[ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا الأخ المشار إليه في استفسار أخونا في الله (إسماعيل مرسي ) :
وهناك توضيح للبس وقع فيه الأخ الفاضل ووجب بيانه، فالقضية المثارة تحديدا هي: (عندما يموت الجن بعد حرقه في حال ظهوره في عالم الإنس).
فرأيي المذكور هو بخصوص مصير الجني بعد موته محترقا في حال ظهوره في عالم الإنس، ولم تدر ندوتنا بخصوص مصير الجني بعد موته في عالم الجن.
وهاهو نص استدلالي معه كاملا حسبما ورد في المنتدى المذكور:
أخي الحبيب ابن حزم الظاهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك نقطة هامة جدا أود أن اشير إليها، القضية المثارة هنا أخي الفاضل هي هل إذا ظهر الجني في عالم الإنس وأحرق صار رمادا وتراب؟ أي هل حكمه هنا هو حكم الإنسي؟ أما عن مصيره بعد موته في عالم لجن فهذا ليس مدار الحوار هنا.
وقد يظن الجاهل بالعلوم الجنية أن مثل هذه القضية من باب التندر والتفكه، وكان العلم انتهى ولم يبقى إلا هذه القضية.
الحقيقة ان مثل هذا السؤال له أهمية بالغة، فمهمتنا كمعالجين قمع البدع والضلالات قبل علاج المرضى، ونبذ الخرافات، واثبات الحق ونفي الباطل، فعلى سبيل المثال من السحرة من يزعم علاج الناس، وأن باستطاعته حرق الجن وجمع رماده في زجاجة، ومثل هذا الكلام يتباهى هؤلاء السحرة به، واهم مواقع على النت يذكرون فيها مثل هذا الأمر، وهذا الكلام نسمعه يتردد كثرا جدا.
حتى أن هناك فيلما مصري اسمه (طاقية الاخفاء)، ومختصره أنه تم حرق حني وجمع رماده تحت ما يسمى (يودرة العفريت)، ورشوا المسحوق المذكور على طاقية، فصار من يرتديها يختفي عن الأنظار، مثل هذه الأمور التي تثيرها السينما تترك أثرا كبيرا في عقول البسطاء والسذج.
وبعضهم يتكحل بهذا الرماد فيرى الجن من حوله، حيث يأمر الساحر المريض بأن يتكحل به حتى يتم ما يسمى بالكشف البصري ويحصل منه على معلومات، تماما كما يحدث في المندل.
فقد ذكر ابن كثير في تفسيره قصة طريفة عن التكحل كوسيلة للكشف البصري (الجزء الثالث: صفحة 360) في تفسير سورة النمل، وتحديدا تفسير الآية 30 /31)، فنجده يقول: (وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البرزي من أهل برزة من غوطة دمشق وكان من الصالحين، يصوم الاثنين والخميس، وكان أعور قد بلغ الثمانين فروى ابن عساكر بسنده غلى سليمان بن زيد أنه سأله عن سبب عوره فامتنع عليه، فألح عليه شهورا فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة وسألاه عن واد بها فاريتهما إياه فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورا كثيرا حتى عجعج الوادي بالدخان، فأخذا يعزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما فلا يلتفتان إلى شيء منها، حتى أقبلت حية نحو الذراع وعيناها تتوقدان مثل الدينار، فاستبشروا بها عظيما وقالا الحمد لله الذي لم يخيب سفرنا من سنة وكسرا المجامر وأخذا الحية فأدخلا في عينيها ميلا فاكتحلا به، فسالتهما أن يكحلاني فابيا فألححت عليهما وقلت: لابد من ذلك وتوعدتهما بالدولة فكحلا عيني الواحدة اليمنى فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة أنظر ما تحتها كما ترى المرآة. ثم قالا لي: سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثاني حتى إذا بعدت عن القرية أخذاني فكتفاني وأدخل أحدهما يده في عيني ففقاها ورمى بها ومضيا، فلم أزل كذلك ملقى مكتوفا حتى مر بي نفر ففك وثاقي، وهذا ما كان من خبر عيني). قصة عجيبة مثيرة جدا، تبين لنا طرفا من خبث ومكر السحرة، وانه لا أمان لهم، فيقولون تكحل، ولا تعلم أنه كحل مسحور،وافعل كذا وكذا ولا تدري انه هذا يجر عليك الخراب والدمار.
