ثورة عربية ضد السرطان
أطلق اللبناني ميشال عبيد (24 عاماً) ثورة علمية بتوصله لوضع دواء ضد السرطان، استنادا إلى آلية جديدة مغايرة لما اعتمده العلم سابقاً في مضمار المعركة ضد هذا المرض الخبيث، وبينما كان الطب يكافح السرطان بالمواد الكيميائية السامة التي تترك آثارا سيئة في المريض دون أن تتمكن من شفائه التام، فإن طريقة عبيد باغتت السرطان من الجهة التي لم يعتمدها العلم سابقا، وهي مكافحته من داخل الإنسان، بفضح وجود السرطان في الجسم، وتمكين جهاز المناعة من كشفه، ومهاجمته والقضاء عليه.
أثار اختراع عبيد اهتمام العلماء وشغل الصحف العالمية، وكتبت عنه جريدة “Le Parisien” تحقيقاً بعنوان “السرطان: الاكتشاف الذي لا أخذ لباحث في ال24”، كما نشرت مجلة “Nature Medecine” تحقيقاً مماثلا. وبدأ صيته يغزو الآفاق، فيتلقى اتصالات من مختلف أنحاء العالم تعرض استقدامه لقاء مبالغ مغرية، لكنه يصر على البقاء في المعهد الفرنسي “غوستاف روسي دو فيل جويف” الذي يستوعب أهم الاكتشافات العلمية، والذي تمكن ميشال فيه من التوصل إلى اختراعه.
ويتهيأ ميشال للشروع بتطبيق اختراعه على الإنسان، ما سيستغرق منه جهودا مضاعفة ستقضي على فرصه وأعطاله، ولذلك استغرق أسبوعين من الراحة ما بعد تحقيق النصر الأول بتطبيق اختراعه على الحيوان بنتائج مبهرة، ليزور أهله في بلدته بقرزلا العكارية في شمال لبنان.
وفي منزل متواضع من طبقة واحدة أنجب فيه المدير السابق لتكميلية البلدة سركيس عبيد، وزوجته انعام أولادا ثلاثة هم انطوان وميشال ومرسال، كان ميشال (1982) يتابع دراسته في مدرسة الضيعة الابتدائية، وتابع دراسته الثانوية في ثانوية القديس يوسف الخاصة القريبة من بلدته، وأمضى عامين جامعيين في الجامعة اللبنانية بغية متابعة الطب، ورب ضارة نافعة حيث لم يتح له امتحان الدخول التصفوي في الجامعة اللبنانية الاستمرار، فتوجه شطر الغرب مثل آلاف الطلاب اللبنانيين، وحط رحاله في فرنسا. هناك يتاح للراغب الانطلاق، خصوصا إذا كان مثل ميشال طالما ترصد عبر مطالعاته الدائبة في الكتب والمجلات العلمية، وعبر الانترنت، آخر الأبحاث العلمية، ولاحق تطورات المفاهيم عن السرطان، كيفية عمله وتغلبه على الإنسان، وآخر ما يتوصل إليه العلم من اكتشافات في مكافحته.
وفي العام ،2001 وصل ميشال إلى تولوز ثم انتقل إلى “معهد غوستاف روسي” (Institut Gustave Roussy)، وفي نيته التوصل إلى قهر السرطان. هناك بدأ دراسته وأبحاثه، وتوصل إلى اختراعه.
وفي منزله القروي، يمضي ميشال عطلته مع أهله. الباب مفتوح لكل زائر، صحافيون ومرضى سرطان لا يتوقف توافدهم إلى المنزل، فيستقبل ميشال وأهله الجميع برحابة صدر. شقيقه أنطوان نال فرصة عمل من مركزه في تونس لملاقاة ميشال، يتصدر ترتيب الضيافة والرد على الهاتف أثناء انشغال ميشال، ويساعده مرسال على تقديم المعطيات المؤرشفة الكترونيا على الكومبيوتر.
يتنهد ميشال معلقا: “المرضى يتعلقون بحبال الهواء. كثيرون أتوا إلي وفي ظنهم أنني أستطيع مساعدتهم. أتشوق إلى ذلك اليوم الذي يمكنني فيه مساعدة المرضى. هم لا يستوعبون أننا لا نزال في مرحلة التجارب على الحيوان لأنهم يبحثون عن بارقة أمل في أي مكان. ليتنا نستطيع تسريع الأبحاث على الإنسان”.
