حديث الشروق... رمضان 1427 من هجرة خاتم المرسلين
*الحمد لله الذي بلغنا رمضان، ونسأله ألا يحرمنا الشعور به، وألا يجعله آخر عهدنا بكتابه الكريم
أأجعلكم وأقواماً سواءً ... وبينكم وبينهم الهواء
وهم أرض لأرجلكم وأنتم ... لأرؤسهم وأعينهم سماء؟
رمضان يأتي وهموم أبناء الإسلام كثرت، ونوق أكثرهم بركت، والنصال على النصال فوقهم كُِسرت.
هموم كثيرة خطيرة، والملونة فيها أخطر من المباشرة
فتن تلبس بردتنا، وفتن في زي الآخر -المتسامح- الذي سلخ جلدتنا، وبسمته اللزجة لا تزال تطالعنا!
رسائلي إلى نفسي الخاطئة الظالمة ، ثم لكل فئات الخلق من حولي
بندكت :
*بسم الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد
بسم الله الذي لا يصح في الأذهان السوية إلا وصفه في كتابه بالوحدانية
ومعه نفي كل الحكايا الباطلة غير الحنيفية ، سبحانه سبحانه سبحانه
بسم الله الذي يهدي فضلا، ويضل عدلا !
تعالى الله عن الصاحبة، وتعالى الحق أن يكون ملة محرفة مثلثة، لا أصل لها ولا مفهوم منها ...
تعالى الإسلام أن يكون في موضع مقارنة بما افتروه على الله، ولم يثبت أمام أي نقد علمي، أوبحث موضوعي تاريخي عقلي بدهي، ولا دراسة مقارنة أديان تعي، ولا فطرة سليمة قويمة...
وحق للإسلام أن يكون دين البشرية جمعاء، وأن ينظر له كدين الله ومنهج الخلاق، وليس كفكرة مضادة لأفكار لا تصح من كل وجه، ولا يصح من كل وجه إلا الإسلام!
دين إبراهيم وموسى وعيسى وآدم، عليهم صلوات الله وسلامه
ثم نحن :
لكن قبل أن يغضب المسلم للإسلام، يجب أن يكون هو أصلا مسلما بحق الإسلام!
وألا يكون فتنة لغيره بتخليه عن كتابه، أو بفشله وتخلفه الديني والدنيوي!
(ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا)
أوبجهله بحقيقة دينه، لأنه لم يهتم بهذا اهتمامه بمصدر رزقه
ثم :
ثم ندخل بيتنا، ونرجو ألا يحدث مزيد فتن في العراق ولا الشام ولا مصر!:
*على حب الله نلتقي، على حب رسول الله نلتقي، على حب صحابته وأزواجه نلتقي!
وكفى.... من علم أن كلامه ينكأ جرحا فليصمت :
اللهم صل على محمد، وعلى آله وصحبه جميعا، وسلم تسليما كثيرا
صحبه ..نعم ! والخلفاء الأربعة أولهم، وآل بيته جميعا! وعائشة رضي الله عنها أحبهم! لهم الرحمة بفضل الله وعنايته واصطفائه، وتتناولهم جميعا أحاديث الخيرة ! وآيات البشرى ! والله غفور رحيم عليم حكيم حليم
فمن نال من أحدهم فهو الملوم، ومقام كلٍ معلوم!
لا يقدسون.. ولا يهانون! بل يحترمون ويوقرون، أكثر من الآباء والأمهات، وتوكل الأخطاء – أو ما يشتبه فيه - لرب الأرض والسماوات.. وتلقى الشبهات المفتراة في البرك والمستنقعات، وقلوب العتاة القساة مثلها مثل المستنقعات، هل رأينا مستنقعا يطهره ماء صاف! أو عطر! بل يضيف إليه ( يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ) ...
*في هذا الشهر الكريم نكثر من سماع النصائح والزواجر، فماذا بعد؟؟؟
((هل الحكمة كلمات؟
بل هي تصرفات ومواقف على السنة، وتوازن نفسي قلبي عقلي، واعتدال ووضع للشيء في موضعه، ثم نطق بنور الوحي
لهذا قيل :
[تسبق أنوار الحكماء أقوالهم، فحيثما صار التنوير وصل التعبير]
وقيل :
ما زهد عبد واتقى إلا أنطقه الله بالحكمة
والأعلى :
( اتقوا الله ويعلكم الله )
صدق الله ...
وقال علامة الشام ابن القيم رحمه الله :
حسن الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، فيميز به بين الصحيح والسقيم، والصالح والفاسد... إلى ءاخر كلامه رحمه الله.
ففهمك للدليل الشرعي وعملك به! ثم فهمك للواقع الذي يعمل فيه الدليل نور من الله تعالى (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)
فالحكيم يضع الشيء في موضعه، ولا يجاوزه حده ولا حقه.
الحكيم خلقه السنة المطهرة:
هينون لينون أيسار بنور يسر *** سواس مكرمة أبناء أيسار
لا ينطقون بغير الحق إن نطقوا *** ولا يمارون إن ماروا بإكثار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم *** مثل النجوم التي يسري بها الساري
• ما دامت الحكمة ليست كلمات، فما قيمة الجمل والعبارات ؟
قيل :
(( [العبارة قوت لقلوب المستمعين، وليس لك منها إلا ما أنت له آكل]
فهي كالطعام لزيادة إيقان قلوبهم، ولو كنت أنت متكلما بلا عمل فستكون كمن يقدم السفرة ولا يأكل منها! ))
والكلام لنفسي قبلكم :
يعنى أخي -أنجاك الله- ستكون أنت قنطرة يمرون عليك إلى الجنة بسبب عملهم بنصائحك، ويلقى بك بعدها في الجحيم، لأنك تقول ما لا تفعل {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون** سورة الصف، {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم** سورة البقرة.