بعض الإخوة المعالجين يسمعون من المرضى روايات شبيهة بهذه القصة ولا يجدون للناس تفسيرا لها، فمهما قال لهم المعالج من أدلة شرعية فلن يقبلوا الدليل، هذا لانعدام الارتباط بين التجربة وبين النص الشرعي، والرابط هنا هو تفسير هذه التجربة وكشف سرها، فإن كشف سرها اقتنع الناس بالدليل الشرعي لوجود الصلة بين التجربة والدليل، وهذا أصل من أصول الدعوة وأدب البحث والمناظرة، وكشف حقيقة مثل هذه الأمور هنا يعطي للمعالج أفق متسع من المعلومات في ضوء الدليل الشرعي فتكون له نبراسا على الدرب يستضيء به، ويضيء به لمن حوله، فكشف ألاعيب السحرة يقي الناس فتن كثيرة لا حصر لها.
والدليل على تحول الجني بعد حرقه في عالم الإنس إلى رماد هو كالآتي:
في قصة السامري أخرج السامري لقوم موسى عجلا جسد له خوار، اي أنه كان عجلا حقيقي وليس تمثال من ذهب كما في الاسرائيليات، وقد أنكر الله عليهم هذا مثبتا أن عجلا له جسد وانه يخور كما تخور العجول، فقال تعالى: (فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار).
والشاهد على أنه لم يكن عجلا من ذهب، قال تعالى: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا)، فالمعلوم أن الذهب من المعادن، والمعادن تصهر إذا تعرضت للنار، فلا يصح في اللغة أن يقال حرق الذهب، ولكن يقال صهر الذهب، ولو كان عجلا من ذهب لقال (لنصهرنه) ولم يقل (لنحرقنه)، في تفسير ابن كثير ذكر: (وقال قتادة: استحال الذهب لحما ودما فحرقه بالنار ثم ألقى رماده في البحر)، وإن تحويل الذهب إلى عجل له دم ولحم هو من قبيل السحر لا المعجزة.
وإن الحلي تشتمل على الذهب والفضة والمعادن النفيسة، وكذلك تحتوي على الجواهر والأحجار الكريمة، فكيف يصح أن يصهر السامري الأحجار مع المعادن؟ فالأحجار الكريمة إذا تعرضت للنار لا تصهر، ولو صهرت المعادن مع بعضها البعض لاختلط الذهب بالفضة ولن يصير التمثال ذهبا صافيا، مستحيل لابد من فصل هذا عن ذاك، والآية تدل على أن السامري أخذ الحلي كاملة قال تعالى: (ولكن حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري)، وهذا من ظاهر النص أنه تم قذف الحلي بكاملها، معدنها مع حجارتها، وهذا في عالم السحر هو قربان للشيطان يقرب إليه في مقابل تنفيذ تكليف معين، وهو أمر يعرفه المعالجين جميعا بغير استثناء، وربما أن مثل هذه القرابين هي الكنوز المدفونة في باطن الأرض، فقد أخبرنا النبي صلىالله عليه وسلم في قصة الدجال أنه ستتبعه كنوز الأرض، وأحسب أن هذه القرابين هي من جنس هذه الكنوز التي سوف تتبع الدجال وهو ساحر لا شك في هذا، والله أعلم.