وأضاف: “ما توصلنا إليه هو ثورة علمية، ومن بعده لم يعد بإمكان العلم أن ينظر إلى السرطان كما في السابق حيث كانت المعالجات للسرطان، ولا تزال، تتم بالاعتماد على العلاجات الكيميائية، ومواد سامة تقضي على السرطان، وعلى جهاز المناعة في آن. لا يتعرف جهاز المناعة إلى السرطان، مما يجعله ضعيفا بعد تعرضه للعلاج الكيميائي، فيمكن بذلك للسرطان أن يتمدد مجددا. طريقتنا أذكى من تلك الطريقة بكثير، وهي تنطلق من مفهوم أن السرطان مرض ذكي جدا، فهو يستطيع أن يخفي نفسه فيصبح الجسم غير قادر على التعرف إليه. ومن هنا تقوم نظريتنا على كيفية تمكين الجسم من رؤية السرطان، والتعرف إليه كخطر لمعالجته من داخل الجسم، بإعطاء جهاز المناعة الدور الأكبر في اكتشاف الخلايا السرطانية وإزالتها. وكان على الأبحاث التوصل إلى اكتشاف آلية عمل الخلايا السرطانية، لمعرفة كيفية مواجهتها”.
وأوضح “هذه الآلية تحمل الخلايا على سطحها مواد عضوية وبروتينية تنشط جهاز المناعة، من جهة، وبوجودها يتمكن الجسم من التعرف إلى الخلايا، من جهة ثانية. ذكاء السرطان ينطلق من قدرته على إدخال هذه المواد إلى داخل الخلية، فيخفي وجوده عن جهاز المناعة ولا يتمكن جهاز المناعة من اكتشافها، مما يجعل هذا المرض خفياً في جسم الإنسان، ويتسرب بدوره الى جميع أعضاء الجسم، محدثاً شللاً تاماً في جهاز المناعة”.
وأردف: “كان منطلقنا الارتكاز على تغيير الأفكار التي سادت عن السرطان وسبل معالجته، توصلا إلى تغيير مفهوم المعالجة، وتغيير الدواء وآلية عمله. ارتكز اكتشافنا للدواء الجديد على إعادة إخراج المواد العضوية والبروتينات إلى سطح الخلايا السرطانية، ومنها بروتين Calreticuline، وبذلك يتمكن جهاز المناعة من رصدها، ويلاحقها، ويمكنه القضاء على الورم بكامله مثلما يتمكن من القضاء على الفيروسات والأجسام الغريبة الطارئة على الجسم”. وأكد أن “الآلية التي اعتمدناها لا تترك آثارا سلبية في الجسم كالعلاجات الأخرى التي تسبب تساقط الشعر، وإضعاف الجسم، وضرب جهاز المناعة وسوى ذلك من آثار، وهي تعتمد على تفعيل جهاز المناعة. وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها اكتشاف علمي للسرطان لا يترك أية آثار سلبية”.
ثم تحدث عبيد بالتفصيل عن التجارب التي أجراها على الفئران مستخدما رسوما إيضاحية، وشرح مراحل بحوثه، بدءا من “زرع الأورام في 4732 فأراً وتركنا السرطان ينمو في أجسامها حتى وصل إلى نسبة 27% من حجم الجسم، وهي نسبة كبيرة جدا. ثم قمنا بحقنها بالدواء الجديد لمرة واحدة، وصولا الى المرحلة الأخيرة التي نجا بنتيجتها 90 في المائة من الفئران بعد الاختفاء النهائي للورم، أما ال10 في المائة من الفئران المتبقية، فقد تحسنت حالها بشكل ملحوظ بعدما تضاءل الورم بشكل كبير. وال10% المذكورة هي أولا نسبة احتياط، ويجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وربما كان سببها سوء تطبيق بعض التجارب حيث كنت أعمل على ما يقارب الخمسة آلاف فأر، وربما كان هناك سوء استخدام للدواء في بعض هذه الحالات، والإنسان معرض للخطأ، وهذا طبيعي علميا”.
