29)معنى :
#لا_إله_إلا_الله_محمد_رسول_الله
قال تعالى : ** أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ
والَّذينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِياءَ
ما نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلْفَى
إنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هو
كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) **
قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
** أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ **
هذا تقرير للأمر بالإخلاص،
وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله،
وله التفضل على عباده من جميع الوجوه،
فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب،
فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه،
وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به،
لأنه متضمن للتأله لله في حبه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته،
والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده .
وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة .
فإنّ اللهَ بريء منه، وليس لله فيه شيء،
فهو أغنى الشركاء عن الشرك،
وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مُشْقٍ للنفوس غاية الشقاء،
فلذلك لما أمر بالتوحيد والإخلاص،
نهى عن الشرك به،
وأخبر بذم من أشرك به فقال :
** والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ **
أي : يتولونهم بعبادتهم ودعائهم،
[ معتذرين ] عن أنفسهم وقائلين :
** مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلى الله زُلْفَى ** أي : لِتَرفَع حوائجنا لله، وتَشفع لنا عنده، وإلا، فنحن نعلم أنها، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئا .
أي : فهؤلاء،
قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص،
وتجرأوا على أعظم المحرمات،
وهو الشرك،
وقاسوا الذي ليس كمثله شيء،
الملك العظيم، بالملوك،
وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم،
أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء، وشفعاء، ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم،
ويمهدون لهم الأمر في ذلك،
أن الله تعالى كذلك .
وهذا القياس من أفسد الأقيسة،
وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق، مع ثبوت الفرق العظيم، عقلا ونقلا وفطرة، فإن الملوك، إنما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم، لأنهم لا يعلمون أحوالهم .
فيحتاج من يعلمهم بأحوالهم،
وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة، فيحتاج من يعطفهم عليه [ ويسترحمه لهم ]
ويحتاجون إلى الشفعاء والوزراء،
ويخافون منهم، فيقضون حوائج من توسطوا لهم، مراعاة لهم،
ومداراة لخواطرهم،
وهم أيضا فقراء،
قد يمنعون لما يخشون من الفقر .
وأما الرّبّ تعالى، فهو الذي أحاط علمه بظواهر الأمور وبواطنها، الذي لا يحتاج من يخبره بأحوال رعيته وعباده،
وهو تعالى أرحم الراحمين،
وأجود الأجودين،
لا يحتاج إلى أحد من خلقه يجعله
راحما لعباده،
بل هو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم،
وهو الذي يحثهم ويدعوهم إلى الأسباب التي ينالون بها رحمته،
وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لأنفسهم،
وهو الغني، الذي له الغنى التام المطلق، الذي لو اجتمع الخلق من أولهم وآخرهم
في صعيد واحد فسألوه،
فأعطى كلا منهم ما سأل وتمنى،
لم ينقصوا من غناه شيئا،
ولم ينقصوا مما عنده، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط .
وجميع الشفعاء يخافونه، فلا يشفع منهم أحد إلا بإذنه، وله الشفاعة كلها .
فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به، وسفههم العظيم، وشدة جراءتهم عليه .
ويعلم أيضا الحكمة في كون الشرك
لا يغفره الله تعالى،
لأنه يتضمن القدح في الله تعالى،
ولهذا قال حاكما بين الفريقين،
المخلصين والمشركين،
وفي ضمنه التهديد للمشركين :
** إِنّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ **
وقد علم أن حكمه أن المؤمنين المخلصين
في جنات النعيم،
ومَن يشرك باللّه فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار .
** إِنَّ الله لَا يَهْدِي **
أي : لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم
** مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ **
أي : وَصْفُه الكذب أو الكفر،
بحيث تأتيه المواعظ والآيات،
ولا يزول عنه ما اتصف به،
ويريه الله الآيات،
فيجحدها ويكفر بها ويكذب،
فهذا أنَّى له الهدى وقد سد على نفسه الباب، وعُوقب بأنْ طَبعَ اللهُ على قلبِه،
فهو لا يؤمن ؟ . اهـ
تفسير ابن كثير - سورة الزمر - الآية 3
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...ra39-aya3.html
يتبع -----------