والشواهد القرآنية على هذا تثبت أنه كان عجلا حقيقيا، فمن أين أتى السامري بهذا العجل الحقيقي؟ إذا هو قام بتحويل الحلي إلى عجل، وهذا نوع من أنواع السحر اشتهر به اليهود لمن تابع تاريخ تطور السحر عبر العالم، وهذا مما يقوم به السحرة في عروضهم التلفزيونية، وربما كان وراء فعلهم هذا خدعا ما وشعوذة، على أي حال إذا كان السحر هو تداخل الجن بخصائص قدراتهم الفائقة في عالم الإنس، إذا فهذا العجل هو عجل من الجن وليس عجلا إنسيا، فلو كان عجلا إنسيا لأتى به من البداية بدون هذا التكلف ولانتهى الأمر، تماما كما تحولت العصي والحبال إلى حيات تسعى.
وقد يقال أن الحيات كانت من سحر التخييل، قال تعالى: (يخيل إليهم من سحرها أنها تسعى)، فالرد عليهم كالآتي: التخييل لا بد له من معطيات مادية ليكون تخييلا، منها الحبال، إذا فمن أي مصدر جاءت الحيات؟
إذا فالتخييل لابد وأن يكون مرتيط بحقيقة موجودة وواقع ملموس، وهذا ممكن أن يتم عن طريق عملية الاستئناس، أي انتقال الحيات من عالم الجن إلى عالم الإنس، كما ظهرت الحية للصحابي يوم حفر الخندق فقتلته.
ولو صح أن الحيات كانت مجرد خيال وليس لها حقيقة ووجود ملموس، لما قال تعالى عن عصى موسى (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا) فماذا كانت تلتهم عصى موسى التي تحولت ثعبانا كبيرا يلقف ويلتهم ما صنعوا من سحر؟ إلا أن تكون قد التهمت حيات حقيقية وليست مجرد صور خيالية، وإلا فاين المعجزة في أن تأكل عصى موسى خيالات وأوهام؟!!!!! وبالتأكيد لأن السحر هو تداخل الجن في عالم الإنس فهذه الحيات كانت حيات جنية وليست إنسية.
وبناء على ما سبق بيانه مختصرا فالعجل كان عجلا جنيا، وقد تم حرق موسى عليه السلام العجل الجني وصار رمادا، إذا فالجني إذا أحرق في عالم الإنس استحال رمادا بإذن الله، هذا إن صح الاستنباط السابق. اما مصير الجني بعد موته في عالم الجن فهذه قضية أخرى تماما وليست مدار نقاشنا هنا على الإطلاق.
والله تعالى أعلى وأعلم بالحق
أخوك في الله
سيف الرحمن
انتهى نص الاستدلال
//////////////////////////////////////////
وأنا لا أقلل من شأن وجهة نظر أخينا الفاضل، بل أراها وجهة نظر صائبة إلى حد كبير جدا، وهي التي أيدتموها، ولأنني لم أتمكن لظروف قهرية من استكمال ندوتي مع الأخ الكريم، لذلك أريد أ ن أستكمل ما فاتني على هذا المنتدى الطيب، خاصة وأنه أثار الموضوع ها هنا، فسأشير الآن إلى دلالات مادية عقلية ندعم بها صحة وجهتي النظر، وأنه لا تعارض بينهما.
فمن المعروف أن الجن أصله من نار، والنار إذا اشتعلت واحترقت تحولت إلى دخان، والدخان ما هو إلا ثاني أوكسيد الكربون، وثاني أوكسيد الكربون الذي يتساقط نتيجة عملية الاحتراق يتجمع على هيئة مخلفات يطلق عليها (الرماد)، إذا النار ينتج عن احتراقها وفناءها ثاني أكسيد الكربون، أي تتحول النار بعد فناءها إلى (رماد)، وهذا ما ذكرته أنا، أن الجني إذا أحرق صار رمادا، ثم يتحلل الرماد ويصير ترابا، وهذا لا يتعارض مع اجتهاد الأخ أن الجني يعود إلى أصله، لكن مع ملاحظة دقيقة ربما فاتت عليه، أن النار في حال تأججها وحياتها تكون مارج من نار أي شعلة من نار، أما في حالة خمولها وموتها تصير رمادا، وأن جملة حوارنا لم يكن عن مصير الجني في عالم الجن، ولكن في عالم الإنس.
