الحيـاء
خلق الأمة الإسلامية
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة ، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلقه إلا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة الإسلام ) .
سنن ابن ماجة 2/1347 ، الحديث 4054 .
إن لفظ الحياء مشتق من جذره اللغوي : "حيي ، يحيى ، حياة " خلاف الموت ، من باب " رضي" .
وإذا كان الحياء في الاصطلاح هو انقباض النفس عن القبائح الذي هو حياة معنوية حقيقية ؛ فإن نقيضه الذي هو الموت المعنوي يعني إقبال النفس على المعاصي وانشراحها وجراءتها على حدود الله تعالى وأعراض عباده .
فنقيض الحياء الوقاحة ، وقد يقابل بالبذاء ، ومن ذلك الحديث المروي عن أبي بكرة أنـه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البذاء من الجفاء والجفاء في النار ، والحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة " ( صحيح ابن حبان 13 / 10 - الحديث 5704 ) .
إن الإيمان هو أساس رسالة الإسلام ، غير أن الإيمان ليس دعوى بدون دليل ؛ إذ ربط البارئ عز وجل ربطا محكما بين الدين والخلق في قوله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء " ؛ بل إنه لم يعده جزءا من الإيمان فحسب وإنما عده الدين كله ، فحين قال صحابة للرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الحياء من الدين " قال عليه الصلاة والسلام :" بل هو الدين كله " ثم قال : " إن الحياء والعفاف والعي على اللسان لا على القلب ، والفقه من الإيمان فإنهن يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا ، وإن الشح والعجز والبذاء من النفاق ، وإنهن يزدن في الدنيا وينقصن من الآخرة وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا " ( حديث 85 - مكارم الأخلاق 1/ 3)
ولهذا قرن الحياء بالإيمان حتى أصبح ارتفاع أحدهما يعني ارتفاع الآخر، كما جاء في الحديث : " إن الحياء والإيمان في قرن ، فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر " .
والحديث الذي بين أيدينا يبين في حكمة نبوية بالغة أن منطلق الانحراف هو نزع الحياء الذي يقود بالضرورة إلى الفحش والبذاء والوقاحة ، وهي خصال النفاق ؛ والمتصف بها لن تجده إلا مقيتا مبغضا ، حتى إذا ما أبغضه الناس لم يتورع عن خيانة الأمانة ، فتأكدت بذلك خصلة ثانية من خصال النفاق المهلكة .
ولا شك أن من تجرأ على الخيانة والغدر قد نزعت الرحمة من قلبه ، وحل محلها الغلظة والجفاء والقسوة ، وهي مدعاة للعن صاحبها وطرده من رحمة الله ، فلم يبق له إلا نزع ربقة الإسلام .
وإذا كان هذا التوجيه النبوي يعني كل مسلم ، فإن أصحاب الرسالة وأرباب الدعوة إلى الله تعالى هم الأحوج إلى تدبر قوله صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره ، لعظم ما حملوه من أمانة التبليغ وخطورة ما اشتغلوا به من أداء الرسالة ، فخلق الحياء لدى الداعية سر كل خير وفضيلة كما أن انعدامه أصل كل شر وبلية ؛ لأن الاشتغال بالدعوة رسالة وأمانة ، وفاقد الحياء بغيض ممقوت عاجز عن أداء الأمانة ، فشيمته الغدر والخيانة ، ومن كانت هذه خصاله نزعت منه الرحمة فلم يتورع عن المكر بالمؤمنين وإلحاق الأذى بالدعاة الصادقين والإساءة إلى دعوة الله بالكذب والافتراء والتشويه .
إن أعراض مرض انعدام الحياء من المرء تبدأ بسيطة كشأن أغلب المعاصي ، ثم تتعاظم وتشتد إلى أن تورد صاحبها المهالك .
تبدأ أولا جدالا حول الأحكام الشرعية ونصوصها ، ثم تأويلا مغرضا لها حسب المصالح والأهواء ، ثم انتقاء منها ما يناسب المصالح الشخصية ، ونيلا من الذين يحافظون عليها ويجرونها على مقاصدها الشرعية ، ثم يتعدى ذلك إلى تحريف النصوص نفسها ومحاولة إلغائها وضرب بعضها ببعض ، ثم ينحط المرء إلى أسفل الدركات بالجدل في أصلها والتعدي على حدودها .
وإذا تجرأ الإنسان على ربه وتشريعه كان من باب أولى أن يتجرأ على خلق الله وأعراضهم ودمائهم وأموالهم .
إن التجرؤ على خلق الله لابد أن يسبقه التجرؤ على الله ، وإن لم تكن أعراض التجرؤ على الله ظاهرة . وما التجرؤ على خلق الله بسفك دمائهم وانتهاك أعراضهم وأكل أموالهم إلا إعلان صارخ بأن المرء قد قطع صلته بربه ، ونزعت منه ربقة الإسلام ؛ وهذا ما يبينه ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يسفك دما حراما ، فإذا سفك دما حراما نزع منه الحياء " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " .
والله من وراء القصد ...***
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك )))
لاتنسوني من صالح دعائكم
أخيتكم/ الرحيـــــــــ((أزف))ــــــــــــــــــل