السلام عليكم ورحمة الله و بركاته,
أستاذ أبو البراء,
كل الآيات التي ذكرت لا تقر مسألة مس الشيطان للمؤمن حصراً, والحديث الذي ذكرت عن عثمان بن العاص إنما تثبت الوسوسة, والتي لا أنكرها على المؤمن, وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام للشيطان بأن يخرج لا يدل على أن الشيطان كان يتلبسه أو يتكلم على لسانه أو يصيبه بحالة هيجان أو صرع, وإنما أنا دخل فمه وأصبح يوسوس إليه, ونحن مأمورون بعدم التثاؤب في الصلاة لأن الشيطان يضحك على المؤمن إن تثاءب أثناء الصلاة في حضرة الله ويدخل من فمه, وهذا ما لا أنفيه, وإنما أرفض أن يؤثر الشيطان على المؤمن فيذهب عقله ويتكلم بلسانه أو يصيبه بحالات الصرع والهيجان, هذا كله في ذلك الحديث. أما حديث الامرأة التي تتكشف حين تصرع, فلم تقل المرآة فيه ولا الرسول عليه الصلاة والسلام بأن الشيطان يتلبسها, وإنما أنها تصرع, وهناك الصرع بسبب مرض نفسي, وهو ما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم فشفاها الله منه, وإلا لكان أمرها بأن تقرأ القرآن وأن تتبع أساليب الرقية الشرعية التي تتحدثون عنها, ولعلم جميع المؤمنين كيف يتداوون من مس الشيطان وصرعه لهم.
لقد رزقنا الله سبحانه وتعالى نعمة كبيرة جداً, وهي الاستعاذة به من الشيطان الرجيم, والمعوذتان من أفضل وسائل حفظ الإنسان من أي أذى. ووعدنا الله بأنه ليس للشيطان على المؤمن من سلطان, ولو لم يكن في القرآن كله إلا هذا لكفى المؤمن, فماذا هناك أفضل من أعوذ بالله؟
وفي الأحاديث التي ذكرت ما يطمئن المؤمن ويذكره بأن الشيطان عدوه دائماً وأبداً إلى يوم الدين, وسلاحنا هو الاعتصام بحبل الله والاستعاذة به من كل الشرور. هذا في القرآن والسنة, أما ما تأتون به من أحاديث فلا تقر بصريح العبارة وتخوف المؤمن من الجن, وإنما زعمكم أن ما نسمع عن كل شئ لا نستطيع تفسيره أنه مس الجن للإنسان هو ما يخيف المؤمن والكافر, ويفقد الإنسان الثقة بالله, فكيف يتركنا الله هكذا كلقمة سائغة للشيطان يتلبسنا كيف يشاء؟
كما أتيت بآراء أعلام الأمة قديماً وحديثاً, أتيت أنا, ولكني لا آتي بعد ذلك وأقرر بأن الأمر قد فض فيه, وكل ما وراء ذلك سراب. كل ابن آدم معرض للخطاً, وتعدد الآراء إنما يفتح مجالاً للعقل كي يتدبر ويختار ما يجده أكثر إقناعاً, وهو ما أمرنا به الله عز وجل, وهو أيضاً من تيسير ديننا الحنيف في مجالات أخرى.
أنا لن أقفل باب النقاش مادمت تنفي كل ما أقول وتفند آراء العلماء الثقات, فهذه المدرسة العقلانية ليست خاطئة, ولا تستطيع أن ترد قول عالم لأنه ينتمي إلى ما تسمون بالمدرسة العقلانية أو أي اسم آخر, بل كلهم من أهل السنة والجماعة, وكلهم يؤخذ منهم ويُردّ عليهم.
كلنا وقتنا ثمين, وكلنا يبحث عن الحق, ولكن المسألة ليست مقررة ومفصول فيها, وإلا لما وجدت عالماً واحداً يتحدث في الأمر, وأنا هنا لا أتحدث عن نفسي, فأرجو ألا تظن ذلك وتعود إلى سابق عهدك من الاستهزاء. عذراً لن أنقح ما كتبت الآن, فالوقت متأخر, ولكن لي عودة إن شاء الله.
الحمد لله رب العالمين, والسلام عليكم.
مهى