والموضع له أهميته في العلاج في حال ما إذا ظهر جني للإنسي فماذا يفعل؟ وماذا سيحدث للجني في مثل هذه اللحظة إن قتله الإنسي؟ هذا سؤال مهم جدا يقي المريض من تعرضه لصدمة أو ما شابه إن فاجأه شيء من ذلك، خاصة وأنه كثيرا ما يظهر الجني للمريض على هئة قطة أو كلب أو ثعبان، هذا إلى جانب محق الخرافات والبدع والرد عليها، وليس من باب التندر والتسلية، خاصة وأنني أتيت بالدليل الاستنباطي من سورة (طه).
والآن في ضوء ما ذكرته أترك لكم الرد وطرح وجهة النظر والبيان
وفقكم الله إلى ما يحبه ويرضاه
جند الله ] انتهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى :
قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى [ طه 66 ]
تفسير الطبري الجزء 16 ، صفحة 185
وقوله فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وفي هذا الكلام متروك وهو فألقوا ما معهم من الحبال والعصي فإذا حبالهم ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قال الله تعالى :
يصهر به ما في بطونهم والجلود [ الحج 20 ]
جاء في تفسير الآية :
والصهر إذابة الشحم والصهارة ما ذاب منه يقال : صهرت الشيء فانصهر أي أذابته فذاب فهو صهير قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة : تروي لقي ألقي في صفص فتصهره الشمس فما ينصهر أي تذيبه الشمس فيصبر على ذلك
نعود إلى الآية وتفسيرها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يصهر به ما في بطونهم والجلود [ الحج 20 ]
ابن كثير 3\213 الآيات ( الحج 19 : 22 ) ثبت في الصحيحين < خ4743 م3033 > من حديث أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر لفظ البخاري عند تفسيرها ثم قال البخاري < 4744 > حدثنا حجاج بن منهال حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي حدثنا أبو مجلز عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب أنه قال أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة قال قيس وفيهم نزلت ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة انفرد به البخاري وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) قال اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم وقال المسلمون كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء فنحن أولى بالله منكم فأفلج الله الإسلام على من ناوأه وأنزل ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) وكذا روى العوفي عن ابن عباس وقال شعبة عن قتادة في قوله ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) قال مصدق ومكذب وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث وقال في رواية هو وعطاء في هذه الآية هم المؤمنون والكافرون وقال عكرمة ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) قال هي الجنة والنار قالت النار اجعلني للعقوبة وقالت الجنة اجعلني للرحمة وقول مجاهد وعطاء أن المراد بهذه الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله عز وجل والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل وهذا إختيار ابن جرير وهو حسن ولهذا قال ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ) أي فصلت لهم مقطعات من النار قال سعيد بن جبير من نحاس وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمى ( يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ) أي إذا صب على رؤوسهم الحميم وهو الماء الحار في غاية الحرارة وقال سعيد بن جبير هو النحاس المذاب أذاب ما في بطونهم من الشحم والأمعاء قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم وكذلك تذوب جلودهم وقال ابن عباس وسعيد تساقط وقال ابن جرير حدثني محمد بن المثنى حدثني إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن أبي حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان ورواه الترمذي < 2582 > من حديث ابن المبارك وقال حسن صحيح وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي نعيم عن ابن المبارك به ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت عبد الله بن السري قال يأتيه الملك يحمل الإناء بكلبتين من حرارته فإذا أدناه من وجهه تكرهه قال فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفرغ دماغه ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه فذلك قوله ( يصهر به ما في بطونهم والجلود ) وقوله ( ولهم مقامع من حديد ) قال الإمام أحمد < 3/29 > حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن مقمعا من حديد وضع في الأرض فاجتمع له الثقلان ما أقلوه من الأرض وقال الإمام أحمد < 3/83 > حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان ولو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا وقال ابن عباس في قوله ( ولهم مقامع من حديد ) قال يضربون بها فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور وقوله ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) قال الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان قال النار سوداء مظلمة لا يضئ لهبها ولا جمرها ثم قرأ ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) وقال زيد بن أسلم في هذه الآية ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ) قال بلغني أن أهل النار في النار لا يتنفسون وقال الفضيل بن عياض والله ما طمعوا في الخروج إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها
....................................