فالدعاة على خطر عظيم، إلا لو عملوا بما يقولون، فإذا كانوا كذلك فقد استقلوا بأنفسهم بعيدا عن طريق النار والألم... والأمر واضح لا يحتاج مزيد بيان.
• كيف بمن تصدى للفتن وهو بلا حصيلة تقويه؟
كيف بمن يريد تعلم الدقائق وهو جاهل بالأصول؟ لا أصول التوحيد والدين والإيمان، ولا أصول الفقه، ولا أصول التفسير
الأمر سنة عامة!
وقد قيل :
( مثلنا مثل الطير، من لم يبلغ المقام فلابد أن يلزم العش في حضانة من يرزقه ويطعمه، فإذا طار من العش قبل تربية الجناح إصطادته الكلاب والبيزان، ولعبت به النساء والصبيان )
فلابد من عش العلم فترة ليتقوى المرء ، ولابد له من علم الأصول أولا (التوحيد والإيمان، ثم ما علم من الدين بالضرورة، ثم فروض العين، ثم ما يلزمه ويلزم الأمة من فروض الكفاية، الأنسب فالأنسب).
وقد قيل ( الطائر لا ينبغي له من القوت إلا ما يقدر أن يأكله وإلا قتله، فليس طعام الصبي الصغير كطعام الرجل الكبير، فلا تشغلن نفسك بفضول العلم وأنت في أول الأمر، فكل واحد يأخذ ما يليق بحاله.
{قد علم كل أناس مشربهم**
فلا يتعلق المبتدئ بمذاكرة المنتهي فيفسد، كما إذا كان الطفل الصغير طعام الكبير يقف في حلقه، وإذا أكل الكبير طعام الصغير لا يشبعه، فليس لك إلا ما أنت قادر على أكله، وإلا غصصت به، والله تعالى أعلم.))
وحتى في العبادات... افعل ما تطيق، وداوم عليه
(أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل)
(إن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى)
يعني: من يضرب الدابة بعنف لتصل به سريعا، تهلك منه الدابة ويتعطل سيره! يعنى خسر المركب وتخلف عن هدف الرحلة.. فارفق بنفسك، وتدرج معها في النوافل تصل لما تحلم به إن شاء الله..
وقيل
((قوت البشرية معلوم، وقوت ال******ة على وزن قوت البشرية؛ فالصبي لا يطيق الطعام الخشن حتى يكبر، كذلك النفس تربى شيئاً فشيئاً.
ولكن حين تكبر-علما- وتتربى -بالتقى- فلا تهملن نفسك، ولا ترض بالقليل من العبادة، واعزم عزائم السلف:
إذا العشرون من شعبان ولت *** فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار *** فقد ضاق الزمان على الصغار
فافهم من الشاعر انصراف العمر، وضيق زمان الدنيا كله.
وهذه للمتلقي للحكمة :
فتأمل روح الكلام والمقصود منه دائما، وهو باطن المعنى المندرج في ظاهره اندراج النبات في الحبة، كما كان السلف الفطناء يستنبطون الأحكام من مثيلاتها، بفهمهم لعللها وأسبابها، فتتكون لديهم قواعد الشريعة، فيطبقونها في كل موقف ليس فيه نص خاص به.
ومن هنا يفتي المفتي.. بفهمه للشريعة وهو العلم (الفقه يعني الفهم واستنباط الأحكام من الأدلة) وليس حفظ النصوص فقط...)) وهذه مأساتنا بل قل آفتنا
* العلم هدية واختبار، من استعمله لقبض الفلوس نال الشقاء والبؤس...
وكذلك من استعمله للشهرة، ومن طوعه لغاية... ...
وكم رأينا من يقوم بعمل مريب، ويبحث عن فتوى تبيحه له بين ثنايا الكتب، وفي زلات الشيوخ... فالنفس تسول التحلل.. وعليك بتأديبها دوما...
وختاما، عود على ألم البدء ... نقول لصاحب الذكرى – صلى الله عليه وسلم -مع الصادح الأسبق :
أأجعلكم وأقواماً سواءً ... وبينكم وبينهم الهواء
وهم أرض لأرجلكم وأنتم ... لأرؤسهم وأعينهم سماء؟
صلى الله عليك وسلم يا حبيبي، يا محبي دون أن تراني، يا من أحببت كل أمتك وأحببت الخير لكل البشر، رغم مصابك منهم بالأذي والضرر، ورغم كبير الألم، يا من أهديت إلي ياقوتة الهداية مبلغا عن الخلاق العليم، ولم تسألني أجرا، ولم تثقلني غرما... أسأل الله لك الوسيلة والفضيلة، والمقام المحمود بين يدي ربك الكريم
عذرا لذكراك
وما افتروا إلا لما في صدورهم من غل، فهذا صديد خارج من جرحهم المتقيح ، ولا عجب فقد افتروا على الله ! أيتورعون عن رسله ! صلوات الله وسلامه عليهم
جعلوا له ما ترتجف له السماء من الأوصاف المنكرة وهو سبحانه
منزه عن الإدراك، وهو الخالق وهو الخلاق !
فإنا لله وإنا إليه راجعون... حسبنا الله ونعم الوكيل، سنضيء مصابيح الهداية حتى لو فتلنا لها من أروحنا
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على النبي العدنان
د.إسلام المازنى
والله من وراء القصد........