-الامر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام
بسم الله الرحمن الرحيم
-الامر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام
1-، وأمره الله بالصبر والاحتمال، والاعراض عن الجاهلين المعاندين المكذبين بعد قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسول الاعظم إليهم، وذكر ما لقي من الاذية منهم هو وأصحابه رضي الله عنهم.
قال الله تعالى: " وأنذر عشيرتك الاقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم) [ الشعراء: 66 - 67 ]. وقال تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) [ الزخرف: 44 ].وقال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) [ القصص: 88 ].أي إن الذي فرض عليك وأوجب عليك بتبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة وهي المعاد، فيسألك عن ذلك.كما قال تعالى: (فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) والآيات والاحاديث في هذا كثيرة جدا.
2- قال الامام أحمد: ، عن ابن عباس قال: لما أنزل الله: (وأنذر عشيرتك الاقربين) أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى " يا صباحاه " فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني عبد المطلب يا بني فهر، يا بني كعب أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني ؟ " قالوا نعم ! قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب - لعنه الله - تبا لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا ؟ وأنزل الله عزوجل:
(تبت يدا أبي لهب وتب) [ المسد: 1 ]
3-وفى مسلم قال أبي هريرة. : لما نزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الاقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعم وخص.
فقال: " يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن لكم رحما سأبلها ببلائها "
4-وفى مسلم عن عائشة رضي الله عنها. قالت: لما نزل: (وأنذر عشيرتك الاقربين).قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم " (1) ورواه مسلم أيضا.
قال الامام أحمد أبي الزناد عن أبيه.قال: أخبر رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل - وكان جاهليا فأسلم - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز [ يمشي بين ظهراني الناس ] وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب
5-وأما أبو طالب فكان في غاية الشفقة والحنو الطبيعي كما سيظهر من صنائعه، وسجاياه، واعتماده فيما يحامي به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.فعن عقيل بن أبي طالب.قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا فانهه عنا.فقال: يا عقيل انطلق فأتني بمحمد، فانطلقت إليه فاستخرجته من كنس - أو قال خنس - يقول بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فلما أتاهم قال إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء.فقال: " ترون هذه الشمس ؟ " قالوا نعم ! قال: " فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعل منه بشعلة ".فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا . البخاري
6-ثم روى البيهقي من طريق عتبة بن المغيرة بن الاخنس أنه حدث. أن قريشا حين قالت لابي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.فقال له: يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني وقالوا كذا وكذا، فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الامر ما لا أطيق أنا ولا أنت.فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن قد بدا لعمه فيه، وأنه خاذله ومسلمه، وضعف عن القيام معه.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه " ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الامر برسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي فأقبل عليه، فقال أمض على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا.
،7- وفي [ كل ] ذلك دلالة على أن الله تعالى عصمه بعمه مع خلافه إياه في دينه، وقد كان يعصمه حيث لا يكون عمه بما شاء لا معقب لحكمه وقد حدث ابن عباس ، في قصة طويلة جرت بين مشركي مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام رسول الله
1-قال أبو جهل بن هشام: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا وإني أعاهد الله لاجلس له غدا بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، فلما أصبح أبو جهل - لعنه الله - أخذ حجرا ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، وكان قبلته الشام فكان إذا صلى صلى بين الركنين الاسود واليماني ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام.
2-فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منبهتا ممتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال من قريش.فقالوا له: ما بك يا أبا الحكم ؟ : مالك: فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا واجنحة فقال قمت إليه لافعل ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الابل، والله ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط فهم أن يأكلني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وقال: " ذلك جبريل، ولو دنا منه لاخذه "
8-وقال البيهقي: عن عباس بن عبد المطلب.قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل - لعنه الله - فقال: إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبانا حتى جاء المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط.فقلت هذا يوم شر، فاتزرت ثم اتبعته فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ
(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق) فلما بلغ شأن أبي جهل (كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى) فقال إنسان لابي جهل: يا أبا الحكم هذا محمد ؟ فقال أبو جهل ألا ترون ما أرى ؟ والله لقد سد أفق السماء علي فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد
9-وقال الامام أحمد: : قال ابن عباس: قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لاطأن على عنقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لو فعل لاخذته الملائكة عيانا ".
10- عن يحيى و عن ابن عباس.قال، مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.فقال: ألم أنهك أن تصلي يا محمد ؟ لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني، فانتهزه النبي صلى الله عليه وسلم.فقال جبريل: (فليدع ناديه سندع الزبانية) والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية العذاب.
11-وقال الامام أحمد: ، عن عبد الله [ بن مسعود ].قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد، فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس، وسلا جزور قريب منه.فقالوا: من يأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره ؟ فقال عقبة بن أبي معيط: أنا،فأخذه فألقاه على ظهره.فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اللهم عليك بهذا الملا من قريش، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة، اللهم عليك بشيبة بن ربيعة، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بأبي بن خلف - أو أمية بن خلف - "
قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا، ثم سحبوا إلى القليب وفي بعض ألفاظ الصحيح أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا حتى جعل بعضهم يميل على بعض، أي يميل هذا على هذا من شدة الضحك لعنهم الله.وفيه أن فاطمة لما ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم، وأنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو عليهم، فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك، وخافوا دعوته، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا على الملا منهم جملة وعين في دعائه سبعة.
12- في البخاري قصة الاراشي عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي.قال: قدم رجل من إراش بإبل له إلى مكة فابتاعها منه أبو جهل بن هشام، فمطله بأثمانها.فأقبل الاراشي حتى وقف على نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد.
فقال: يا معشر قريش من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب وابن سبيل، وقد غلبني على حقي ؟
فقال أهل المجلس ترى ذلك - يهزون به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، إذهب إليه فهو يعديك عليه.
فأقبل الاراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقام معه.فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فانظر ما يصنع ؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه.فقال: من هذا ؟ قال محمد فاخرج ! فخرج إليه وما في وجهه قطرة دم ، وقد انتقع لونه.فقال: أعط هذا الرجل حقه،
قال: لا تبرح حتى أعطيه الذي له.قال فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للاراشي إلحق لشأنك.فأقبل الاراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال جزاه الله خير، فقد أخذت الذي لي، وجاء الرجل الذي بعثوا معه فقالوا ويحك ماذا رأيت ؟ قال عجبا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه فقال: اعط هذا الرجل حقه.
فقال: نعم ! لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فأخرج إليه حقه فأعطاه [ إياه ].ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فقالوا له ويلك مالك فوالله ما رأينا مثل ما صنعت ؟ فقال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب علي بأبي وسمعت صوته فملئت رعبا، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الابل ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فوالله لو أبيت لاكلني
13-وقال البخاري: عن عروة بن الزبير.سألت ابن [ عمرو بن ] العاص فقلت: أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله ؟ قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عليه عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) [ المؤمنين: 28 ] الآية.
14- وقد روى البيهقي عن عروة عن أبيه عروة.قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته ؟ فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعاتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه (وصبرنا منه) على أمر عظيم - أو كما قال - قال فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفتها في وجهه فمضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها.فقال
" أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ".فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع حتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه [ أحسن ما يجد من القول ] حتى إنه ليقول انصرف أبا القاسم راشدا فما كنت بجهول.
فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه.فبينما هم على ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم أنا الذي أقول ذلك " ولقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر يبكي (ينكى ) دونه ويقول: ويلكم (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) ثم انصرفوا عنه.فإن ذلك لاكبر ما رأيت قريشا بلغت منه قط.