وقال: “الدواء الذي اكتشفناه مطبق على الحيوان، وأعطى نتائج مذهلة لم يسبق لأي اختبار آخر في العلم الحديث أن أعطى نتائج مثلها على الحيوان، وهذا الدواء الذي استعمله لم يترك أثراً سلبياً على الفئران، على خلاف العلاج الكيميائي الذي أفقدها نحو 50 في المائة من وزنها”.
وتابع: “نحتاج إلى بعض الوقت لنبدأ بتطبيقه على الإنسان بعد تذليل بعض العراقيل التي تحول دون ذلك وهي مؤقتة، ومنها القوانين المعروفة بالقوانين الأخلاقية التي تمس بالبشر، وعلينا تجاوز مرحلة هذا التحفظ، توصلا إلى الحصول على براءة الاختراع. وهناك العقبة الكبرى التي هي تأمين التمويل اللازم الذي تحتاجه التجارب على الإنسان، وهنا ترتفع التكاليف أكثر بكثير مما هي على الحيوان. ومتى حلت هاتان العقدتان، أعتقد أننا تغلبنا على السرطان بنسبة عالية جدا”.
وعن نسبة نجاح التجارب على الإنسان بالمقارنة مع نسبته على الحيوان، أوضح عبيد: “ليست هناك أية صلة علمية تؤكد هذا الجانب من البحث. ولكن وبصورة عامة، المعروف أن كل ما يصح على الحيوان يصح على الإنسان دون التأكيد من الحصول على النتيجة بنسبة 100%. علينا أن نكون موضوعيين وعلميين. ما شاهدناه في تجاربنا لم يسبق أن ظهر في أية تجارب على الحيوان سابقاً، وهناك احتمال وأمل كبيران في أن ينجح الاختراع على الإنسان وكل ما نحتاجه التأكيد العلمي بعد الاختبار على الإنسان”.
ويتضمن تطبيق تجارب الدواء الحديث على السرطان تناول بعض أصناف المرض، يقول عبيد إن “هناك 100 نوع من السرطان تقريبا. وتطبيق التجارب على كل هذه الحالات ليس بهذه السهولة، لا علمياً ولا مادياً. التجارب التي أجريناها تناولت الأنواع الشائعة من السرطان مثل سرطانات الصدر، والعظم، والأمعاء الغليظة، والكبد، وكل منها عدة أصناف ومراحل”. وعن العوامل الوراثية في الإصابة بالسرطان والقدرة على مكافحة الجسم له، أوضح عبيد أن “عدة عوامل تلعب دوراً في التسبب بالسرطان. هناك تراكم مسببات عبر السنين، وقد تجتمع فيها عوامل الاختلالات الجينية مع طريقة العيش. عند الصغار بين 2-3 سنوات مثلاً، يلعب العامل الجيني الدور الأكبر، لكن هذا العامل ليس هو الشائع، بقدر ما هو تزاوج عاملي الاختلال الجيني وطريقة العيش. الذين ليس عندهم اختلال جيني يمكن أن يصابوا بالسرطان بسبب ما يتعرضون له في حياتهم من مواد مسرطنة. الاختلال الجيني فيه عدة مستويات وأنواع، وحالات السرطان ليست نفسها وهي شديدة التنوع والتعقيد. هناك أنواع شديدة الذكاء والعدائية، والبحث في هذا الجانب من الموضوع طويل ومتشعب”.
وعن التمويل المطلوب، قال: “يمكن أن يكون التمويل على شكل هبات، وهذا ما نطلبه. لا نبحث عمن يشتري الاختراع لأننا نريد متابعة الأبحاث اللاحقة بنفس الروحية التي توصل إلى منفعة البشرية. نتمنى على القادرين على المساعدة تقديم الهبات لإنجاح هذا المشروع. الحكومات والدول لا تمول هكذا مشاريع في العادة، وتقوم بهذا الدور الهيئات والمنظمات غير الحكومية. إن دعم هذا المشروع له بعد إنساني، وهي مساهمة في انقاذ البشرية”.
وختم عبيد “يجب أن نبدأ بتطبيق التجارب على الإنسان في أسرع وقت. مضت عقود طويلة يتعذب المرضى فيها من المرض ومن العلاج في آن. حان الوقت ليتغلب الإنسان على السرطان، وها هي الفرصة باتت متاحة. هذا الدواء لا توجد فيه أية آفات سلبية. إنه ثورة علمية بكل معنى الكلمة، ويجب أن نشرع بالتجارب بأسرع وقت”.
منقول ..........