تعتبر الغدة الدرقية من أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان، وتتكون في الاسبوع الثالث من حياة الجنين. وتقع في الجزء الأمامي من الرقبة أمام القصبة الهوائية وعلى جانبيها، وهي تتكون من فصين يربطهما برزخ.
تزن الغدة الدرقية العادية نحو 20 جراماً، وهي مغلفة بغشاء رقيق وتمر الى جانبها الأوعية الدموية الرئيسية في الرقبة وتلتصق بها من الخلف اعصاب الحبال الصوتية، وتجاورها من الخلف 4 غدد صغيرة لها أهمية قصوى في عملية التغيرات الكيميائية لمادتي الكالسيوم والفسفور في الدم.
وتفرز الغدة الدرقية هرمون الثايروكسين الذي ينتج من مادة اليود الموجودة في الدم ثم يتم تخزينه في خلايا الغدة لتفرزه في الجسم عند الحاجة ويتم ذلك في إطار تفاعلات اخرى بينها وبين الغدد الصماء الأخرى كالغدة النخامية.
لذا كان للغدة الدرقية اثر كبير في الجسم: كالنمو والنشاط والحالة العصبية والدورة الدموية، والهضم، وعادات النوم والغدد العرقية والشهية للعطام، ولذلك فإن اي خلل في وظائفها يؤدي الى حالات مرضية في الجسم متعددة ومهمة.
1- فمثلا اذا زاد افراز هرمون الثايروكسين عن حاجة الجسم نتج عن ذلك ما يسمى مرض جريفز وهو يصيب الاشخاص متوسطي العمر وقلما يصيب الاطفال والشيوخ، كما انه يصيب الاناث اكثر من الذكور.
ومن أهم اعراض هذا المرض نقص متزايد في الوزن بالرغم من ازدياد الشهية للطعام والأرق وعدم احتمال حرارة الجو، وارتعاش اصابع اليدين وجحوظ العينين في الحالات المتقدمة، وكذلك تسارع في نبضات القلب وازدياد افراز العرق، وتساقط الشعر واضطراب العادة الشهرية عند الإناث.
ومن أهم الفحوص المخبرية اللازمة للتشخيص فحص كمية الثايروكسين في الدم (3ش ف 4ش) وكمية ال ب.س والتخطيط النووي للغدة وتصويرها بالموجات الصوتية.
أما طرق علاج هذا المرض فهي متعددة ولكل طريقة أنصارها وأهمها:
1- العلاج بالأدوية مثل البروباليثوراسيل، والكاربيمازول لمدة تتراوح بين 18 - 20 شهرا، تعود بعدها الغدة تدريجيا الى حالتها الطبيعية، وأهم عيوب هذه الطريقة هو انتكاس الحالة وعودتها الى الحالة المرضية الاولى، كما لا يجوز علاج الاطفال بهذه الطريقة.
2- العلاج باليود المشع، وذلك بإعطاء المريض جرعة واعدة من اليود المشع، فتنطفىء بذلك خلايا الغدة الى الابد وينعدم افراز الهرمون وهذا يقتضي إعطاء المريض هرمون الثايروكوسين مدى الحياة تعويضا عن الهرمون المفقود.
3- العلاج الجراحي بعد تهدئة الغدة نسبيا بالأدوية السابق ذكرها في الطريقة الأولى بإجراء استئصال جزئي للغدة ما يؤدي الى شفاء المريض شفاء تاما.
4- أما اذا نقص افراز الغدة من الهرمون نتيجة الكسل المفرط للغدة بسبب الاستئصال الجراحي الكامل او معالجتها باليود المشع فيشكو المريض من زيادة في الوزن، وبطء في الحركة والكلام مع هبوط في النبض والضغط، ومن جفاف وسماكة الجلد وإمساك شديد وكسل جنسي وعاطفي.
وعلاج هذه الحالة تكون بإعطاء المريض هرمون الثايروكسين بالكمية المناسبة مدى الحياة ما يؤدي الى اختفاء هذه الاعراض تدريجيا والعودة الى الحالة الطبيعية.
ومن الأمراض الاخرى الشائعة للغدة الدرقية ما يعرف ب “التضخم المتدرن للغدة”، وهو تضخم عام بالغدة مع تكوين كتل متكيسة داخلها ولا يكون مصحوبا بتغيير في وظائف الغدة، ولذلك لا تؤثر في وظائف الجسم وهو يصيب الإناث اكثر من الذكور وينتشر في البلدان التي تقل نسبة اليود في المياه ما يجعل الغدة تزيد من نشاطها فيحدث التضخم والتدرن، كما يرجع هذا التضخم الى عامل وراثي يتمثل في نقص بعض الانزيمات التي تدخل في تفاعلات اليود عند هؤلاء المرضى من اسرة واحدة.
ومعظم الذين يصابون بهذا المرض لا يشكون من اي اعراض سوى تضخم الغدة، أما اذا زاد هذا التضخم فقد يسبب صعوبة البلع او التنفس نتيجة ضغط الغدة على المريء او القصبة الهوائية.
وفي حالات نادرة يحدث انتفاخ مفاجئ في الغدة مصحوبا بألم حاد في الرقبة وذلك نتيجة حدوث نزيف مفاجئ في الغدة.
وفي مثل هذه الحالات نجري للمريض فحصاً لوظائف الغدة وأشعة موجات صوتية ونأخذ عينة من الغدة بوساطة البزل بالإبرة ء.خ.ئ لفحصها مجهريا ولا يحتاج المريض الى استئصال جراحي إلا اذا سببت الغدة ضغطا موضعيا كما ذكرنا أو لأسباب تجميلية بسبب تشوه منظر الرقبة.
أما إذا ظهر من الاشعة الصوتية وجود عقدة وحيدة وكان الفحص المجهري مشكوكا فيه فيجب استئصال الفص المحتوي على هذه الغدة وإعادة فحصه مجهريا، فإذا ظهرت فيه خلايا سرطانية فيلزم استئصال الفص الآخر وإكمال العلاج الجراحي بواسطة جلسات اليود المشع، حسب الحالة.
ويندر اصابة الغدة الدرقية بالسرطان - كما يعتقد كثير من الناس - ويحدث ان يكتشف ذلك بعد استئصال الغدة وإرسالها للفحص المجهري او بعد اخذ العينة بالابرة منها ء.خ.ئ لأن سرطان الغدة لا يحدث اعراض وغالبا ما يكون معزولا في عقدة قاسية داخل الغدة، او مصحوبا بتضخم في الغدد اللمفاوية في الرقبة بسبب اصابتها بالسرطان، أو تكون مصحوبة بتغيير في الصوت ناتج عن امتداد الخلايا السرطانية الى الحبال الصوتية وهذا لا يظهر إلا في الحالات المتقدمة التي تأخرت كثيرا عن الفحص والعلاج.
وعلاج هذه الحالات بطبيعة الحال هو الاستئصال الكامل للغدة الدرقية، مع احتمال استئصال الغدد اللمفاوية المصابة ان وجدت وفي بعض الحالات تعالج الاورام المنتشرة خارج الرقبة باليود المشع حسب الحالة.
د. محمود عبدالوهاب
استشاري جراحة عامة
المصدر : مجلة الصحة والطب .