالله من شر الشيطان ثلاث مرات ، وأن يتفل عن يساره ثلاث مرات ، وأن لا يحدّث بها أحدًا ولا يطلب تفسيرها، وقد صح في مسلم أيضًا :
( أن يتحوّل عن الجنب الذي كان عليه، وأن يصلي عقبها )
النوع الثاني : فهو ما يحدّث به المرء نفسه في يقظته :
كمن يكون مشغولاً بسفر أو تجارة أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها 0
* النوع الثالث : فهو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله :
قال :
( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه )
وعند مسلم :
( ولا يخبر بها إلا من يحب )
وجاء عند ابن عبد البر أنه يطلب تفسيرها 0
* المبحث الثالث : علامات الرؤيا الصادقة وأضغاث الإحلام :
* علامات الرؤيا الصادقة :
- من علاماتها انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة 0
- ومن علاماتها أن يكون الرائي معروفًا بالصدق في كلامه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا )، وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته 0
- ومن علامتها أن يعرف أولها وآخرها ، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها 0
- ومن علاماتها أن تكون تبشيرًا بالثواب على الطاعة أو تحذيرا من المعصية 0
والرؤيا الصالحة قد تكون واضحة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.
* علامات أضغاث الأحلام :
وكثيرون هم في هذا الزمان الذين يتهافتون على المفسرين للرؤى ويشغلون أهل العلم بأحلام سيئة أو أخلاط مواقف لا رابط لها، لذا شرع أهل العلم في بيان علامات لأضغاث الأحلام أو الرؤيا السيئة، وعلامات للرؤيا الصادقة حتى يفرق الناس 0
ومن علامات أضغاث الأحلام أو الرؤى الفاسدة :
- أن النائم يرى في منامه مناظر متناقضة ومتداخلة ، لا يعرف أولها من آخرها 0
- ومن علاماتها أن بعض الناس يمرض فيرى في منامه ما يوافق مرضه 0
- ومن علاماتها كأن يرى مستحيلات لا يمكن أن تقع 0
- ومن علاماتها أن يرى ما تحدّث به نفسه في اليقظة 0
* المبحث الرابع : بعض الأمور المتعلقة بالرؤى والمنامات :
كثيرا ما توجه بعض المرضى بالدعاء والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ، وفرج الله كربتهم عن طريق رؤى رأوها في منامهم تبين لهم من خلالها مكان السحر ، ويتطابق ذلك مع الواقع في بعض الأحيان فيزيلون مادة السحر ويتلفونها ويحمدون الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليهم من نعمه التي لا تعد ولا تحصى 0
( قصة واقعية )
أذكر قصة واقعية حدثني بها أخي الفاضل الشيخ ( صالح بن حمود التويجري ) نقلا عن والده العلامة ( حمود بن عبدالله التويجري ) عن امرأة كانت بارة بجدها ، وكتب الله سبحانه وتعالى لها أن تزوجت بأحد علماء القصيم ، وبعد الزواج شعرت هذه المرأة الصالحة بكراهية شديدة للزوج ، ولكنها لم تفاتحه بالأمر ، وما توانت ولو للحظة واحدة عن أداء حقوقها الزوجية ، وصبرت وتحملت إلى أن ضاق بها الأمر وأخبرت الزوج عن حالها فذكرها بالله وبالصبر والاحتساب ، وذات يوم رأت في نومها جدها وهو يبين لها الداء الذي تعاني منه ، حيث أخبرها بأنها تعرضت لسحر ، وأنه معقود لها وموجود في مكان معين ، وفي الصباح لم تعر تلك الرؤيا أي اهتمام ، حتى جاء اليوم الثاني ، فرأت ما رأته في اليوم الأول ، ونامت وفي اليوم الثالث رأت مثل سابقيه ، عند ذلك أخبرت الزوج بالأمر ، فما كان من الزوج إلا أن ذهب إلى حيث أشارت الرؤيا ، وفعلا وجد السحر في ذلك المكان فقرأ عليه وأحرقه ، وعادت الألفة والمحبة بين الزوج وزوجه ، ولله الحمد والمنة والفضل والله تعالى أعلم 0
مع الأخذ بعين الاعتبار الضابط الأول وهو إثبات جريمة السحر بتوفر الأركان الخاصة بذلك 0
وبهذه المناسية فيسرني أن أقدم لكم - يا رعاكم الله - بعض الأمور المتعلقة بالرؤى والمنامات وهي على النحو التالي :
أولاً : إن الرؤى جزء من النبوة :
عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله :
( الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة )
( حديث صحيح - صحيح ابن ماجة 3145 )
ثانياً : الرؤيا الصالحة من مبشرات النبوة :
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه والصفوف خلف أبي بكر فقال :
( أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له )
( حديث صحيح - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه )
ثالثاً : الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له :
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال :
( هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له )
( حديث صحيح - صحيح ابن ماجة 3146 )
رابعاً : أن الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح :
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )
( حديث صحيح - متفق عليه )
خامساً : الرؤيا على ثلاثة أقسام 0
( الرؤيا ثلاث ، فالبشرى من الله ، وحديث النفس ، وتخويف من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ، وإذا رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي )
( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 1341 )
سادساً : إذا رأى ما يعجبه فليقص إن شاء ، ولا يفعل إلا لصاحب رأي عالم أو ناصح :
( إن الرؤيا تقع على ما تعبر ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها ، فإذا راى أحدكم رؤيا ، فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما )
( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 120 )
( لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح )
( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 119 )
سابعاً : إن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد 0
( إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها ، وليفسرها ، وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه ، فلا يذكرها ، ولا يفسرها )
( حديث صحيح - السلسلة الصحيحة 1340 )
ثامناً : إن رأى ما يكرهه فليعمد إلى الصلاة 0