القرطبي 3\212 ( الحج 19 : 21 ) قوله تعالى : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) خرج مسلم عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما إن هذان خصمان اختصموا في ربهم إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وبهذا الحديث ختم مسلم رحمه الله كتابه وقال ابن عباس : نزلت هذه الآيات الثلاث على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في ثلاث نفر من المؤمنين وثلاثة كافرين وسماهم كما ذكر أبو ذر وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني لأول من يجثوا للخصومة بين يدي الله يوم القيامة يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه ذكره البخاري وإلى هذا القول ذهب هلال بن يساف وعطاء بن يسار وغيرهما وقال عكرمة : المراد بالخصمين الجنة والنار اختصما فقالت النار : خلقني لعقوبته وقالت الجنة خلقني لرحمته قلت : وقد ورد بتخاصم الجنة والنار حديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها خرجه البخاري ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن صحيح وقال ابن عباس أيضا : هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال المؤمنون : نحن أحق بالله منكم آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل إليه من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وتركتموه وكفرتم به حسدا فكانت هذه خصومتهم وأنزلت فيهم هذه الآية وهذا قول قتادة والقول الأول أصح رواه البخاري عن حجاج بن منهال عن هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن
قيس بن عباد عن أبي ذر ومسلم عن عمرو بن زرارة عن هشيم ورواه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن علي قال : فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى قوله عذاب حريق وقرأ ابن كثير هذان خصمان بتشديد النون من هذان وتأول الفراء الخصمين على أنهما فريقان أهل دينين وزعم أن الخصم الواحد المسلمون والآخر اليهود والنصارى اختصموا في دين ربهم قال : فقال اختصموا لأنهم جمع قال : ولو قال اختصما لجاز قال النحاس : وهذا تأويل من لادراية له بالحديث ولابكتب أهل التفسير لأن الحديث في هذه الآية مشهور رواه أبي سفيان الثوري وغيره عن أبي هاشم بن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما إن هذه الآية نزلت في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وهكذا روى أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس وفيه قول رابع أن المؤمنون كلهم والكافرون كلهم من أي ملة كانوا قاله مجاهد والحسن وعطاء بن أبي رباح وعاصم بن أبي النجود والكلبي وهذا القول بالعموم يجمع المنزل فيهم وغيرهم وقيل : نزلت في الخصومة في البعث والجزاء إذ قال به قوم وأنكره قوم ( فالذين كفروا ) يعني من الفرق الذين تقدم ذكرهم ( قطعت لهم ثياب من نار ) أي خيطت وسويت وشبهت النار بالثياب لأنها لباس لهم كالثياب وقوله ( قطعت ) أي تقطع لهم في الآخرة ثياب من نار وذكر بلفظ الماضي لأن ماكان من أخبار الآخرة فالموعود منه كالواقع المحقق قال الله تعالى : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس أي يقول الله تعالى ويحتمل أن يقال قد أعدت الآن تلك الثياب لهم ليلبسوها إذا صاروا إلى النار وقال سعيد بن جبير : من نار من نحاس فتلك الثياب من نحاس قد أذيبت وهي السرابيل المذكورة في قطران وليس في الآنية شيء إذا حمي يكون أشد حرا منه وقيل : المعنى أن النار قد أحاطت بهم كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم فصارت من هذا الوجه ثيابا لأنها بالإحاطة كالثياب مثل وجعلنا الليل لباسا ( يصب من فوق رءوسهم الحميم ) أي الماء الحار المغلي بنار جهنم وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت مافي جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان قال : حديث حسن صحيح غريب ( يصهر ) يذاب ( به ما في بطونهم ) والصهر إذابة الشحم والصهارة ما ذاب منه يقال : صهرت الشيء فانصهر أي أذابته فذاب فهو صهير قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة : تروي لقي ألقي في صفص ف تصهره الشمس فما ينصهر أي تذيبه الشمس فيصبر على ذلك ( والجلود ) أي وتحرق الجلود أو تشوي الجلود فإن الجلود لاتذاب ولكن يضم في كل شيء ما يليق به فهو كما تقول : أتيته فأطعمني ثريدا إي والله ولبنا قارصا أي وسقاني لبنا قال الشاعر : علفتها تبنا وماءا باردا ( ولهم مقامع من حديد ) أي يضربون بها ويدفعون الواحدة مقمعة ومقمع أيضا كالمجن يضرب به على رأس الفيل وقد قمعته إذا ضربته بها وقمعته وأقمعته بمعنى أي قهرته وأذللته فانقمع قال ابن السكيت : أقمعت الرجل عني إقماعا إذا طلع عليك فرددته عنك وقيل : المقامع المطارق وهي المرازب أيضا وفي الحديث بيد كل ملك من خزنة جهنم مرزبة لها شعبتان فيضرب الضربة فيهوي بها سبعين ألفا وقيل : المقامع سياط من نار وسميت بذلك لأنها تقمع المضروب أي تذلله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الله تعالى :
