هذا أزب العقبة
بسم الله
ومازلنا فى الرحلة العطرة لسيد العالمين
ففى -قصة بيعة العقبة الثانية
1- قال ابن إسحاق: ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وخرج من خرج من الانصار من المسلمين [ إلى الموسم ] مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أواسط أيام التشريق، حين أراد الله بهم من كرامته والنصر لنبيه واعزاز الاسلام وأهله [ وإذلال الشرك وأهله ].
2-قال كعب بن مالك - وكان من أعلم الانصار - - وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها -.قال: خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور (البراء بن معرور: يكنى أبا بشر، وهو أحد النقباء الاثني عشر من الانصار، وهو أول من تكلم من النقباء ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعون.أوصى بثلث ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث شاء، مات وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر، قال الواقدي: كان أول من مات من النقباء) سيدنا وكبيرنا،
فلما وجهنا لسفرنا، وخرجنا من المدينة، قال البراء: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا والله ما أدري أتوا فقونني عليه أم لا ؟ قلنا وما ذاك ؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر - يعني الكعبة - وأن أصلي إليها.قال: فقلنا والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام وما نريد أن خالفه.
فقال: إني لمصل إليها، قال فقلنا له: لكنا لا نفعل.قال: فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى هو إلى الكعبة حتى قدمنا مكة.
[ قال: وقد كنا قد عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الاقامة على ذلك.فلما قدمنا مكة ] قال لي يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه قد وقع في نفسي منه شئ.لما رأيت من خلافكم إياي فيه.
3-قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك - فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل تعرفانه ؟ فقلنا لا، فقال هل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال: قلنا نعم ! وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا،
قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس، قال: فدخلنا المسجد وإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه، فسلمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: " هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ " قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر ؟ قال: نعم ! فقال له البراء بن معرور: يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا قد هداني الله تعالى للاسلام، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شئ فماذا ترى ؟ قال: " قد كنت على قبلة لو صبرت عليها " قال فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معنا إلى الشام، قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا نحن أعلم به منهم.
4-قال كعب بن مالك: ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق، فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيد من سادتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلى الاسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا
5- وقال الامام أحمد: عن جابر.قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم، عكاظ ومجنة، وفي المواسم يقول " من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة "
فلا يجد أحدا يؤويه ولا بنصره، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر - كذا قال فيه - فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: إحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمضي بين رحالهم [ يدعوهم إلى الله عزوجل ]
وهم يشيرون إليه بالاصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام، ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا.
فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة " فقمنا إليه [ نبايعه ]
وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو من أصغرهم - وهو أصغر السبعين - إلا أنا، فقال رويدا يا أهل يثرب: فإنا لم نضرب إليه أكباد الابل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة وقتل خياركم، [ وأن ] تعضكم السيوف.فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه.فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله.قالوا أمط يدك يا أسعد بن زرارة فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقبلها فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا وأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
6-وقد رواه الامام أحمد قال جابر.: كان العباس آخذا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله يواثقنا، فلما فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخذت وأعطيت " وقال للنقباء من الانصار:
" تؤووني وتمنعوني ؟ " قالو: نعم قالوا: فما لنا ؟ قال: " الجنة " ثم قال: قال كعب بن مالك. : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب، أم عمارة، إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء ابنة عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع.
قال كعب بن مالك: فلما اجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب
فقال: يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الانصار الخزرج خزرجها وأوسها - إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزة من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده.
7-قال: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت: فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام.قال: " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " قال: فأخذ البراء بن معرور بيده [ و ] قال نعم ! فوالذي بعثك بالحق [ نبيا ] لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا (أي نساءنا) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله ابناء الحروب [ وأهل الحلقة ] ورثناها كابرا عن كابر.قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم
أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
" بل الدم الدم، والهدم الهدم (كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار: دمي دمك وهدمي هدمك أي ما هدمت من الدماء هدمته أنا. : أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم).أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " قال كعب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم " فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس.
8-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء: " أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي [ يعني المسلمين ] "
قالوا نعم ! فلما اجتمع القوم : لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة
: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا: نعم ! قال إنكم تبايعونه على حرب الاحمر والاسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له له بما دعوتموه إليه على نهكة الاموال وقتل الاشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الاموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ؟ قال " الجنة " قالوا ابسط يدك فبسط يده فبايعوه.
:9- وإنما قال العباس بن عبادة ذلك ليشد العقد في أعنقاهم وزعم عبد الله بن أبي بكر أنه إنما قال ذلك ليؤخر [ القوم ] البيعة تلك الليلة، رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول سيد الخزرج ليكون اقوى لامر القوم، فالله أعلم أي ذلك كان.
10- قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العباس عمه إلى السبعين من الانصار عند العقبة تحت الشجرة، فقال: " ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم " فقال قائلهم - وهو أبو أمامة - سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك بعد ذلك ما شئت.ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك.
قال: " أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم " قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال: " لكم الجنة " قالوا فلك ذلك.
11-ثم قال عبيدالله بن رفاعة عن أبيه: قدمت روايا خمر، فأتاها عبادة بن الصامت فخرقها وقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا فيه لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب مما نمنع به أنفسنا وأرواحنا وأبناءنا ولنا الجنة.فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا،وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الامر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
12-قال كعب بن مالك.
: فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط ؟ يا أهل الجباجب - والجباجب المنازل - هل لكم في مذمم والصباء معه قد اجتمعوا على حربكم.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا أزب العقبة، هذا ابن أزيب " (هو شيطان اسمه: أزب الكعبة، وقيل الازب: القصير الدميم). " أتسمع أي عدو الله ؟ أما والله لا تفرغن لك .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارفضوا إلى رحالكم " قال: فقال العباس بن عبادة بن نضلة: يا رسول الله والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ".
قال فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا فيها حتى أصبحنا ، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش، حتى جاؤنا في منازلنا فقالوا: يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا.وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا، من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم، قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون ما كان من هذا شئ وما علمناه، قال: وصدقوا لم يعلموا، قال وبعضنا ينظر إلى بعض قال ونفر الناس من منى فتنطس (: تدقيق النظر) القوم الخبر فوجدوه قد كان،
13-فخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وكلاهما كان نقيبا.
فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد بن عبادة فأخذوه فربطوا يديه إلى ؟ عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته - وكان ذا شعر كثير -.
قال سعد: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش، فيهم رجل وضئ أبيض، شعشاع، حلو من الرجال، فقلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا.فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة، فقلت في نفسي لا والله ما عندهم بعد هذا من خير، فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى (رحمني ورق لي) لي رجل ممن معهم.قال: ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ؟ قال: قلت: بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم تجاره وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي.
وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس: فقال: ويحك فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما، قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الان ليضرب بالابطح ليهتف بكما
[ ويذكر أن بينه وبينكما جوار ]، قالا ومن هو ؟ قال: سعد بن عبادة.
قالا: صدق والله، إن كان ليجير لنا تجارنا، ويمنعهم أن يظلموا ببلده، قال: فجاءا فخلصا سعدا من أيديهم، فانطلق.
وكان الذي لكم سعدا سهيل بن عمرو.
14-وكان ذلك لان قريش سمعت قائلا يقول في الليل على أبي قبيس: فإن يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف فلما أصبحوا قال أبو سفيان من السعدان أسعد بن بكر أم سعد بن هذيم ؟ فلما كانت الليلة الثانية سمعوا قائلا يقول:
أيا سعد الاوس كن أنت ناصرا * ويا سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى *
جنان من الفردوس ذات رفارف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
15- قال ابن إسحاق: فلما رجع الانصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الاسلام بها.
وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك منهم، عمرو بن الجموح ، وكان ابنه معاذ بن عمرو ممن شهد العقبة
[ وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ]،
وكان عمرو بن الجموح من سادات بني سلمة وأشرافهم، وكان قد اتخذ صنما من خشب في داره يقال له مناة
(من قولك: منيت الدم وغيره، إذا صببته، لان الدماء كانت تمنى عنده تقربا إليه، ومنه سميت الاصنام الدمى.) كما كانت الاشراف يصنعون، تتخذه إلها يعظمه ويظهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة، ابنه معاذ، ومعاذ بن جبل كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة وفيها عذر الناس منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطيبه وطهره ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل بك هذا لاخزينه.
فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه، ففعلوا مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الاذى، فيغسله ويطيبه ويطهره، ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مثل ذلك، فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهره وطيبه.ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال له: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما أرى، فإن كان فيك خير فامتنع، هذا السيف معك.فلما أمسى ونام عمرو عدوا عليه، فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عذر من عذر الناس وغدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتبعه حتى إذا وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت، فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من
[ رجال ] قومه فأسلم برحمة الله، وحسن إسلامه، فقال حين أسلم، وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ويشكر الله الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة ويقول: والله لو كنت إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن
اف لملقاك إلها مستدن الآن فتشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن * الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن * أكون في ظلمة قبر مرتهن