لما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف من الشيطان فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي )
( حديث صحيح - الصحيحة 1341 )
تاسعاً : فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم وليتحول عن جنبه :
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه )
( حديث صحيح - الصحيحة 1311 )
عاشراً : أن الرؤيا تقع كما تؤول :
عن وكيع بن عدس العقيلي عن عمه أبي رزين - رضي الله عنهم - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قال والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال وأحسبه قال لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي )
( حديث صحيح - الصحيحة 119 ، 120 )
حادي عشر : السؤال عن الرؤيا الحسنة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول :
( هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ويقول إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة )
( صحيح الاسناد - صحيح أبي داود 4195 )
ثاني عشر : إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا والرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله والرؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس قال وأحب القيد وأكره الغل والقيد ثبات في الدين )
( حديث صحيح متفق عليه )
ثالث عشر : الرؤيا من الله والحلم من الشيطان :
عن أبي قتادة - رضي الله عنه - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات ثم ليتعوذ من شرها فإنها لا تضره )
( حديث صحيح - متفق عليه ) 0
المبحث الخامس : تنبيهات على بعض أخطاء الناس في التعامل مع الرؤى والمنامات :
وإن الرائي لحال كثير من الناس اليوم يرى أخطاء فادحة تجاه الرؤى وجهلاً ذريعًا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لذا فهذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في ذلك 0
أولاً : انشغال الناس بهذه الرؤى وتقديسها :
وصرف الأوقات الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعلم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر قدره فلا إفراط ولا تفريط 0
ثانيًا : إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تعبير الرؤى :
مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن رسول الله كان كثيرًا ما يسال أصحابه بعد الفجر:
( من رأى منكم رؤيا؟ )
فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله ، ولا يقاس عليه غيره، وكان في طور تنزّل الوحي، ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تعبير الرؤى، لا سيما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف بتعبير الرؤى 0
ثالثًا : من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها :
وفي ذلك إثم عظيم ، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من تحلم بحلم لم يره كلَّف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل )
قال الإمام الطبري - رحمه الله - : ( الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره ) 0
رابعًا : بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدًا إلا وقد سأله عنها :
وقد يسأل أحيانًا جهالاً لا يفقهون فيها شيئًا ، وتفسير الرؤى علم ليس لأي أحدٍ أن يتكلّم فيه 0
سئل الإمام مالك - رحمه الله - : ( أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال مالك : أبِالنبوة يُلعب ؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقـول : ( إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحًا أو عالمًا ) ( أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ) 0
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتيًا في الرؤى، يتكلم بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله :
( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً )
( سورة الإسراء - الآية 36 )
خامسًا : يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب الرؤى والاعتماد عليها :
فكلما رأى في منامه شيئًا فتح كتابه، ألا فليعلم أن الرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، وقد تكون الرؤيا واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف 0
جاء رجلٌ صالح لابن سيرين فقال : رأيت أني أؤذن في المنام ، فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) ( سورة الحج - الآية 27 ) ، وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام، فعبرها له بأنه يسرق لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ( سورة يوسف - الآية 70 ) 0
سادسًا : تنتشر بين الفينة والأخرى ورقةٌ مذكور فيها رؤيا للرجل الصالح أحمد خادم الحجرة النبوية :
وفيها بعض الوصايا، وكذلك ورقة أخرى أن فتاة رأت في المنام أمَ المؤمنين زينب أو بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة تأمرها بأن تقرأ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ( سورة الإخلاص - الآية 1 ) ، كذا مرة وسيحصل لها كذا وكذا، وكل هذه خزعبلات وأكاذيب لا تنشر إلا عند الجهلاء، وقد نبهت عليها اللجنة الدائمة، وتكلم عنها الشيخ ابن باز رحمه الله في إيضاح قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، ألا فليُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات إلا والدين قد كمل، وأن أيّ مدّعٍ يدعي أنه اكتشف سنة عبر منام فهو كاذب، فليس هناك سنة إلا وقد بينها صلى الله عليه وسلم ، وانتهى التشريع بموته 0
وختامًا فمن أراد الرؤيا الصالحة فعليه بالصدق في أقواله وأفعاله ، وأن لا ينام إلا على وضوء ، وينام على جنبه الأيمن ، ويأتي بالأوراد الثابتة عند النوم ، ويسأل الله الخير ، ولا يغترّ بما يرى ولو عبر بما عبر فالإمام أحمد رحمه الله يقول : ( الرؤيا تسرّ المؤمن ولا تغرُّه ) 0
هذا ما تيسر لي أخيتي الفاضلة ( حنونة ) ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0