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين [ الأعراف 148 ]
ابن كثير 2\248 الآيات ( الاعراف 148 : 149 ) يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم فشكل لهم منه عجلا ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام فصار عجلا جسدا له خوار والخوار صوت البقر وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى فأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة قال ( فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحما ودما له خوار أو إستمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر على قولين والله أعلم ويقال إنهم لما صوت لهم العجل رقصوا حوله وافتتنوا به وقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي قال الله تعالى ( أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) وقال في هذه الآية الكريمة ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ولايهديهم سبيلا ) ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل وذهولهم عن خالق السموات والأرض ورب كل شيء ومليكه أن عبدوا معه عجلا جسدا له خوار لا يكلمهم ولايرشدهم إلى خير ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال كما تقدم من رواية الإمام أحمد < 5/194 > وأبو داود < 5130 > عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك الشيء يعمى ويصم وقوله ( ولما سقط في أيديهم ) أي ندموا على مافعلوا ( ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) وقرأ بعضهم لئن لم ترحمنا بالتاء المثناة من فوق ( ربنا ) منادى ( ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ) أي من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القرطبي 2\248 ( الاعراف 148 ) قوله تعالى : ( واتخذ قوم موسى من بعده ) أي من بعد خروجه إلى الطور ( من حليهم ) هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما من حليهم بكسر الحاء وقرأ يعقوب من حليهم بفتح الحاء والتخفيف قال النحاس : جمع حلي حلي وحلي مثل ثدي وثدي وثدي والأصل حلوى ثم أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل ( عجلا ) مفعول ( جسدا ) نعت أو بدل ( له خوار ) رفع بالإبتداء يقال : خار يخور خوارا إذا صاح وكذلك جأر يجأر جؤارا ويقال : خور يخور خوارا إذا جبن وضعف وروي في قصص العجل : أن السامري وأسمه موسى بن ظفر ينسب إلى قرية تدعى سامرة ولد عام قتل الأبناء وأخفته أمه في كهف جبل فغذاه جبريل فعرفه لذلك فأخذ حين عبر البحر على فرس وديق ليتقدم فرعون في البحر قبضة من أثر حافر الفرس وهو معنى قوله فقبضت قبضة من أثر الرسول وكان موسى وعد قومه ثلاثين يوما فلما أبطأ في العشر الزائد ومضت ثلاثون ليلة قال لبني إسرائيل وكان مطاعا فيهم : إن معكم حليا من حلي آل فرعون وكان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا لذلك اليوم فلما أخرجهم الله من مصر وغرق القبط بقي ذلك الحلي في أيديهم فقال لهم السامري : إنه حرام عليكم فهاتوا ما عندكم فنحرقه وقيل : هذا الحلي ما أخذه بنو إسرائيل من قوم فرعون بعد الغرق وأن هارون قال لهم : إن الحلي غنيمة وهي لا تحل لكم فجمعها في حفرة حفرها فأخذها السامري وقيل : استعاروا الحلي ليلة أرادوا الخروج من مصر وأوهموا القبط أن لهم عرسا أو مجتمعا
