فقالوا إن الهدهد يتميز ويتفاخر على باقي الطيور بأن شكله جميل : الوانه المخططه ، وعرفه ومنقاره الطويل والتاج الذي فوق رأسه ؛ فقال سليمان : هذا الريش الذي يتخايل به الهدهد سأنتفه ، والقيه إلى النمل والحشرات .
ـــــــــــــــــــــــــــ
يقولون ( أضيق من السجن عشرة الأضداد ) . ومعنى : ( فقال ) أي أنه كلم سليمان قبل أن ينهره ، وقال له
بكل ثقة : ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ) ... انظروا سليمان الذي كان عنده كل هذا الملك الذي لم يؤته أحد وحوله كل هذا الصولجان يقول له هدهد ضعيف :
( أحطت بما لم تحط به ) .. فكيف يجرؤ على أن يقول ذلك لسليمان النبي الملك ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
سليمان لم يأخذ كلام الهدهد حجة مسلمه ، ولكنه أراد أن يتأكد : ( قال سننظر أصدقت ام كنت من الكاذبين ) ...
النظر محل العين ، والصدق والكذب لا يعرفان بالعين ، ولكن كلمة النظر هنا انتقلت من العين الى معنى العلم بالحجة ؛ ولذلك في التوقيع على كثير من الأوراق يقول " نظر" والناس يقولون هذه مسألة فيها نظر ، أي أنها لا تمر مرور الكرام بل لابد من بحثها والتأكد منها .
ولذلك قال سليمان : ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) ، مع أن المقابل لكلمة صدقت هو كذبت ، ولكن سليمان لم يقل للهدهد سننظر أصدقت أم كذبت ، ولكن قال ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) ... وهذا لطف وترفق من الحاكم برعيته ؛ لإن معنى : ( أم كنت من الكاذبين ) أي حتى إن كذبت فأنت لم تكذب وحدك ، ولكنك ستكون ضمن كثير من الكاذبين ؛ لإن كثيراً من الناس يكذبون ، او أنه من الكاذبين ميلاً لهم أو قريباً لهم ، وهذا يدل على إن إلهامات سليمان كنبي جعلته يعرف أنه صادق ، ولكنه أراد أن يتأكد ، حتى لا يجامل جندياً من جنوده .
ـــــــــــــــــــــــــــ
أي نحن أصحاب قوة وشجاعة وعددنا كبير ونملك الآت وجيش قوي ، وهذه كلها مظاهر قوة ، فإذا كنت تريدين الدخول مع سليمان في حرب فنحن جاهزون ، ونحن لا نقول هذا لندفعك إلى الحرب ، ولكن الأمر والرأي الأخير لك .
ـــــــــــــــــــــــــــ
بعض العلماء قالوا : إن هذا الرجل هو آصف بن برخيا ، وكان رجلاً صالحاً أعطاه الله من أسرار قوته .
وآخرون قالوا : الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان نفسه ، فكأن العفريت لما قال له ( أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) ... قال له هو ( أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) فهو إذن سليمان ، لمــــــــــاذا ؟ ؟ قالوا : لإنه لو كان هذا الرجل واحداً غير سليمان ، فمعنى هذا أن له تفوقاً في معرفة الكتاب قبل سليمـــان .....
ورد بعض العلماء على ذلك بقولهم : إن هذه عظمة لسليمان ؛ لإن فوق من يعرف هذا العلم ، والمزايا لا تقتضي إلا فضيلة ؛ لإن هذا الرجل مع ما عنده من علم بأسرار الكون سخره الله لخدمة سليمـــــــان .
وليس بالضرورة أن يكون الرجل العظيم عارفاً بكل شئ ، فلا يمكن أن نطلب من الملك أن يكون ماهراً في بعض ما يجيده الصبية في الصناعات اليدوية مثلاً ، فمن عظمة سليمان أن الله سخر له كل هولاء .
ـــــــــــــــــــــــــــ