،،،،،،
بارك الله فيكم أخي الحبيب ومشرفنا القدير ( الباحث ) ، فقط حتى تعدل الفكرة العامة بالنسبة لنظرتي لمسائل الرقية الشرعية وما يدور في فلكها من أمراض روحية ، فأنا لست ضد البحث العلمي الذي يساعد المرضى على فهم كافة تلك المسائل ، ولكن ضابطي في ذلك كله :
أولاً : القضايا المتعلقة بعالم الغيب لا أرى المساس فيها لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا هو حال علماء الأمة ، فما تجرأ أحد قط على الخوض في علم الغيب إلا بالدليل النقلي الصريح الصحيح ، وليس كبعض المهرطقة ممن جعل القرين خنثى ، ويجلس يبكي على قبر صاحبه إلى قيام الساعة وأنه يجلس في القدم فوق الكعب بقليل ، وزد على ذلك من الهرطقة إلى ما شئت وحيثما شئت 0
يقول تعالى في محكم التنزيل :
( 000 وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )
( سورة آل عمران - جزء من الآية 179 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( وما كان مِن حكمة الله أن يطلعكم -أيها المؤمنون- على الغيب الذي يعلمه من عباده, فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق, ولكنه يميزهم بالمحن والابتلاء, غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه, فآمنوا بالله ورسوله, وإن تؤمنوا إيمانًا صادقًا وتتقوا ربكم بطاعته, فلكم أجر عظيم عند الله ) 0
ويقول تعالى في محكم كتابه على لسان الرسول الأكرم :
( 000 وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ 000 )
( سورة الأنعام - جزء من الآية 50 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( ولا أدَّعي أني أعلم الغيب ) 0
ويقول سبحانه جل في علاه :
( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )
( سورة الأنعام - الآية 59 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( وعند الله -جل وعلا- مفاتح الغيب أي: خزائن الغيب, لا يعلمها إلا هو, ومنها: علم الساعة, ونزول الغيث, وما في الأرحام, والكسب في المستقبل, ومكان موت الإنسان, ويعلم كل ما في البر والبحر, وما تسقط من ورقة من نبتة إلا يعلمها, فكل حبة في خفايا الأرض, وكل رطب ويابس, مثبت في كتاب واضح لا لَبْس فيه, وهو اللوح المحفوظ ) 0
ويقول تعالى :
( 000 وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ 000 )
( سورة الأعراف - الآية 188 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( ولو كنت أعلم الغيب لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تكثِّر لي المصالح والمنافع, ولاتَّقيتُ ما يكون من الشر قبل أن يقع ) 0
ويقول سبحانه :
( 000 فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ )
( سورة يونس - 20 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( فقل لهم -أيها الرسول-: لا يعلم الغيب أحد إلا الله, فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ) 0
ويقول جل في علاه :
( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )
( سورة النمل - الآية 65 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( قل -أيها الرسول- لهم: لا يعلم أحد في السموات ولا في الأرض ما استأثر الله بعلمه من المغيَّبات, ولا يدرون متى هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة ؟ ) 0
ويقول سبحانه :
( أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ )
( سورة الطور - الآية 41 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( أم عندهم علم الغيب فهم يكتبونه للناس ويخبرونهم به؟ ليس الأمر كذلك; فإنه لا يعلم الغيب في السموات والأرض إلا الله ) 0
يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد : ( الحمد لله ،،، فإن علم الغيب مما استأثر الله تعالى بعلمه كما دلت على ذلك نصوص الكتاب و السنة ، فقد قال الله تعالى : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 ، وقال سبحانه : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) الأنعام/59 .
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه المفاتيح بالأمور الخمسة التي وردت في سورة لقمان في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الآية/34 ، وروى البخاري في صحيحه حديث رقم (4477) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت : وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) .
ولكن من المهم في هذه المسألة أن نعلم ما هو الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه فإن الغيب معناه ما كان غائبا ؛ وهذا الغائب إما أن يكون غائبا عن الخلق كلهم - أهل السماء وأهل الأرض - ، فهذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وهو الذي يسمى بالغيب المطلق .
وإما أن يكون هذا الغائب غائبا عن بعض الخلق ، ومعلوما لخلق آخرين ، فهذا إنما يسمى غيبا بالنسبة للجاهل به ، وليس هو غيبا عن جميع الخلق ، فلا يختص الله عز وجل بعلمه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) : " المراد بالغيب : ما كان غائباً ، والغيب أمر نسبي ، لكن الغيب المطلق علمه خاص بالله " انتهى .
وما يخبر به الكهان ، مما سيقع في المستقبل ليس من علم الغيب في شيء ، وليس من علم الغيب في شيء ، وليس من علم ما في غد ، بل هم كذابون في دعاواهم ؛ لكن قد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم سرقوا علم ذلك ، مما أوحاه الله على ملائكته ، فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها قالت : سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكُهَّانِ ، فَقَالَ : ( إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا ، قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ) رواه البخاري برقم (7561) .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية استراق الجن لهذه الكلمة فقال : ( وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ، فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ . قَالَ : فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا ، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ بِهِ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ ) رواه مسلم برقم (2229) .
فتبين من هذا أن الجن لا يعلمون الغيب وإنما يسترقون السمع من الكلام الذي تردده الملائكة ، والملائكة أنفسهم لم يكن عندهم شيء من علم ذلك ، إلا بعد أن أعلمهم الله عز وجل به ، وبعد علمهم به لم يعد غيبا مطلقا ، وأما قبل ذلك فإنهم كغيرهم من الخلق لايعلمون من الغيب شيئا ، فرجع هذا إلى إخبار الله ، وإعلامه لهم ، قال تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) الجن/26 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن أشرف الرسل الملكي وهو جبريل سأل أشرف الرسل البشري وهو محمد عليه الصلاة والسلام قال أخبرني عن الساعة ؟ قال : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) ، والمعنى : كما أنه لا علم لك بها ، فلا علم لي بها أيضا ) انتهى .
"شرح العقيدة الواسطية" (ص/158) .
والله أعلم )
ثانياً : إن كان الأمر يتعلق بمسألة شرعية فمنهجي يقوم على التحقيق والاثبات بما يتماشى مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة الثقات قديماً وحديثاً ، فالأصل هو :
( اثبت العرش ثم أنقش )
وهذا يعني بالمجمل أن نثبت المسألة شرعاً ثم نبني على ما تم اثباته 0
ثانياً : إن كان الأمر يتعلق بالأسباب الحسية فهذا مجال خصب للبحث والتحقيق بناء على الخبرات وهذا أشجعه بل أسعى بكل ما أوتيت من قوة لتقديم جل ما أستطيع للحالة المرضية 0
فأسأل الله لكم التوفيق والسداد والاخلاص في القول والعمل 0
زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0