وكان السامري سمع قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وكانت تلك الآلهة على مثال البقرة فصاغ لهم عجلا جسدا أي مصمتا غير أنهم كانوا يسمعون منه خوارا وقيل : قلبه الله لحما ودما وقيل : إنه لما ألقى تلك القبضة من التراب في النار على الحلي صار عجلا له خوار فخار خورة واحدة ولم يثن ثم قال القوم : هذا إلهكم وإله موسى فنسي بقول : نسبه ها هنا وذهب يطلبه فضل عنه فتعالوا نعبد هذا العجل فقال الله لموسى وهو يناجيه : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فقال موسى : يا رب هذا السامري أخرج لهم عجلا من حليبهم فمن جعل له جسدا يريد اللحم والدم ومن جعل له خوارا فقال الله سبحانه : أنا فقال : وعزتك وجلالك ما أضلهم غيرك قال صدقت يا حكيم الحكماء وهو معنى قوله : إن هي إلا فتنتك وقال القفال : كان السامري احتال بأن جوف العجل وكان قابل به الريح وحتى جاء من ذلك ما يحاكي الخوار وأوهمهم أن ذلك إنما صار كذلك لما طرح في الجسد من التراب الذي كان أخذه من تراب قوائم فرس جبريل وهذا كلام فيه تهافت قاله القشيري قوله تعالى : ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ) بين أن المعبود يحب أن يتصف بالكلام ( ولا يهديهم سبيلا ) أي طريقا إلى حجة ( اتخذوه ) أي إلها ( وكانوا ظالمين ) أي لأنفسهم فيما فعلوا من اتخاذه وقيل : وصاروا ظالمين أي مشركين لجعلهم العجل إلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير الطبري الجزء 1 ، صفحة 281
وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون [ البقرة 51 ]
القول في تأويل قوله تعالى ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون
وتأويل قوله ثم اتخذتم العجل من بعده ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد والهاء في قوله من بعده عائدة على ذكر موسى فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل المكذبين به المخاطبين بهذه الآية عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم معرفهم بذلك أنهم من خلافهم محمدا صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات وكان سبب اتخاذهم العجل ما حدثني به عبد الكريم بن الهيثم قال حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا أبو سعيد عن عكرمة عن بن عباس قال لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق فلما رآها الحصان تقحم خلفها قال وعرف السامري جبريل لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه فيجد في بعض أصابعه لبنا وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا فلم يزل يغذوه حتى نشأ فلما عاينه في البحر عرفه فقبض قبضة من أثر فرسه قال أخذ من تحت الحافر قبضة قال سفيان فكان بن مسعود يقرؤها فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول قال أبو سعيد قال عكرمة عن بن عباس وألقي في روع السامري أنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا وكذا إلا كان فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر وأغرق الله آل فرعون قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ومضى موسى لموعد ربه قال وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون قد تعوروه فكأنهم تأثموا منه فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلما جمعوه قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا فقذفها فيه وأومأ بن إسحاق بيده هكذا وقال كن عجلا جسدا له خوار فصار عجلا جسدا له خوار وكان يدخل الريح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت فقال هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا على العجل يعبدونه فقال هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى
حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط بن نصر عن السدي لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل يعني من أرض مصر أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فلما نجى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر وغرق آل فرعون أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله فأقبل على فرس فرآه السامري فأنكره وقال إنه فرس الحياة
فقال حين رآه إن لهذا لشأنا فأخذ من تربة الحافر حافر الفرس فانطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها الله بعشر فقال لهم هارون يا بني إسرائيل إن الغنيمة لا تحل لكم وإن حلي القبط إنما هو غنيمة فاجمعوها جميعا واحفروا لها حفرة فادفنوها فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها وإلا كان شيئا لم تأكلوه فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار وعدت بنو إسرائيل موعد موسى فعدوا الليلة يوما واليوم يوما فلما كان تمام العشرين خرج لهم العجل فلما رأوه قال لهم السامري هذا إلهكم وإله موسى فنسي يقول ترك موسى إلهه ها هنا وذهب يطلبه فعكفوا عليه يعبدونه وكان يخور ويمشي فقال لهم هارون يا بني إسرائيل إنما فتنتم به يقول إنما ابتليتم به يقول بالعجل وإن ربكم الرحمن فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه فلما كلمه قال له وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فأخبره خبرهم قال موسى يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل أرأيت الروح من نفخها فيه قال الرب أنا قال رب أنت إذا أضللتهم حدثنا بن حميد قال حدثنا سلمة عن بن إسحاق قال كان فيما ذكر لي أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عز وجل به استعيروا منهم يعني من آل فرعون الأمتعة والحلي والثياب فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم فلما أذن فرعون في الناس كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال حين سار ولم يرضوا أن يخرجوا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالكم معهم حدثنا بن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كان السامري رجلا من أهل باجرما وكان من قوم يعبدون البقر وكان حب عبادة البقر في نفسه وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل فلما فضل هارون في بني إسرائيل وفصل موسى إلى ربه قال لهم هارون أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم آل فرعون وأمتعة وحليا فتطهروا منها فإنها نجس وأوقد لهم نارا فقال اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها قالوا نعم فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي فيقذفون به فيها حتى إذا تكسر الحلي فيها ورأى السامري أثر فرس جبريل أخذ ترابا من أثر حافره ثم أقبل إلى النار فقال لهارون يا نبي الله ألقي ما في يدي قال نعم ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال كن عجلا جسدا له خوار فكان للبلاء والفتنة فقال هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط يقول الله عز وجل فنسي أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا وكان اسم السامري موسى بن ظفر وقع في أرض مصر فدخل في بني إسرائيل فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل وتخوف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي وكان له هائبا مطيعا حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب قال قال بن زيد لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون وأغرق فرعون ومن معه قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين قال لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره به وخرج موسى متعجلا مسرورا إلى الله قد عرف موسى أن المرء إذا نجح في حاجة سيده كان يسره أن يتعجل إليه قال وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون فقال لهم هارون إن هذه الثياب والحلي لا تحل لكم فاجمعوا نارا فألقوه فيها فأحرقوه قال فجمعوا نارا قال وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل وكان جبريل على فرس أنثى وكان السامري في قوم موسى قال فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة فيبست عليها يده فلما ألقى قوم موسى الحلي في النار وألقى السامري معهم القبضة صور الله جل وعز ذلك لهم عجلا ذهبا فدخلته الريح فكان له خوار فقالوا ما هذا فقال السامري الخبيث هذا إلهكم وإله موسى فنسي الآية إلى قوله حتى يرجع إلينا موسى قال حتى إذا أتى موسى الموعد قال الله ما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري فقرأ حتى بلغ أفطال عليكم العهد حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن مجاهد في قوله ثم اتخذتم العجل من بعده قال العجل حسيل البقرة قال حلي استعاروه من آل فرعون فقال لهم هارون أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فطرحه فيه فانسبك وكان له كالجوف تهوي فيه الرياح حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا آدم قال حدثنا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية قال إنما سمي العجل لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال حدثنا أبو عاصم قال حدثني عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد بنحو حديث القاسم عن الحسن حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن بن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه وتأويل قوله وأنتم ظالمون يعني وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم ووضعا للعبادة في غير موضعها وقد دللنا في غير هذا الموضع مما مضى من كتابنا أن أصل كل ظلم وضع الشيء في غير موضعه فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...