أتمنى قبول نقل هذه المشاركة الموسومة بــ :
حوار مع الدنيا
وإضافتها إلى طرحك القيم
وإن كنا في معرض سؤال وجواب
ولكن لابأس حتى تتم الفائدة بحول الله ...
وبالله التوفيق...
يقول الكاتب : انتقلت من مكان إلى مكان هروباً من الدنيا، وحاولت أن أبتعد عنها فلم استطع، غيرت وظيفتي، وغيرت منزلي، وغيرت مجتمعي، وغيرت بلدي، وغيرت كل شيء
في حياتي،ومازلت الدنيا في قلبي وهي محل فتنتي، وتبين لي أن صفاتها وعلاماتها
لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فهي هي كما هي .
وكانت أمنيتي أن تتمثل الدنيا أمامي حتى أصارحها فأقتلها، فأكون قد تخلصت منها وأخرجتها من قلبي .وبينما كنت أجلس وحدي، تخيلت كأن الدنيا تمثلت أمامي!!
قالت الدنيا: ماذا تريد يا عبد الله ؟ ها أنا ذا أمامك.
قلت وأنا متأسف:إنه ليحزنني أنني أحبك، وأهواك، ولا أستطيع أن أتركك .
الدنيا: إن هذا لشعور طبيعي، ومن ادعى أنه لا يحبني فهو كاذب، فأنا من خلق الله تعالى، وأنا محبوبة إلى النفوس.
عبدالله: وكيف تقولين إن هذا شعور طبيعي ؟.
الدنيا: نعم إنه لشعور طبيعي، ولكن الخطأ الذي يقع فيه أكثر الناس أنهم يقدمون أمري على أمر الآخرة .
عبدالله:وهل أنا منهم ؟!
الدنيا:نعم، ولكن فيك صفات طيبة.
عبدالله:وكيف أعرف حقيقتك ؟!
الدنيا: من قول الرسول صلى الله عليه وسلم" الدنيا حلوة خضرة "
فقد وصفني النبي صلى الله عليه وسلم بأني حلوة خضرة
ولكني بالنسبة للمؤمن سجن له لقوله عليه السلام " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " .
عبدالله:ولكني أعرف بعض المؤمنين يعيشوون في نعيم ورفاهية ؟!
الدنيا: ليس المراد بالسجن هو السجن الحديدي – الذي تفهمه – وإنما هو التقييد بما أمر الله، وما السجن إلا قيد، ولهذا قال محمد بن السماك – رحمه الله – "يا ابن آدم أنت في حبس منذ كنت، أنت محبوس في الصلب، ثم في البطن، ثم في القماط ، ثم في المكتب، ثم تصير محبوساً في الكد على العيال، فأطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون في الحبس أيضاً ".
عبدالله: الله إنه لمعنى أدبي جميل، لقد فهمت الآن – و لكن ما سبب تسميتك بالدنيا؟
الدنيا: لو علم الناس معنى اسمي لما فتنتهم زينتي، إن اسمي له معنيان:
من الدنو: أي قريبة إلى الزوال والانتهاء .
ومن الدناءة: أي القبح إذا ما قارنتني بالآخرة .
عبدالله:وكيف أتعامل معك حتى لا أفتن ؟!
الدنيا:إن هذا السؤال خطير،تجعلني أبوح بسر من أسراري، لأني أصطاد الناس أحياناً بالأموال، وأحياناً بالنساء، وأحياناً بالمناصب، وكل ذلك من زينتي، والزينة من صفاتها أنها مؤقتة وهل رأيت يوماً زينة عرس دائمة ؟ أو زينة عروس دائمة ؟
عبدالله (بشدة) يا دنيا أجيبي عن سؤالي ولا تبتعدي ، فكيف أتعامل معك ولا أفتن ؟
الدنيا:مهلاً يا صاحبي فلا تتعجل علي .
ثم قالت: أهم صفة ينبغي أن تتوفر في الذي يتعامل معي هي:" اليقظة والفطانة ".
فأنا حاضرة الملذات، وحاضرة الشهوات، فمن جعلني معبراً للآخرة فهو الناجي.
ومن جعلني مستقراً فهو الخاسر، فأنا دار بلاغ ولست بدار متاع .
وقد قال الحسن البصري- رحمه الله: إياكم وما شغل الدنيا، فإن الدنيا كثيرة الأشغال !! لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب ".
عبدالله: إذن سوف أعتزلك تماماً حتى أنجو .
الدنيا:ليس هذا الذي أردت، ولكن ينبغي أن تتعامل معي بحذر، وكلما فتح لك باب من الدنيا افتح أنت باباً للآخرة ، حتى لا تنسى نصيبك منها، وتعيش متزناً كما أمرك الله تعالى .
عبدالله: ولكني أخاف .
الدنيا:لا تخف وأفهم كيف تتعامل مع زينتي، ولا تكن كما قال ابن مسعود – رضي الله عنه.
عبدالله: وماذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه؟
الدنيا: قال:"لا ألفين أحدكم جيفة ليل، قطرب نهار ".
عبدالله: ومامعنى قطرب نهار؟
الدنيا: أي: هي الدويبة التي تجلس هنا ساعة وهنا ساعة فلا تستريح نهارها سعياً، وهكذا بعض الناس يتحرك في أمر دنياه ليل نهار، ولا يفكر في أمر الآخرة .
"فإبن آدم مسكين لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة " .
عبدالله: وبماذا توصيني ؟
الدنيا: أوصيك بتذكر قول الله تعالى دائماً:" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً ".
وإن كنت تحذرني مرة فاحذرني بعد اليوم ألف مرة .
عبدالله:لا أظن أنك ستفتيني بعدما تصارحنا ؟ !
الدنيا: " قالوا للغراب مالك تسرق الصابون ؟ قال: الأذى طبعي" .
وأنا أقول لك إن الفتنة طبعي، فأحذر أن تكون من عشاق الدنيا .
وأحذر أن تكون جيفة ليل قطرب نهار، ثم اختفت الدنيا فجأة .
فأخذ عبدالله ينادي ...يا دنيا... يا دينا... فلم يجبه أحد، ثم طأطأ رأسه
وقال: الحمد لله الذي وفقني لفهم حقيقة الدنيا .
ثم أنشد:
إذا كنـت أعلــم علماً يقينـاً بأن جميع حياتي كساعة .
فلـــم لا أكــون ضنينـاً بهـا وأجعلها في صلاح وطاعة .
ودمتم ودامت أيامكم العطرة بذكر الله.